سلام: البلد في خطر.. والغطاء الاقليمي والدولي يضعف!

يمكن إتهام تمام سلام في السياسة بالكثير. نجل البيت السياسي العريق يدرك جيداً منذ كان طفلاً يلهو في باحة السراي الحكومي أن الموقع لا يغري وفيه الكثير من التحديات. كل ذلك يبدو منطقياً لرجل تمرس في السياسة وورثها وأضحى نموذجاً، وفق توصيف بعض الدبلوماسيين، يجب أن يعمم على المنطقة، لكن إتهام سلام بـ”الداعشية” وحده كافٍ ليثير غضب نجل صائب سلام، أحد رجالات صيغة العام 1943.

كما في مواقفه كذلك في كلامه وفي ممارسته، يطلق عليه وصف “الجوهرجي” في نجاحه بإدارة شؤون البلاد في ظل هذه الظروف. يحمل سلام الميزان حتى في الكلام، وإن ضرب يده على الطاولة، ولكل مسألة وزنها وتقييمها، من هنا يبدأ كلامه أمام كل الأزمات والعقبات التي تواجهه منذ حصوله على لقب “الدولة” بأن “الزائد أخ الناقص”، لم يندم على ما قام به، حقق إنجازات، وأخفق في أماكن، لا يخفي عدم ارتياحه للظروف التي رأس فيها الرئاسة الثالثة، خصوصاً لجهة الإنتاجية، على الرغم من أن أمنياته كانت كبيرة، لكن إرساء الأمن والإستقرار في البقاع والشمال مروراً بإقرار العديد من التعيينات يشعرانه بالفخر.

كل ذلك، يدفع سلام إلى النظر الى الأزمة الحالية بعين لا تخفي القلق. في السراي الحكومي يترقب سلام أزمته المستجدة، ويستمر في البحث عن حلول لا سيما في ظل التصعيد العوني بوجهه، مؤكداً معرفته التامة أن حكومته ليست لمعالجة الأزمات السياسية الخلافية بل فقط لتسيير شؤون البلاد، ينطلق من هذه الثابتة ليؤكد إدراكه لدوره في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة، والنيران المشتعلة حول لبنان.

عند سؤال سلام عن الأزمة الحكومية وما جرى داخل الجلسة والإتهامات التي وجّهت إليه يسارع إلى الإجابة بأن “الزائد أخ الناقص”، يعتبر أنه من حق الجميع الإعتراض وتسجيل الموقف، ولكن ليس الذهاب إلى أقصى الحدود لا سيما أن “أوضاع البلاد لا تسمح لذلك في هذا الظرف الدقيق، وهم دخلوا في إشتباك مع رمز الإعتدال، وسياق إتهامي بالداعشي هو جزء من “الزائد أخ الناقص”، وهم ذهبوا إلى أقصى ما يمكن ولا بد لهذا الأمر أن يرتد عليهم، لأن الناس ستقول لهم بأن هذا خطأ”.

تأجيل “المشكل” إلى ما بعد عيد الفطر ينظر إليه سلام بواقعية، يأخذ على محمل الجد كلام “التيار الوطني الحرّ” التهديدي، قائلاً: “بعد الجلسة اعتبروا أن المعركة بدأت الآن، ما يعني أن المشكلة أجّلت، وإذا ما استمروا بهذه التصرفات لا يمكن أن نعلم إلى أين سيذهب البلد، فهل من المعقول أن يهدد البعض بأن البلد لا يعنيه؟ وهم يستندون في كلامهم إلى أنهم ضد النظام وليس ضد الدولة فهل هناك دولة من دون نظام؟”.

ولدت الحكومة في ظروف دقيقة، وحظيت بغطاء إقليمي ودولي، بالنسبة إلى سلام فإن شيئاً ما على هذا الصعيد بدأ يتغير في المرحلة الأخيرة، يقول: “بدأت أشعر بتغيير ما في هذا المجال، الدول الخارجية تقول لنا إن المنطقة من حولنا تشتعل ونحن في حال من الهدوء النسبي، لذا يجب الحفاظ على الإستقرار، لكن في ظل تصرفاتنا كسياسيين يبدو أن الدول لم تعد مستعدة أو متحمسة، لا سيما أن إشتعال المنطقة، والأزمات فيها هو أكبر من كل ما يجري لدينا”.

يقلق سلام الوضع الأمني على الرغم من الهدوء النسبي. يقول: “هناك تخوف من تردي الأوضاع الأمنية، ونحن من يتحمل المسؤولية، بدءاً من العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، وللأسف نحن دوماً بحاجة لمن يسيّر لنا شؤوننا في هكذا استحقاقات، لكن الظروف كانت مغايرة، اليوم كل المنطقة مشتعلة ولا أحد مهتم بنا، فكل المنطقة من حولنا تنهار، بماذا نتميز عن غيرنا كي لا ننهار، وماذا فعلت الدول لغيرنا؟ وماذا يمكنها ان تفعل لنا؟ خصوصاً في ظل تغليب مبدأ الشخصانية وأنا أو لا أحد، فهذا لا يخدم البلد، وبالتأكيد لا يساعد الخارج على مساعدتنا”.

يختلط التشاؤم بالتفاؤل لدى سلام، بعد تجديد مخاوفه، يقول إن “التعويل الأساس في هذه الظروف على الحوار، فهو يريح الأجواء ويحافظ على الهدوء، على الرغم من أنه لن يصل إلى نتائج، لأن الهم الأساسي لدينا في هذه المرحلة تجنّب الفتنة، وتجنّب أي شد عصب من قبل بعض الأطراف، كي لا يدخل البلد في المجهول. ولا شك أن هناك خوفاً دائماً لا سيما على خلفية ما يجري حولنا، لذلك يجب تحصين أنفسنا جيداً من خلال الحوار، ولا بد للجميع أن يقفوا أمام مسؤولياتهم”.

يعود سلام سريعاً إلى الأزمة الحكومية عند كل مفصل. يكرر رفضه أسلوب “البكائية”، لأنها “لا تخدم المصلحة العليا، لا بل تسهم في تذكية العواطف التي تؤجج الشارع، وهذا ما لا نريده، ولا نريد الإنجرار إليه”، يقول إن “أصعب ما في الأمر هو توظيف البعض لظروف معينة تخدم صراعاتهم السياسية من منطلق المصالح الشخصية”، ويأسف لأن “هناك من يستغل ظروفاً معينة، ووضعاً معيناً مع حلفائه لتحقيق ما يريد من دون الإهتمام بمصير البلاد، وفق مبدأ: أنا أو لا أحد ومن بعدي الخراب”، مشيراً إلى أن عون يستفيد من تحالفه مع “حزب الله” للقيام بكل ما يقوم به، لكنه لا يبدو مصدقاً بأن الحزب مقتنع بخيارات عون وتوجهاته “لكن هناك ضرورات للحفاظ على هذا التحالف”.

ومن منطلق الثوابت أيضاً، يشرح سلام موقفه مما إصطلح على تسميته بـ”آلية العمل الحكومي”، هو يفضل تسميتها بـ”المقاربة”. ويقول: “إذا ما اعتمدنا آلية معينة ومحددة هذا يعني تكريس الشغور، أما المقاربة فهي مقاربة مرحلية لعمل الحكومة في ظل غياب رئيس الجمهورية، للتأكيد أن الوضع إستثنائي، ويجب إنتخاب الرئيس كي ينتظم عمل السلطة التنفيذية”.

يبدو سلام مقتنعاً بصوابية مواقفه، وبالدور الحساس الموكل اليه. لا يخفي أنه مصمم على تسيير شؤون الناس، من دون التخلي عن الأسلوب الذي اشتهر به لجهة التوافقية، ويشير إلى إطلاق حركة إتصالات ومشاورات بين مختلف الأفرقاء من أجل التوصل إلى حلّ للأزمة قبيل الجلسة، مشدداً على أنه “لا خيار غير التوافق، وأنا منفتح على كل الطروحات”.

أبعد من التفاصيل الحكومية على أهميتها، أكثر ما يقلق سلام هو بعض المخاوف من أي تداعيات لما يجري في الجوار، لا سيما تداعيات المعركة السورية وتطوراتها، وإي إنعكاس على المستوى الداخلي من بوابة تنامي الحساسيات المذهبية، وعطفاً على ذلك لا يرى أن هذا الوقت هو للحديث عن تغيير النظام، أو تعديل الطائف، أو طروحات فيدرالية، يضعها في سياق “تهشيم” و”تهديم” لبنان، على الرغم من أنه لايخفي ضرورة مراجعة ما طبق من إتفاق الطائف وما لم يطبّق.

(المدن)

السابق
رسالة غاضبة إلى الجنرال الغاضب دائمًا
التالي
للأسد حساباته وتقويماته.. ولـ«حزب الله» أيضاً!