فلسطين حكومة إنهاء الانقسام… بل إنهاء المصالحة

الحكومة الفلسطينية

شكّلت حكومة التوافق برئاسة السيد رامي الحمد الله في حزيران يونيو 2014 بناء على اتفاق الشاطىء – نيسان/ إبريل من نفس العام – من أجل إنهاء الانقسام، وبمهام ثلاثة محددة تكفل تحقيق الهدف، إلا أنه وبعد عام يجري الحديث الآن عن حكومة غير توافقية تنهي عملية المصالحة، وتجعل من الانقسام واقعاً لا فكاك منه.
نصّ اتفاق الشاطىء وبوضوح على أن لا برنامج سياسي لحكومة التوافق أو حكومة الكفاءات الوطنية، وإنما مهام ذات طابع إداري أو تنفيذي تتعلق بدمج وتوحيد المؤسسات بين الضفة وقطاع غزة، وإعادة إعمار هذا الأخير بما في ذلك فتح المعابر، ورفع الحصار، والإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية. الاتفاق نص كذلك على عقد الإطار القيادي الأعلى لمنظمة التحرير المنوط به رسم الاستراتيجيات ومناقشة القضايا الكبرى، بما فيذلك النظر فيكيفية إعادة بناء وإصلاح المنظمة نفسها، كما نص على تفعيل عمل المجلس التشريعي باعتباره رمز أو دليل على النية الصادقة فيإنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للمؤسسات ودورها المركزيفي الحياة السياسية.
من البدايات الأولى اتضح عدم جدية الرئيس محمود عباس في تطبيق فعلي لتفاهمات المصالحة، بما فيها اتفاق الشاطىء، فهو امتلك الترف للمناورة في تشكيل الحكومة حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلانها رسمياً مصراً على التمسك بوزير الخارجية، وحلّ وزارة الأسرى، واضطر للتضحية بالسيد محمود الهباش كوزير أوقاف، ولكن بعد تعيينه في منصب قاضي القضاة والمستشار للشؤون الدينية،ولم يدعو إلى عقد الإطار القيادي المؤقت للمنظمة خلال 5 أسابيع – كما نص الاتفاق- ولا حتى المجلس التشريعي، علماً أن التشكيلة الحكومية لم تكن توافقية وكانت تعبر عن الرئيس بالمعنى الشخصي والضيق للكلمة.
حماس التيقبلت حكومة التوافق على مضض، أملاً في قيامها بالمهام المكلفة بها، تحديداً فيما يتعلق بدمج المؤسسات أي حلّ مشكلة الموظفين الذين عيّنتهم، وربما بالغت في تعيينهم خلال سنوات الانقسام، كما الشروع فيعملية جدية وسريعة لإعادة إعمار غزة بعد الدمار الواسع الذي حلّ بها إثر حرب الصيف الماضي، ورغم أن ثمة تيار منها يضم خليط من العسكريين والسياسيين لم يكن متحمساً للمصالحة وسعى من أجل أن تقوم الحكومة بدفع رواتب الموظفين وفتح المعابر لإدخال مواد إعادة الإعمار على أن تظل مقاليد الأمور الفعلية بيد الحركة تحديداً في البعدين الأمني والإداري، إلا أن التيار الرئيس والمركزي فيها وخاصة فيقيادة الخارج كان منفتحاً على المعادلة التونسية الشهيرة القائلة بالخروج من الحكومة مع البقاء في الحكم ولو من خلال شراكة سياسية في الإطار القيادي الأعلى للمنظمة وإدارية في تسيير أمور القطاع ولو من خلال لجان أو هيئات وطنية عليا تتولى الإشراف على عمل المعابر. كما على إعادة الإعمار بتعقيداتها وتحدياتها المختلفة.
الرئيس عباس من جهتهلم يكن مستعداً لمصالحة حقيقية، وطالب بالإشراف على كل شىء بما في ذلك الملف الأمني. وحاول استغلال المتغيرات الإقليمية والمصرية تحديداً، وتردي علاقة القاهرة بحماس لفرض الاستسلام التام على الحركة،والانفتاح حتى على فكرة إخراجها من المشهد السياسي تماشياً مع أجواء الثورة المضادة في العالم العربي، والأخطر من كل هذا ربما مقاربة فكرة تخليحماس عن سلاحها – المقاوم – للقبول بدور ما لها في الحياة السياسية، وطبعاً تحت رعايته وإشرافهبنموذج أقرب إلى النماذج السلطوية الاستبدادية العربية الساقطة أو تلك التي في طريقها للسقوط.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
لم تستسلم حماس طبعاً مع أخطاء معتادة هنا أو هناك، ولكن مع تعثر عملية إعادة الإعمارـوتنامي خطر السلفيين،وتخلي القاهرة عن وساطتها التي كانت حصرية في الملف الفلسطيني،وتنامي مخاطر انفجار قطاع غزة من جديد في وجه محاصريه، دخلت قوى إقليمية ودولية على الخط لملء الفراغ وقامت بجهود ووساطات غير مباشرة بين الحركة الإسلامية وإسرائيل من أجل التوصل إلى تهدئة طويلة وفق تفاهم إطلاق النار في القاهرة – الصيف الماضي – تتضمن رفع الحصار فتح المعابر وتسريع وتيرة إعادة الإعمار، وإقامة ميناء أو رصيف عائم تحت رقابة دولية والاعتراف بسلطة حماس في غزة في ظل رفض حكومة التوافق القيام بالمهام التي كانت موكلة بها.
وهنا تدخل الرئيس عباس مرة أخرى بإعلان مفاجىء عن استقالة الحكومة،والإصرار على أن تكون أي حكومة قادمة وفق برنامجه السياسي، ولا مكان لحماس فيها – كما قال هو شخصياً لوزير الخارجية الفرنسي – وقد تكون حكومة جديدة من بعض فصائل المنظمة الخاضعة لسيطرة الرئيس عباس أو حكومة قديمة جديدة مع تعديلات ما،ولكن وفق مهام سياسية واضحة لإحراج حماس وإخراجها ودفعها إلى تحمّل كامل المسؤولية عن قطاع غزة بما في ذلك مغامرة تشكيل حكومة أو إدارة ذاتية جديدة في غزة.
في كل الأحوال ستنهي الحكومة الجديدة عملية المصالحة، وستكرّس الانقسام كحقيقة واقعة على الأرض خاصة إذا ما تم تشكيل حكومة أخرى، والتوصل إلى تفاهم جديد للتهدئة في غزة وسيباعد الزمن شيئاً فشيئاً بين الضفة، والقطاع، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الممارسات والسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تعميق الانفصال بين الكيانين – السلطتين كما إلى تكريس الواقع الاستيطاني التهويدي في الضفة الغربية، وبالتالي قتل ما يعرف بحل الدولتين فسنكون في مسافة ما بين نموذج الكوريتين ونموذج باكستان – بنغلاديش، ولكن مع تحديث فلسطيني يتعلق بسلطتين خاضعتين بشكل أو بآخر للاحتلال.

السابق
الجنرال وحليفه حزب الله خرجا من الكيان اللبناني
التالي
العرب اللندنية: العشائر السنية في سوريا تتهيأ لما بعد الاسد