يوميات معتقل (20): لولا أحلامنا…لفقدنا عقولنا

سجون الاسرائيلية
الحلم يستطيع أن يعلو فوق كل شيْ، أن يعبر الأسلاك ولا يعلق بشفراتها الحادة، أن يهزأ من جندي عدوّ مدجّج، أن يعبر ذلك الباب الحديديَّ مختالا غير آبه بحربة بندقية الحارس أو بقضبان الحديد الصّدئة.

زارني اليوم الصّديق أحمد اسماعيل (اعتقل لمدة عشر سنوات). تحدّثنا عن السجون والمعتقلات لساعات… قال أحمد بأن الأسير يحتاج الى ثلاثة أعوام لكي يبدأ بنسيان نفسه ويتوقّف عن التفكير بالخارج… تصبح حياته داخل السّجن هي شغله الشاغل. لذلك فانه يبدأ بالتصرف وكأنّه ولد هناك وسيموت هناك، حيث الأحلام ذاتها تصاب بنوع من الملل والعقم!

أعتقلت لعام ونصف العام. لذلك فان أحلامي بقيت في أوجّها ولم تنطفىء… بين الأسلاك الشائكة للحلم مكانة، وان لم يكن الحلم متوفّرا فتجب صناعته… يجب أن تخرج من هناك…يجب أن تجد ما يذهب بروحك الى أم وأب أو حبيبة… يجب عليك أن تغمض عينيك وتقفل عقلك الواعي وتستسلم لكذبة تختارها وتبتسم وتبتسم وتبتسم…

في تلك الرّحلات أكلت ما أشتهيت، شربت ما أردت، جلت في كلّ أزقّة جرجوع، حصلت على اللحم المشوي في سوق النبطية، وكذلك فانني سافرت الى سويسرا لملاقاة تلك الفاتنة الشقراء مندوبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي اختارت الجلوس على منشفتي عندما زارت معسكرنا لأوّل مرة…

لكلّ معتقل أحلامه… أنه الشيء الوحيد في داخل المعتقل الذي يستطيع أن يفلت من أعين الاخرين وفضوليتهم…

اقرأ أيضاً: يوميات معتقل 6: الشيوعيون كانوا «فشّة خلق» للجميع…

الحلم يستطيع أن يعلو فوق كل شيْ، أن يعبر الأسلاك ولا يعلق بشفراتها الحادة، أن يهزأ من جندي عدوّ مدجّج، أن لا يهرب من رائحة جسد لم يمسّه الماء لأشهر، أن لا يكترث الجرذ جائع وقح، ولا لطفيليّات خرجت حرّة تزهو بنفسها من داخل المياه السوداء النتنة في تلك الحفرة… أنه الحلم الذي يعبر ذلك الباب الحديديَّ مختالا غير آبه بحربة بندقية الحارس أو بقضبان الحديد الصّدئة.

انه السكون والهدوء داخل ذلك الضجيج المتواصل… هدير الملاّلات وصياح الأسرى والتقاتل من أجل قطعة خبز أو نصف سيجارة هنا وهناك.

لكلّ معتقل أحلامه… أنه الشيء الوحيد في داخل المعتقل الذي يستطيع أن يفلت من أعين الاخرين

تكسّرت أحلام ذلك الرجل الذي طلبه مندوب الصليب الأحمر الدولي ليبلغه بأن زوجته تريد منه التوقيع على معاملة الطلاق، وبأنها حامل في شهرها الرابع، وهو الذي مضى على اعتقاله ما يقارب الخمسة أشهر… هذا الرجل كان يقطن خيمتنا… كانت المرّة الأولى التي أرى بأم عيني حال سجين بلا حلم!

اقرأ أيضاً: يوميات معتقل (2): أحلام النوم على نصف حذاء

أبو فاعور شريكنا في الخيمة فقد في الاجتياح كل أفراد عائلته وثلاثين من أقاربه… أبو فاعور لم يعد يجد ما يحلم به، لذا فقد عقله…

سجن رامونا في اسرائيل

رجل اخر أذابه السرطان الخبيث أمام أعيننا… كان ذلك المسكين ينظر كل الوقت باتجاه واحد… السرطان الخبيث يذيب… راقبت ذلك يوميا”… أؤكد ذلك!

هؤلاء… لم يحظوا بنعمة الحلم… حتى الأحلام غدرت بهم…

أحمد اسماعيل: مبروك لك الحريّة بعد (سبع) سنوات من الأسر!

السابق
أنت مقرفة «فيديو صادم»
التالي
تمدد حزب الله (3): مخطط سرايا المقاومة في السيطرة على إقليم الخروب