نصائح لرئيس حكومة لبنان بالتحوّط من خطر أمني يحدق به

هل ينجو صيف لبنان من حرائق سياسية وأمنية تقتاد الوطن المأزوم الى خريف المنطقة المخيف، ام ان «الألعاب النارية» في السياسة والشارع مجرد مفرقعات لن تهزّ القرار الكبير بتحييد بلاد الارز عن وليمة الموت الضارب أطنابه في الاقليم؟

سؤال صعب ينطوي على ألغاز مصيرية، أوّله في بيروت التي فوجئت بقرع طبول حرب «حقوق المسيحيين»، على وقع الحروب الكثيرة على مرتفعات السلسلة الشرقية مع سورية، وآخره على طاولة تخصيب الاتفاق النووي الوشيك بين الغرب وايران.

ففي اللحظة التي يشتدّ المخاض الأخير لولادة الاتفاق النووي، وتشتعل حروب الفرز والضمّ في دول تحوّلت مستودعات نار، بدت بيروت على موعد مع صراع من النوع الذي يستهوي دفع المأزق اللبناني الى حدود الانفجار.

فها هو زعيم «التيار الوطني الحر» الجنرال ميشال عون، الثمانيني الذي لم ينجح في تشكيل تحالف يحمله الى القصر الرئاسي المسكون بالفراغ منذ اكثر من عام، وتعثّرت محاولته لإرغام الحكومة على تعيين صهره العميد شامل روكز، وعلى نحو مبكر، قائداً للجيش، يُعدّ سيناريوات لتحركات شعبية على الارض ويلوّح القريبون منه بتفجير النظام السياسي الذي أرساه اتفاق الطائف.

ورغم القراءات المتباينة لقدرة عون وتياره على فرض وقائع سياسية جديدة وجدوى لعبه دور «البطل» في معركةٍ اختار «حقوق المسيحيين» عنواناً لها، فان ثمة مخاوف أمنية فعلية من اللجوء الى «لعبة الشارع» في ظل واقع داخلي هشّ ومتأجج، وخارجي تتزايد التحذيرات من تداعياته المحتملة على لبنان، خصوصاً على شماله.

مصادر بارزة في «تيار المستقبل» بدت حريصة على مقاربة الاندفاعة الحالية للعماد عون بـ «دراية». ربما لا تريد «فتح النار» عليه تفادياً للمساهمة في تذخير معركته، وخصوصاً ان هذه المصادر عبّرت عن شكوك في إمكان نجاح زعيم «التيار الوطني الحر» في تجييش المسيحيين في المعركة الخطأ وفي مواجهة الجهة الخطأ، اي «تيار المستقبل» ورئيس الحكومة تمام سلام، او السنّة باللغة الدارجة.

وقالت هذه المصادر لـ «الراي» ان المواقف الاخيرة لعون تعبّر عن «خطاب غريب لن ينجح عبره في التعمية على الحقائق، فمشكلة الجنرال ليست معنا وكان في إمكانه ان يكون الآن رئيساً سابقاً للجمهورية لو ارتضى ان يكون في العام 2005 في الموقع الوسط»، مشيرة الى انه «عندما يقرّر عون الحفاظ على حقوق المسيحيين، عليه استرداد المديرية العامة للامن العام بإقناع حليفه حزب الله بإعادتها كموقع ماروني».

ورغم تَوجُّس تلك المصادر من الخطوة غير المحسوبة في تلويح عون بالنزول الى الشارع او ربما وجود «قطبة مخفية» خلف هذا التصعيد غير المبرر، فانها اعتبرت «ان الجنرال في تهديده للحكومة يظنّ انه يُمْسِكنا من اليد التي توجعنا في لعبة ابتزازٍ مكشوفة»، لافتة الى ان «الحكومة حاجة للجميع، لنا ولسوانا، وتالياً لن يكون في الامكان دفعنا الى تقديم تنازلات لم نقدّمها اصلاً حين استُخدمت ضدنا أساليب اكثر شراسة كالاغتيالات مثلاً».

وحرصت المصادر البارزة في «المستقبل» على القول مجدداً انه «عندما طُرح علينا امكان تعيين صهر عون العميد شامل روكز قائداً للجيش، كان موقفنا واضحاً بأن أولى الاولويات هي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة، ومن ثم نناقش مسألة تعيين قائد للجيش، اضافة الى ان لا فيتو من قبلنا على العميد روكز المعروف بمناقبيته وكفاءته»، مؤكدة «اننا لا نملك خطابين، فنحن اهل الطائف والاعتدال والمناصفة والمؤسسات والاقتصاد المتعافي».

وما لم تقله مصادر «المستقبل» في مقاربة المحاولات الجارية للانتقال بلبنان الى واقع اكثر تأزماً في السياسة والشارع على حد سواء، تحدّثت عنه أوساط واسعة الاطلاع في بيروت حين أشارت الى ان «العماد عون يكاد ان يلعب وحيداً، وخصوصاً ان حليفه حزب الله، المضطرّ للتضامن معه، صاحب مصلحة فعلية في حماية الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان لحماية ظهره وهو الذي يخوض حروباً متعددة الساحة في سورية والعراق».

ورغم ان دوائر مراقبة تخشى من ان يكون «حزب الله» يدفع بمركب عون من الخلف لتفجير النظام السياسي في لحظة اقليمية – دولية مفتوحة على «البيع والشراء» في المنطقة، فان الأوساط الواسعة الاطلاع تبدو أكثر ميلاً للقول ان «حزب الله الذي كان يجعل ولنحو عشرة اعوام من سورية مخزن اسلحة ومن لبنان ملعباً له، قلَب المعادلة الآن فصارت سورية ملعبه ولبنان مجرد مخزن أسلحة».

هذا الاطمئنان النسبي الى استمرار «الحصانة» للواقع اللبناني، والتي يشكل الحوار الاضطراري بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» أحد مظاهرها، لم يسكب مياهاً باردة على المخاوف المتعاظمة من مفاجآت أمنية لم تعد مفاجئة في ضوء معطيات قلقة لمحت اليها مصادر في دوائر القرار في «14 آذار»، وأبرزها الآتي:

* الخشية من «نهر بارد» جديد في مخيم عين الحلوة الفلسطيني على تخوم صيدا، بعدما رسمت توتراته الدائمة خطوط تماس قابلة للاشتعال في اي لحظة تقتضي الحاجة الى خلط الأوراق عبر حريق أمني كبير من النوع الذي يراد منه دفع الجميع في لبنان الى الطاولة.

* الخطر الناجم عن احتمال تسهيل النظام السوري زحْف «داعش» الى حمص ليصبح على بعد نحو 150 كليومتراً من الحدود شمال لبنان، وهو التنظيم الذي يبحث عن منفذ بحري، وخصوصاً ان بلوغه حدود لبنان قد يحرك جماعة من 800 شيخ بعضهم تنتابه ميول التطرف.

غير ان الأكثر قلقاً، بحسب هذه المصادر، هو التقويم السياسي الذي يُستنتج منه ان رئيس الحكومة «الرئاسية» تمام سلام يقع ضمن دائرة الخطر الأمني، وهو الأمر الذي دفع مرجعيات سياسية في البلاد الى حضّه على ضرورة التحوط، وخصوصاً انه لم يألف اتخاذ أي تدابير أمنية غير عادية.

وسط هذه المظاهر من التأزم السياسي والتوجس الأمني، تتجه الأنظار الى الاختبار البالغ الحساسية على طاولة مجلس الوزراء غداً الخميس، فإما تذهب الامور الى مزيد من التشنج واما يأخذ الواقع اللبناني فترة سماح لمساعي التبريد ونزْع الفتائل.

(الراي)

 

السابق
الحبّ مسموح… بقرار من الوزارة
التالي
بالصور: طقوس شعوذة لعلاج المثلية الجنسية