حذار الانفجار الطائفي

في تصور العقلاء من المواطنين، أنه إذا كفّ أهل الكلام التعبويّ عن كلامهم وعن إسقاطه على تفاصيل حياة الناس السياسية والمذهبية، وإذا هداهم الله إلى ذلك، فلن تبقى في لبنان مظاهر معبّرة فعلاً عن الانقسام الطائفي في هذا الشكل الحادّ، أو مؤشّرات إلى انفجار قريب.
كل ما في الأمر أن هناك خلافاً سياسياً. والأخطاء الخفيفة أو الفاحشة التي ترتكب من قبل هذا الطرف أو ذاك، أو من قبل السلطة أو المعارضة، هي أمور معتادة ودليل حيوية لدى المجتمع اللبناني في هذه الصحراء الممتدة من المحيط إلى الخليج. ولكن هذه الحيوية تفيض أحياناً في تعبيراتها ومظاهرها عن حاجة لبنان واللبنانيين، بحيث تتحول الديمقراطية إلى “دلع” لبناني، ويتحول “دلع” إلى جموح استبدادي أو فوضى في الحريّات.
كل أسباب الطمأنينة إلى أنّ اللبنانيين ليسوا جاهزين للاحتراب الطائفي لا تكفي لتلافي الخطر الذي قد يأتي من خطأ ما غير محسوب، فينفجر الصراع الطائفيّ في لحظة غفلة وطنية أو غفلة المواطنين عن الوطن والمواطن، أي أن انفجار هذا الصراع، كما حصل مرّات عدة، يبدأ كنوع من الورطة التي قد تأتي من خارج السياق، لتصبح لاحقاً هي السياق السائد.
إن القيادات الروحية في مؤسساتها العليا ومواقعها الراعية للنظام العلائقي والأفكار والقيم بين مكوّنات الاجتماع الوطنيّ، مدعوّة إلى الاعتبار مما حدث قبل الحرب اللبنانية الطويلة وأثناءها. وأعني القيادات التي يتوفر لها مقدار من الحرية يمكّنها من أن تكون فاعلة، إن توازنت، ولا أعني القيادات التي بالغت في إيثار مصالحها الخاصة على حساب الشأن العام، فتحوّلت من مقام الريادة والقيادة إلى مقام التبعيّة والإذعان والشراكة في إنتاج التوتر والسجال الطائفيّ.

هاني فحص
إن القيادات الروحية التي لنا الحقّ في دعوتها إلى المبادرة هي القيادات التي تتطلع إلى السياسة من موقع الإيمان والتقوى والشعور بالمسؤولية أمام الله والتاريخ، ولا تبدّل مواقعها بهدف أن تطلّ على الدين من موقع السياسة فقط. وإنّنا ندعو هذه القيادات إلى تحرّك يرفع العيش المشترك عملياً إلى الموقع الذي يحتله أو يمثله في سلامتنا الوطنية أو الدينية في لبنان، من أجل أن نقدم الأمثولة المرتجاة إلى العالم المقبل على حروب يختلط فيها ما هو مقدّس بما هو مدنّس بسبب اختلال عميق في المعاني والقيم والسلوك السياسيّ.
إننا نشكر المؤسسات الدينية في لبنان مبادرتها العظيمة إلى منع الحرب، وتقديمها راضية الأثمان الباهظة في سبيل ذلك. وهنا لا يجوز أن ننسى مبادرتها التي أتت في لحظة لبنانية وإقليمية معقّدة بعد العدوان الإسرائيلي صيف 1993.
ونطمح إلى أن تتكرر هذه المبادرات الآن حيث الدواعي إلى تكرارها أشدّ إلحاحاً من تلك اللحظة التي تأسست فيها اللجنة الوطنية للحوار، والتي نتمنى أن يتمّ تفعيلها أكثر بما يوازي طموح أعضائها، مع العلم أنّ الجمهور اللبناني قد يكون جاهزاً جزئياً للتحريض الطائفيِ، ولكنه أكثر جهوزية للإنصاب إلى صوت العقل ونداء الروح، إذا ما ارتفع هذا الصوت وهذا النداء قوياً صافياً شجاعاً وعاقلاً وجامعاً.

(من كتاب “علي مسؤوليتي” منشورات صوت لبنان)

السابق
هاجر، وكتيبة الخنساء
التالي
ميسم رزق صحافية أم تلبس قلنسوة مخبرة؟