حتى حافظ الاسد سيكون سعيداً

نديم قطيش

إختفت صورة حافظ الاسد عن النسخة الجديدة من ورقة الالف ليرة السورية. للمرة الاولى تغيب صورته عن أوراق العملة السورية ذات القيمة العالية. مكانها حلت صورة مدرج مدينة بصرى الشام الأثرية، التي سقطت منذ شهرين بيد مقاتلي جبهة النصرة. انضمت الى مساحة الاكثر من ثمانين بالمئة من سوريا التي فقد النظام سيطرته عليها.

لم يصدر تفسير رسمي سوري لهذا القرار بنزع صورة حافظ الاسد، والذي يتخذه الرئيس عادة او يجيز تنفيذه بالحد الادنى. رغم ذلك اثار القرار حفيظة انصار النظام. بعضهم اعلن انه لن يستخدم النسخة الجديدة، فيما ذهب آخرون الى شعار أن حافظ الاسد “بالألب وليس بالأف”. للعملة رمزيتها السيادية، ويعكس تصميمها صورة الدولة عن نفسها.

من المفارقات انه بالتزامن مع خبر تغييب صورة حافظ الاسد عن ورقة الالف ليرة السورية، اعلنت وزارة الخزانة الاميركية ان عملتها الورقية من فئة العشرة دولارات ستحمل عام ٢٠٢٠ صورة إمرأة للمرة الاولى منذ أكثر من قرن، لتحل مكان صورة الكساندر هاميلتون اول وزير خزانة أميركي، او تقاسمه الحلول على العملة بتصميم يجمع الاثنين معاً.

من سعوا لهذا القرار وعملوا له كانوا يطمحون الى طبع صورة إمرأة على العملة من فئة عشرين دولار، تحل مكان الرئيس الاميركي السابع آندرو جاكسون، الذي يحتل في تاريخ التجربة الاميركية مصاف “مجرم حرب” بحسب بعض المراجعات الرئيسية لتاريخ البلاد، لا سيما مسؤوليته المباشرة عن عذابات قبائل السكان الاصليين.

غريبة هذه المفارقة. تختفي صورة مجرم حرب، هو حافظ الاسد، عن عملة ورقية سورية، بقرار من مجرم حرب هو بشار الاسد، ولا ينجح لوبي نسائي أميركي في ازالتها عن عملة ورقية اميركية!

المفارقة الثانية في التزامن الخبري حول عملتي سوريا واميركا، ان ما ستحتفي به عاصمة العالم الحر، في العام ٢٠٢٠، سبقتها اليه سوريا منذ زمن طويل. فسوريا احتفت بالمرأة بوضعها صورة الملكة زنوبيا على عملتها الورقية من فئة الخمسمئة ليرة. ملكة تدمر، التي انتفضت على الامبراطورية الرومانية وتمكنت من حكم معظم سوريا الحديثة.

لنترك المفارقات جانباً.

للعملة رمزيتها السيادية، ويعكس تصميمها صورة الدولة عن نفسها. وهي، في ما تحمله من رموز، بيان عن الامة والدولة التي تمثلها، وبالتالي فان غياب صورة حافظ الاسد، لا يمكن ان يكون اكثر رمزية، في هذا التوقيت.

سوريا حافظ الاسد انتهت. الدولة المستعلية، القوية، (على شعبها قبل اي شيء آخر)، وصاحبة فائض الحساسية حيال السيادة والندية انتهت. مكانها اليوم دولة بالكاد تسيطر على قاعدة النظام العلوية. وعلى عكس دولة حافظ الاسد، باتت دولة تحترف التسول بأوضح صوره واكثرها اذلالاً. آخر هذه الصور ما ورد بانسيابية مخيفة في كلام نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم في مؤتمر صحافي جمعه في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. قال المعلم انه حصل خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وعد بدعم سورية سياسيا واقتصاديا وعسكرياً! الثلاثة معاً!

يفهم المرء ان دولة قوية اقتصادياً تطالب بدعم عسكري. تشتري السلاح، وبرامج التدريب وتستأجر خبرات وقواعد! او ان دولة قوية سياسياً تحاول الحصول من خلال حضورها السياسي على تمايز اقتصادي. او ان دولة عسكرية قوية تمارس الإبتزاز لإنتزاع نفوذ سياسي ومعونات اقتصادية. كل هذه النماذج قائمة وموجودة. ام ان تعوز دولة دعماً اقتصادياً، وعسكرياً وسياسياً، وان تصرح بذلك بلسان وزير خارجيتها، فهي تعلن انها مجرد حاشية في بلاط روسي او بلاط ايراني.

سوريا حافظ الاسد انتهت. غيابه عن عملتها ولو لم يكن مقصوداً به هذا، انما يعلن انتهاء “سورياه” التي بنى وأورث.

وربما لو خير لرفض هو ان تكون صورته على عملة سوريا بشار الاسد.

(المدن)

السابق
ما لا يريد عون وجعجع قولَه عن الحلفاء!
التالي
اطلاق نار في اشكال فردي داخل مخيم عين الحلوة