ملف حزب الله (10): الوظيفة الأسهل في الجنوب أن تنتسب الى حزب الله

قبل دخول حزب الله الحرب السورية، وعندما كنا نسأل عن كيفية الإنتساب إلى حزب الله تأتينا أجوبة صارمة وحازمة تتحدّث عن صعوبة الإلتزام بـ"التثقيف الديني" و"التدريب العسكري". أمّا بعد دخوله الحرب السورية، بات الإنتساب إلى حزب الله "عملا" له "وكلاء" في القرى، يأتون للمسؤولين بـ"ملفّات".

يروي شاب شيعي ثلاثيني يعيش في الضاحية الجنوبية لبيروت ما يلي:

أذكر حين كنت صغيرا لا يتعدّى عمري 12 سنة، كان منزلنا في بئر العبد، قرب جامع الإمام الرضا. وكنت، في ذكرى عاشوراء، أذهب، بصحبة أطفال الحيّ وشبابه، إلى الخيمة الحسينية، للإستماع إلى سيرة أهل البيت. وهناك كنّا نرى رجالا أشدّاء، نسمع أنّهم يقاتلون إسرائيل، ونحلم أن نشبههم عنما نكبر.

كنّا حين نسأل عن طريقة الانتساب إلى حزب الله، تأتينا أجوبة صارمة وحازمة تتحدّث عن صعوبة الإلتزام بـ”التثقيف الديني” و”التدريب العسكري” والدورات الصعبة التي يجب أن يمضي المراهق سنوات طويلة من عمره فيها كي يصبح “عضوا في حزب الله”.

إقرأ أيضاً: ملف حزب الله (9): عن تحويل بلديات الجنوب الى مراكز حزبية

عوائق وحواجز جعلتنا نفكّر بأشياء أكثر سهولة. كأن نلعب كرة القدم متى نشاء، وأن نقرأ الكتب التي تعجبنا، لا تلك التي يفرضها علينا شيخ ما أو مسؤول حزبي ما، أو أن نختلط بالفتيات في المدارس المسيحية التي نشأنا على مقاعدها.

هكذا صرف النظر عن حلم الإنتساب إلى حزب الله مئات وآلاف الشبّان الجنوبيين والبقاعيين والبيروتيين. وهكذا كان حزب الله حزباً حديدياً مقفلاً، يحول دون دخول جنّته الكثير من الصعاب والتدريبات وقضاء الأوقات الصعبة.

اليوم، وأنا أستمع إلى مراهقين من عائلتي ومن أقربائنا، في الجنوب، يذهلني كم صار الانتساب إلى حزب الله سهلا. أعرف شبّانا لا يعرفون من الثقافة الدينية الشيعية إلا رؤوس أقلامها، ومن الإسلام إلا ما تناقلته الألسن بين الأهل والأقارب، وقد باتوا مقاتلين شرسين في صفوف الحزب. وبعضهم موغلين في الإبتعاد عن الدين وقيمه، بل ومنهم من يتعاطى الحشيشة، ومن لم يكن يغادر الحانات إلا كي ينام، وبين ليلة وضحاها يصير مقاتلا يحدّثك عن “السيّدة زينب” و”جيش الدواعش” الآتي إلى الضاحية والجنوب “لإغتصاب الزينبيات”. من دون أيّ ثقافة فعلية، وطنية أو حتّى سياسية، يعرف من خلالها ما الذي سيفعله حين يقاتل في سوريا أو العراق أو حتّى في شوارع بيروت، كما في أيّار 2008.

أحدهم، وقد صار مقاتلا اليوم في سوريا، وعمره لا يزيد عن 18 عاما، قبل رحلته الجديدة إلى “الدورة”، كما اعتاد أن يسمّي رحلته إلى سورية، كنت أناقشه في عدم جواز الموت في سبيل أحجار المقامات. فما كان منه إلا أن أجابني قائلا: “الستّ زينب أهمّ من مكّة، تبع الخلجان”.

لم أعرف بماذا أجيبه. هذا الشاب الذي قد يُقتَل في أيّة لحظة يعتبر أحجار مقام السيّدة زينب في الشام أهمّ من الكعبة الشريفة، التي قال الرسول (ص) إنّ “هدمها حجرا حجرا أهون على الله من دم امرىء مسلمٍ”.

لي صديق آخر، متفرّغ في حزب الله منذ أكثر من ثماني سنوات، بقرية الجميجمة جنوب لبنان. قبل عام ونصف العام اكتشف أنّ مسؤولا في “هيئة دعم المقاومة” يسرق المساعدات. وأحضر أدلّة وصوّر قصره الفخم وأوصل القضية إلى أعلى المراجع في “حزب الله”. فأوقف حزب الله هذا المسؤول عن العمل وطُرِده (قريبا تنشر “جنوبية” حكايته كاملة). وتمّ تجميد عضوية الصديق بانتظار انتهاء التحقيق. فغضب وقرّر أن يقول ما في جعبته.

يروي الصديق، ابن الجميجمة، أنّ “القيادة” طلبت منه “10 شباب” من الجميجمة. ويروي متفاخرا: “في 10 أيّام كان هناك 45 ملفّا على طاولة هذا القيادي، وافقوا على 35 منهم، و25 منهم حاليا يقاتلون في سوريا”.

لكن من هم هؤلاء الشباب؟ نسأله، فيجيب: “من العاطلين عن العمل، نخبرهم عن حكايات الظهور، وأنّ الراتب يصل إلى أكثر من 1000 دولار، وبعد دورات سريعة في أقلّ من شهر يصيرون جاهزين للقتال”.

إذا هو Freelancer “يجنّد” الشباب ليصيروا مقاتلين، بلا تثقيف ولا من يحزنون. فقط “روايات ظهور الامام المهدي”، المُختلَف عليها حتّى بين مراجع “قم” و”النجف”، والتي يمكن استخدامها في كلّ مكان وزمان.

هكذا يذهب مئات المراهقين والشباب إلى سوريا والعراق لاحقاً ربما) للدفاع عن أحجار المقامات(، التي لا يعرفون شيئا عن معاني سيرتها والقيمة الأخلاقية التي نشأت من أجلها. بل فقط طمعاً في قتال أحفاد “من كسروا ضلع الزهراء”، كما قال القريب الذي يعتبر “مقام الستّ زينب” المشاد في الشام وليس السيّدة زينب نفسها بالطبع” أغلى من “الكعبة الشريفة”.

وهكذا صار الانتساب إلى حزب الله أسهل من النزول إلى تظاهرة. فيكفي أن تكون شاباً شيعياً، وملفّك الأمنيّ نظيفا فقط، ويحبّذ أن تكون محتاجا إلى المال، ليصير في الإمكان إرسالك في دورات تدريبية مكثّفة.

ربّ سائل هنا: هل يختلف من يريد قتل أحفاد “الذي كسر ضلع الزهراء”، عمن يريد قتل “الروافض” لأنّهم لم يعترفوا بخلافة عمر وعثمان وأبو بكر: “وين بدنا نودّي وجّنا من الإمام المهدي إذا مسّوا المقام في سامرّاء”، قال السيّد حسن نصر الله. هكذا اختصر العقيدة والسياسة والأخلاق في “خجل” من “الإمام المنتظر” يدفع من أجله آلاف الشباب إلى “مجزرة” سنية – شيعية.

ولا بدّ في هذه السيرة السريعة لتحوّل الإنتساب إلى حزب الله من “درس طويل” إلى “شربة ماء”، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا يتزامن مع حاجة “حزب الله”، وإيران من خلفه، إلى جيش أكبر وفي وقت سريع. فالمشروع الذي “يجذب” الجنود إلى إيران هو المشروع المذهبي. فلا مشروع سياسيّا لإيران يمكن إقناع أحد أنّه يمتدّ من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن والسعودية… إلاّ المشروع “الشيعي”. وهو ليس مشروعا بقدر ما هو “انتحار” معلن للشيعة حول العالم.

وفي حين كانت “سرايا المقاومة” مكانا لامتصاص رغبات الشباب السنّة في الالتحاق بـ”مقاتلة إسرائيل”، حين كانت تلك المقاتلة محصورة في “حزب الله” فقط، فإنّ السرايا حاليا تشهد انهيارا بين صيدا وبيروت وبعض الشمال، ويهجرها الشبّان إلى التنظيمات الإسلاميّة، بعدما اكتشفوا أن لا مكان لهم في “مشروع شيعي”. هم الذين كانوا في “مشروع مقاومة ضدّ إسرائيل” وجدوا انّه قد غرّر بهم وأصبحوا في مشروع لا يشبههم في شيء.

السابق
مصدر سوري: المعارك مستمرة في الزبداني
التالي
«من الانتداب إلى الانقلاب – سوريّة زمان نجيب الرّيِّس»