ليلة القبض على زعيم «كتائب عبدالله عزام»

ماجد الماجد

كتبت صحيفة “السفير” تقول : برغم مرور 18 شهراً على إلقاء القبض على زعيم “كتائب عبدالله عزام” ماجد الماجد الذي مات بعد أيام قليلة من توقيفه، فإن هذا “الصيد القاعدي الثمين”، شكل مفتاحاً لإلقاء القبض على مجموعة رموز إرهابية تورطت في السنوات الثلاث الماضية في الكثير من الأعمال الإرهابية التي استهدفت مناطق لبنانية عدة، وخصوصا الضاحية الجنوبية لبيروت، فضلا عن استهداف السفارة الايرانية في بئر حسن مرتين.
صحيح أن الموت سبق المحققين، فلم يتمكنوا من إماطة اللثام عن الكثير من أسرار الرجل الذي تزعم “كتائب عزام” قرابة سنتين (2012 ـ 2014)، وكان يحتل لوائح أخطر المطلوبين في السعودية والولايات المتحدة والعديد من البلدان العربية والأجنبية، غير أن تفاصيل عملية إلقاء القبض عليه، تشكل دليلا على كفاءة المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية في تنفيذ مهامها، في ظل ظروف سياسية معقدة، استوجبت في حالة ماجد الماجد، اتخاذ إجراءات تحسبا لاحتمالات تحريك بعض الشوارع، في العاصمة وبعض المدن والمخيمات، لأجل منع وصوله الى الحبس في حال توقيفه.
بعد توليه قيادة “كتائب عزام” غداة إصابة سلفه السعودي صالح القرعاوي واعتقاله من قبل السلطات السعودية، انتقل ماجد الماجد الى سوريا، وتنقل في أكثر من منطقة، في مهمات تنظيمية وقتالية، قبل أن يواجه مشكلة صحية طارئة اقتضت خضوعه دورياً لغسيل كلى.
في البداية، انتقل ماجد الماجد من سوريا الى لبنان، عبر أحد المعابر غير الشرعية، حيث كانت تتم معالجته في أحد مستوصفات بلدة عرسال بطريقة بدائية، لكن وضعه الصحي المتفاقم استلزم نقله إلى أحد مستشفيات العاصمة، بموافقة تنظيم “القاعدة”، الذي طلب توفير الإقامة له في منطقة آمنة جغرافيًّا وشعبيّا، وبالفعل تم نقله بسيارة مدنية من عرسال إلى شقة سكنية قريبة من مستشفى المقاصد في بيروت بين العاشر والرابع عشر من كانون الأول 2013.
يوم الاثنين في 16 كانون الأول 2013، وصل إلى مخابرات الجيش اللبناني، تقرير مصدره وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، تبلغ فيه عن وجود ماجد الماجد في بيروت لإجراء غسيل كلى.
بعد خمسة أيام، أي يوم الجمعة 21 كانون الأول، عُقد اجتماع أمني لبناني في وزارة الدفاع في اليرزة خصص للتداول في مضمون التقرير الأميركي وكيفية وضع خطة محكمة وبالغة السرية تفضي إلى القبض سريعاً على الماجد، من دون هامش ولو واحداً في المئة للخطأ، خصوصا أنه ليس في جعبة الأمن اللبناني سوى برقية أميركية يتيمة مفادها أن الماجد يغسل الكلى في العاصمة اللبنانية!
في الخطة (أ)، تقرر الانطلاق من فرضية وجود مركز غسيل كلى في أحد مخيمات العاصمة والضواحي (برج البراجنة، شاتيلا ومار الياس) مع أفضلية رصد الأخير لوجود مركز طبي فيه عائد لتنظيم أصولي فلسطيني.
أفضى الرصد الدقيق على مدى أكثر من 48 ساعة الى التأكد من عدم دخوله الى أي من هذه المخيمات، فتم الانتقال الى الخطة (ب)، القاضية برصد المراكز اللبنانية المتخصصة بغسل الكلى، (وهي: اوتيل ديو، الاميركية، مار يوسف، مستشفى رفيق الحريري الحكومي، المقاصد ونجار)، وأمكن خلال فترة قياسية تحديد عدد المرضى الذين دخلوا الى تلك المستشفيات وأجروا عمليات غسل كلى بين 16 كانون الاول و22 كانون الاول 2013 وهم 387 مريضا.
تم تكليف خلية أمنية ضيقة بمتابعة الأمر، ورست بورصة الأسماء على اسمين ملتبسين من أصل 387 اسما (اقتضى الأمر الاتصال بالمرضى أو ذويهم هاتفيا بصفة مندوبين من وزارة الصحة بقصد الاطلاع على احتياجاتهم).
بقيت الشكوك محصورة بمريضين، الاول يحمل الجنسية العراقية وموجود في مستشفى اوتيل ديو، والثاني يحمل الجنسية السورية وموجود في مستشفى المقاصد.
تم التركيز أولا على مستشفى اوتيل ديو، فتأكد لعناصر المخابرات خلال ساعات قليلة، أن المريض عراقي معروف الهوية، ولا أوجه شبه بينه وبين ماجد الماجد.
وفي الوقت نفسه، جمع مخبرون آخرون معلومات حول مريض المقاصد تضمنت الآتي:
اولا، ان هذا المريض أدخل بداية الى المستشفى وتم تسجيله في القيود باسم “مريض مجهول الهوية” لأنه لم يكن يحمل لا هوية ولا أية أوراق ثبوتية.
ثانيا، تبين انه بعد فترة وجيزة تم تسجيله باسم “نازح سوري”.
ثالثا، كان حريصاً على ألا يظهر لهجته (السعودية)، إذ لم تصدر منه أية كلمة، لا مع الطبيب المعالج، ولا مع فريق التمريض، ولا مع أي من موظفي المستشفى.
رابعا، كان يتكلم فقط مع شخصين برفقته دائما، وهما يتوليان العناية به ودفع فواتير المستشفى عن كل جلسة غسيل للكلى، إذ إن الرجل كان يغسل، ومن ثم يغادر المستشفى الى مكان إقامته، الى ان ساءت حالته كثيرا وأدخل الى العناية الفائقة، في ليلة عيد الميلاد.
خامسا، لوحظ أن الشخصين اللذين كان يلازمانه خلال الغسيل ومن ثم الخروج، لم يعودا كذلك، بل يحضران نهارا، ومن ثم يغادران مساء، ليعودا في اليوم التالي.
في خضم الإجراءات الأمنية لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، كان جهد مخابرات الجيش منصباً على استكمال كل العناصر والدلائل المتصلة بمريض المقاصد، الى ان تمكنت المخابرات، من التقاط صورة له وهو نائم في سريره.
في اليوم نفسه، دُعيت الخلية المعنية الى اجتماع أمني، وتبين لها بعد تحليل الصورة ومقارنتها بالصور الموجودة لدى المخابرات، ان المريض هو ماجد الماجد، وانه الهدف الذي يجب الإطباق عليه بأسرع وقت ممكن، سواء بإلقاء القبض عليه حياً أو حتى بقتله ان اقتضى الأمر.. أمنيا.
ومع بدء سريان خطة إلقاء القبض على “الصيد الثمين”، وردت معلومة الى مخابرات الجيش تتحدث عن رصد حركة مريبة في غرفة ماجد الماجد، فتبين ان الشخصين اللذين كانا يلازمانه، يستعدان لإخراجه من المستشفى، ولهذه الغاية، أحضرا سيارة إسعاف من طراز “مرسيدس” تابعة للصليب الاحمر اللبناني رقمها (1616).
على الفور، اتخذت إجراءات عسكرية في العديد من الأماكن والطرق لقطع الطريق على السيارة وإلقاء القبض على من هم بداخلها، وكان التركيز بداية على مستديرة الطيونة باعتبارها نقطة تقاطع في اتجاهات مختلفة. فمنها يمكن استكمال الطريق الى البقاع، وكذلك الى الشمال، وأيضا الى الجنوب.
لكن الذي حصل، هو ان سيارة الصليب الاحمر، غادرت مستشفى المقاصد، من باب الطوارئ، وسلكت، وخلفها مباشرة سيارة مدنية للمخابرات، الطريق نزولا من المقاصد في اتجاه قصقص، ثم انعطفت يمينا نحو جامع الخاشقجي، فتوقفت فجأة أمام الجامع، حيث نزل شخص منها، وسار الى خلفها وفتح ضفتي بابها الخلفي، ثم أغلقهما، وبعد ذلك، أكملت نحو مئة متر على الخط الموازي لنفق شاتيلا، ثم انعطفت رجوعا في اتجاه جسر البربير، إذ لم تكمل من تحت الجسر بل سلكت الطريق المؤدي الى المتحف، من دون ان تكمل ايضا من داخل النفق، بل سارت في محاذاة العدلية، وهناك انعطفت يمينا وسلكت البولفار السريع الذي يوصل الى مستديرة الصياد في الحازمية.
على البولفار، تخطت سيارة المخابرات سيارة الإسعاف، وما إن وصلت الى منتصف طريق الجمهور (بعد وزارة الدفاع)، حتى كانت عشرات السيارات التابعة لجهاز المكافحة في الجيش اللبناني تنقض بسرعة خاطفة على سيارة الإسعاف، وتلقي القبض على الماجد ومن كان برفقته، وتبين أن سيارة الإسعاف كانت في طريقها الى بلدة جب جنين في البقاع الغربي، ولاحقا، عندما تأخر وصولها، بادر أحد المكلفين بانتظار موكب الماجد الى الاتصال بالصليب الاحمر سائلا عن السيارة ومعاتبا بصوت عال عن سبب تأخرها!
من الجمهور، نقل زعيم “كتائب عبدالله عزام” فورا الى المستشفى العسكري في بدارو، بعدما التقطت صورة له أثناء الاعتقال. عندما وصل الماجد الى المستشفى العسكري في ظل حراسة أمنية مشددة، لم يكن قد دخل في غيبوبة بعد، ولذلك، حاولت مخابرات الجيش التحقيق معه، إلا انها وجدت صعوبة شديدة في انتزاع كلمة واحدة منه، قبل أن يتدهور وضعه الصحي، ويدخل في غيبوبة مفاجئة.
بعد فترة قصيرة جدا من إلقاء القبض عليه، حضر الى المستشفى وفد أمني أميركي، تأكد من ان الموقوف هو ماجد الماجد، ومن ثم حضر وفد سعودي.
تابعت مخابرات الجيش مهمتها، فتوصلت الى معلومة تفيد أن أحدهم اتصل بالصليب الاحمر مستفسرا عن سيارة الإسعاف. تم رصد رقم الهاتف المستخدم فتم تحديد موقعه في البقاع الغربي، بالاضافة الى تواصل هذا الرقم مع عمر الاطرش وجمال دفتردار، اللذين تم إلقاء القبض عليهما لاحقا في ضوء معطى الاتصالات.
وتوصلت مخابرات الجيش الى معلومة ثانية، تفيد أن أحد الأشخاص الذين كانوا ينتظرون الماجد، طويل القامة، نحيف، وأنفه كبير وقبيح، ومن بلدة كامد اللوز في البقاع الغربي. وضعت هذه المعلومة بتصرّف مخابرات الجيش في البقاع التي سارعت الى تأكيد وجود شخص يحمل هذه المواصفات اسمه (أ. ع.)، وقد سبق أن تم توقيفه، لارتباطه بنشاطات مشبوهة في المنطقة. بعدها على الفور داهمته مخابرات الجيش إلا انه توارى عن الأنظار، لكنها عادت وألقت القبض عليه قبل نحو شهرين، وما زال موقوفا حتى الآن.

السابق
عون يتهيّأ للشارع قبل جلسة الخميس المشنوق : يضعون الميثاق في ميزان تعيين!
التالي
عون يدعو المسيحيين للشارع فهل يتحمل سلام إهراق الدم المسيحي؟