الإرهاب:دين ام رجال دين؟

محمد علي مقلد

يحلو لي كلما تناولت هذا الموضوع أن أستعين ببيت شعر للمتنبي يقول فيه: كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا القناة هي الجزء الخشبي من الرمح، ولا تصير رمحاً إلا حين يضيف الانسان قطعة معدنية في رأسه فيصير قاتلاً إذا ما أصاب. الفكرة لا تقتل. لم نسمع عن مفكر قتلته أفكار سواه. سقراط لم تقتله أفكار مناهضة لأفكاره، بل قتله الحاكم. غاليليه لم يحاكم أمام فيلسوف أو عالم بل أمام كاهن مستبد. لم يذهب أحد ضحية الصراع بين الفرق الكلامية والفلسفية في الاسلام أو في سواه. المعتزلة والأشعرية لم يقتتلا. لكن الخليفة قتل حين جعل أفكار كل منهما سلاحا في وجه خصومه في السياسة. صارت افكارهما قاتلة حين ركب السياسي فيها سناناً وصوبها إلى صدر خصمه. في المسيحية لم يحصل التباس في التسمية. الحرب كانت مع الكنيسة لا مع الدين المسيحي. في الاسلام التباس كبير، لأن نسبة الارهاب والعنف والوحشية إلى الدين لا إلى المتدينين أو إلى المسؤولين عن تسييس الدين تثير حفيظة المؤمنين حتى المناهضين منهم للارهاب والعنف، وهم على حق لأن العطل ليس في الدين، بل في البشر وفي التبشير.

 

في الغرب يحاولون تفادي استخدام النعت “إسلامي وإسلامية” مع مصطلحات الارهاب والعنف والوحشية وغيرها، لأن هذا النعت يمس المشاعر الدينية لدى المؤمنين. وفي الفلسفة والفكر السياسي ابتكرت مصطلحات كثيرة، مثل إسلاموي، وإسلام سياسي، وتطرف وأصولية وسلفية، لإبعاد النسب عن الدين عموما وعن الاسلام خصوصا. اليوم، بعد أن حكمت أنظمة باسم الاسلام، في السودان وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية وغيرها، وبعد ظهور تنظيمات محاربة باسم الاسلام كالقاعدة وداعش وحالش وسواها من التنظيمات الصغرى، وبعد المجازر الكبرى التي ترتكب باسم الدين الاسلامي، وبعد الحوادث المتتالية في العراق وسوريا والكويت وتونس وفرنسا في وقت واحد، يطرح السؤال عن مسؤولية الدين عما يجري. لا شك أن في القرآن والنصوص الدينية وفي سيرة السلف ما يستند إليه الارهاب.

 

لكن النصوص ليست سوى القناة من الرمح وهي لا تصير قاتلة ولا تتحول إلى سلاح يستخدم في الارهاب والعنف الدموي إلا إذا اكتمل “سنانه” بيد السياسي، ما يعني أن الدين ليس مسؤولا عن المجازر، حيث يقتل المسلم مسلماً آخر، فلا يعقل أن يكون الدين مسؤولاً عن إرهاب سني ضد الشيعة، وفي الوقت ذاته، عن ارهاب شيعي ضد السنة، ولا عن إرهاب يمارسه أهل المذهب ضد أهل ملتهم، ولا سيما أن أصوليات شيعية تتحالف مع تنظيمات سنية في مكان، كما هي الحال بين إيران وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين والجماعة الاسلامية في مصر، وتقاتلها في مكان آخر كما يحصل بين الحشد الشعبي وداعش في العراق، وأن تنظيمات سنية تتقاتل في ما بينها كما هي الحال بين داعش والنصرة وتنظيمات دينية متشددة أخرى داخل سوريا. رعاية التطرف الديني يتولاها طرفان، السلطات السياسية بأجهزة مخابراتها والدعاة ورجال الدين في المساجد. لم يعد خافياً أن الأصوليات الدينية الاسلامية نشأت، ذات يوم، بقرار أميركي وتمويل عربي وتنظيم مخابراتي عالمي لمواجهة الشيوعية، وتطورت وبلغت ذروتها بدعم من الدول الراعية لها.

 

القاعدة كانت نتاجاً أميركيا ارتد عليها، وما نشأت داعش إلا بغض نظر من الحكم العراقي وإشراف مباشر من النظام البعثي في سوريا، ولم تولد عشرات التنظيمات الصغيرة وتتفرع بالانشقاقات والاغتيالات إلا من خلال تربية دينية يقوم بها جهلة الدين لا فقهاؤه. السياسي ورجل الدين يتعاونان ويتكاملان في صناعة التطرف ليمارسا استبدادهما السياسي والديني. السياسي أدواته السلطة، أما رجل الدين فوسيلته التحريض والشحن الغرائزي المبني على عقم ثقافي وجهل بالدين، ومكانه المسجد والحوزات التي يتدرب فيها المتطرف على كره الآخر المختلف، أيا يكن الاختلاف دينيا أو عقائديا أو مذهبيا أو طقوسيا أو إتنيا أو سياسياًغير ذلك، وهذه أقرب السبل إلى التكفير. بالتربية على التكفير يتم التخطيط لكل عمليات الارهاب. والتكفير لا يصنعه غير الجهلة من السياسيين والدينيين. والحل بإقفال المؤسسات التي تنشر الجهل، كما حصل في تونس، وإعادة المجندين الدينيين من ثكناتهم(مساجدهم) إلى المدرسة، والاقدام بشجاعة على إصلاحات سياسية في الأنظمة حتى لا يكون الاستبداد السياسي مبررا للاستبداد الديني.

(المدن)

السابق
الجيش السوري والجماعات المتحالفة معه بدأوا هجوماً واسعاً على الزبداني
التالي
وحدة اسرائيلية انتشرت في خراج شبعا واتخذت مواقع قتالية قرب الخط الازرق