الحكومة تتجاوز «البكائية» العونية وتنحاز إلى الناس

قالت “المستقبل” أنه بعدما طفح كيل التعطيل الممنهج تقويضاً للمؤسسات على مختلف المستويات وتهديداً لمصالح الدولة وأرزاق الناس، حزم رئيس الحكومة تمام سلام أمره معيداً وضع الأمور في نصاب الواجب والمسؤولية الوطنية بعيداً عن منظومة التباكي الطائفي على “الحقوق” لمصالح سياسية فئوية تلبس لبوس الحرص على هيكل الكيان بينما هي تختزن في جوهر أدائها توجهات “شمشونية” لا تتوانى عن التهديد بتهديم الهيكل فوق رؤوس الجميع على قاعدة “أنا ومن بعدي الطوفان”.

وأشارت “المستقبل” إلى أنه من بين حبائل الشلل الملتفة حول الجمهورية من رأسها إلى ذراعيها التشريعية والتنفيذية، نجح مجلس الوزراء أمس في تجاوز “البكائية” العونية مثلما وصفها سلام، لصالح تمرير قرار حيوي حياتي يحاكي أرزاق المواطنين وهمومهم خصّص بموجبه 21 مليون دولار لدعم فرق كلفة تصدير المنتجات الزراعية والصناعية إلى الدول العربية بتأييد أغلبية أعضاء المجلس في مقابل اعتراض وزراء “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”.

واذا كان رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” ميشال عون، وفق “النهار”، ذهب الى التحذير من “انفجار” عقب جلسة مجلس الوزراء امس، فإن الأهم والأبرز من التوازن السلبي الذي مدد الازمة الحكومية بوجه اشد توترا من السابق تمثل في خروج رئيس الوزراء “الصابر” تمام سلام عن صبره بعدما طفح كيله محدثاً مع القوى الحكومية الاخرى الرافضة للاشتراطات العونية الثغرة الاولى في جدار التعطيل.

ورأت “النهار” أنه لعلّ بند دعم تصديرالمنتجات الزراعية بمبلغ 21 مليون دولار دخل في خانة البنود – السوابق التي دارت حولها معارك سياسية شهيرة لكونها تداخلت مع الاحتقانات الكبيرة على غرار ما حصل امس مع فارق ان اقرار هذا البند جرى على الكي الحاسم بإخراج قيصري لإنقاذ 900 طن من الانتاج الزراعي مهدّدة بالبوار وضياع جنى المزارعين. ولذا اكتسبت “معركة” اقرار البند اليتيم باكثرية الوزراء طابعاً مثيراً للصخب ومفجراً لاعتراضات الفريق العوني.

 

وقائع الجلسة

وعلمت “الجمهورية” أنّ سلام تعاطى منذ بداية الجلسة بكلّ ايجابية وفتحَ باب النقاش على مصراعيه، قبل تفاقمَ النقاش بين وجهات نظر متباعدة وانقسام حاد في المواقف. ولفتت “الجمهورية” إلى أنه دار نقاش مُستفيض لم يَخلُ من الحدّة والتشنّج، وتحوّلت الجلسة الى ما يشبه جلسة مصارحة وتأكيد أنّ الانقسام والاختلاف هو لَكمٌ بلا صراخ. ومَرّ النقاش في التعيينات مرور الكرام، فأكد سلام انّ وزيري الدفاع والداخلية المختَصّين أعطيا رأيهما بهذا الملف ولا داعي لإعادة فتحه.

وكشفت أوساط وزارية لـ”النهار” أن الجلسة التي استمرت كما هو مقرر لها ثلاث ساعات تميزت في معظم الوقت بهدوء لافت باستثناء دقائقها الاخيرة، وذلك عندما خاطب الرئيس سلام وزراء “التيار الوطني الحر” وحلفاءهم قائلاً: إن “كل المواضيع التي أثرتموها بالنسبة الى آلية عمل الحكومة والتعيينات والصلاحيات قد استنفدت نقاشا ولكن في النتيجة هذه هي الديموقراطية ويجب أن ندخل جدول الأعمال ولا سيما منه ما يتعلّق بتصدير المنتجات الزراعية التي تهمّ كل اللبنانيين”، فتدخل وزير التربية الياس بو صعب رافضاً المضي في جدول الأعمال ممّا يمثل خرقا لآلية عمل المجلس وسانده في ذلك وزير الخارجية جبران باسيل عندئذ.

 

وفي التفاصيل كما روتها مصادر وزارية لـ”المستقبل”، فإنّ رئيس الحكومة كان قد طلب تمرير قرار دعم المنتجات الزراعية والصناعية بوصفه قراراً يمسّ مصالح وأرزاق المواطنين، غير أنّ الوزير جبران باسيل سارع إلى إبداء رفض اتخاذ الحكومة أي قرار قبل بت مسألة تعيين قائد جديد للجيش وقال: “حقوق المسيحيين مهدورة ونحن نمثل نصف البلد وأصحاب هذه الحقوق ونريد حقنا”، فأجاب رئيس الحكومة بالتشديد على أنّ “هذه البكائية لا علاقة لها أبداً بالواقع” وتوجه إلى باسيل متسائلاً: “أين هي حقوقكم المهدورة؟ أليست حصتكم في الحكومة وازنة؟ هل اتخذ مجلس الوزراء منذ تشكيله قراراً من دون التوافق معكم مسبقاً عليه؟”، وأردف: “نصف الوزراء يعاتبونني على حرصي الزائد على مسايرتكم وفي النهاية أصبح في نظركم آكلاً للحقوق. هذا كلام مرفوض”. ثم خاطب سلام الوزير الياس بوصعب قائلاً: “أرسلتم لي قبل انعقاد الجلسة كتاب اعتراض على جدول أعمالها وهو كتاب لم يحدث أن تلقى رئيس مجلس الوزراء مثله في التاريخ. أنتم تشيدون بصبري لكنني أقول لكم إنّ صبري هو ملك لي وما هو ملك لي أتبرع به لكن ما هو ملك للدولة لا أتبرّع به لأحد، ومخطئ من يفكّر بالتعدي على صلاحيات رئاسة الحكومة. لا أمانع طرح أي مسألة تريدون طرحها على طاولة المجلس لكن إذا كانت الأمور تأخذ منحى تعطيلياً فلا بدّ لي في نهاية المطاف أن أحدد المسؤول عن التعطيل”.

 

بدورهما انبرى وزيرا “حزب الله” حسين الحاج حسن ومحمد فنيش، وفق مصادر “المستقبل” لتأكيد وقوف الحزب إلى جانب المطالب العونية، وعندما أشار الحاج حسن إلى أنّ هذا الموقف يستند إلى الآلية المتفق عليها بغياب رئيس للجمهورية، سأله الوزير رشيد درباس: لكن ما هو السبب الكامن وراء غياب رئيس الجمهورية. فأجابه الحاج حسن: عدم انتخابكم مرشحنا للرئاسة (في إشارة إلى عون).

وعندما أثار الوزيران باسيل وبو صعب، وفق معلومات “النهار”، موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية في وضع جدول الأعمال رد سلام بأن من يضع جدول الأعمال هو رئيس الحكومة ويطلع عليه رئيس الجمهورية. فتدخل في النقاش وزير العمل سجعان قزي قائلا “إنه ليس الوقت ولا المكان المناسب لتفسير بنود الطائف ولكن عوض أن نسأل عن صلاحيات رئيس الجمهورية لماذا لا نتوجه الى انتخاب رئيس للجمهورية؟ وما هي قيمة الصلاحيات في غياب الرئيس؟”.

 

أما الوزير نهاد المشنوق فردّ، بحسب مصادر “المستقبل”، على الاعتراضات العونية بالتساؤل: هل مسألة تعيين قائد للجيش هي مسألة إجراء أو قرار؟ إذا كانت إجراءً فنستطيع طرح الموضوع فوراً على المجلس أما إذا كانت قراراً فمن الواضح أنه لا يوجد إجماع على اتخاذه راهناً إلا إذا كنتم تريدون فرضه فرضاً على الحكومة.

بدوره، طلب الوزير وائل أبو فاعور الكلام، وفق مصادر “المستقبل”، فقال: نحن على علاقات طيبة مع “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحاولنا تسويق تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش لكننا فشلنا، فماذا نفعل حيال ذلك هل نعطّل البلد، وسأل: ألا نرى ما الذي يحصل حولنا؟ هل من المعقول أن نطلق رصاصة الرحمة على البلد؟ كذلك ردّ الوزير بطرس حرب على قول باسيل إنّ مطالب تياره السياسي تأتي من منطلق الحفاظ على حقوق المسيحيين، منتقداً محاولة احتكار التمثيل المسيحي بالإشارة إلى أنّ “هناك جهات أخرى تمثل أيضاً على الساحة المسيحية”. ثم كانت مداخلة للوزير درباس توجّه فيها إلى الرئيس سلام قائلاً: “أنتم يا دولة الرئيس كما يقول القانون المدني حين يكون الشخص مؤتمناً على مبنى خال آيل للسقوط بمثابة “حارس للجوانب”، وأنا أنصحك بأن ترفع لافتة تقول فيها “هذا مبنى آيل للسقوط” لرفع المسؤولية عنك.

 

من جهته لفتَ الوزير أشرف ريفي، في مداخلة له في مجلس الوزراء، وفق معلومات “الجمهورية” الى انّ “البلد شَبع سعياً الى إحياء النقاش البيزنطي في البلد، تارة حول صلاحيات الحكومة أو رئيسها، وتارة في مصير صلاحيات رئيس الجمهورية وحدودهما المتداخلة بالتفاهم ولا تنسيق بينهما كما في بقية الشؤون المطروحة دورياً”. وقال: “مع احترامنا للتفسيرات الدستورية والقانونية التي شَبعنا منها، والتي لا يمكن ان يختلف حولها عاقلان، ألفُت نظر الجميع الى خطورة استمرار تعطيل اعمال الحكومة في ظل التوتر الإقليمي والدولي، ففي حال تطورت الأمور سلباً سيكون البلد آيلاً الى السقوط في ظل هذا النقاش الذي لا يمكن ان يوصِلنا الى أيّ مكان”.

 

وفي ختام الجلسة، سأل رئيس الحكومة، وفق معلومات “المستقبل”، أعضاء المجلس عمن يعترض على إقرار دعم الصادرات الزراعية والصناعية فأبدى خمسة وزراء اعتراضهم، حينها قال سلام: إذاً، موافقة مع تسجيل اعتراض الوزراء الخمسة. ثم رفع الجلسة.

وفي هذا الاطار علمت “الجمهورية” انّ بعض الوزراء طلبوا من سلام ان يطرح الموضوع على التصويت فرفَض، واكتفى بتسجيل اعتراض 5 وزراء لأنّ وزير تيار “المردة” روني عريجي كان غائباً عن الجلسة. ولدى خروجهما، أصرّ باسيل وبو صعب على أنّ “هذا القرار لن يمشي، وأكدا انّ الطريقة التي أقرّ على اساسها غير مقبولة، لكنّ القرار صدر رسمياً ضمن المقررات التي اتخذت خلال الجلسة”.

السابق
الحريري يعزّي السيسي وكاميرون
التالي
«14 آذار»: انتصر لمنطق استمرار العمل