مخيم عين الحلوة: صورة كاريكاتورية عن لبنان‏

عين الحلوة
لينا الصبية التي تبلغ الثامنة والعشرين من عمرها، ما زالت طريحة الفراش تعاني من انخفاض ضغط الدم ومن رضوض إصابتها أثناء هربها من المنزل الذي أحرق خلال الاشتباكات التي حصلت في مخيم عين الحلوة يوم 18 حزيران 2015.

هي اشتباكات بين مسلحين ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة وتأتي في سياق “سياسة القضم” السلطوية التي تقوم بها قوى مختلفة على حساب قوى أخرى. وهي تطرح سؤالا أساسيا: هل تحول أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى مخيمات أو مربعات أمنية ليكون صورة كاريكاتورية مصغرة عن الوضع اللبناني؟

مخيم عين الحلوة التي شكلت الإدارة الأمنية السابقة “الكفاح المسلح” عنوان وحدته بعد انتهاء المشروع الفلسطيني في لبنان، تحول إلى تجمعات يضم كلّ منها لاجئين تعود أصولهم إلى مدن وقرى فلسطينية مختلفة.

مساحة المخيم الأساسية مع المناطق التي أضيفت إليه (البركسات – السكة – بستان اليهودي) لا تتعدّى 2 كلم مربّع. يسكن المخيم أكثر من 70 ألف لاجئ فلسطيني أضيف إليهم عدة آلاف من الفلسطينيين الذين أتوا من سورية.

تدخل إلى مخيم عين الحلوة من جهة المستشفى الحكومي لتجد إلى يسارك منطقة البركسات وهي منطقة كان يستخدمها الجيش الفرنسي خلال الانتداب كاسطبلات لخيله، سكنها لبنانيون بعد زلزال عام 1956، وبعد عام السبعين، بدأت عائلات فلسطينية تسكنها لتصير أغلبية. في هذه المنطقة تجد سيطرة ساحقة لحركة فتح من خلال مكاتبها العسكرية والأمنية، إلا أن مدير المخيم فادي الصالح وهو موظف في “الأونروا” يحاول اختراق المنطقة من خلال إنشاء “كشافة بيت المقدس” التي تحوّل كشافوها إلى شباب مسلحين. والمعروف عن فادي الصالح قربه من حركة الجهاد الإسلامي.

يقول أحد “المراقبين الفلسطينيين” أن هناك حركة سريّة للحزب لشراء ولاء عدد من الأشخاص داخل المخيم

تدخل المخيم وعلى يسارك تجد منطقة يسكنها أهالي قرية “عقبرة” وتنتشر فيها مكاتب حركة فتح، إلا أنه يلاحظ تحرّكات لأفراد ينتمون لتيارات إسلامية مختلفة. وفي الطريق الشرقي الذي يعلو منطقة عقبرة يقع حي “طيطبة” حيث السيطرة لحركة الجهاد الإسلامي مع مجموعة “أسامة الشهابي” التي لا تخفي تعاطفها مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

بجانب حي “طيطبة” وفي اتجاه الجنوب يقع حي “الصفصاف” وفيه جزء من أهالي “رأس الأحمر”. وهو الحي الذي يشكل العمود الفقري لـ”عصبة الأنصار”، وفيه يعيش أحد مسؤوليها أبو شريف (طه شريدي) وإلى الجنوب من هذا الحي تقع مملكة بلال بدر في حي “الطبري”.

وإذا عدنا إلى مدخل المخيم لتنظر إلى يمينك، بعد منطقة “بستان اليهودي” تجد حي “رأس الأحمر” وهي منطقة يعيش فيها أهالي “عمقة”، “الشيخ داود”، “السميرية” “المنشية” و”أم الفرج”. وفيها خليط من القوى السياسية المختلفة. لكن إلى الجنوب منها يقع حي “صفورية” الكبير الذي ينظر إليه كمركز لـ”الـلينو” أحد مسؤولي حركة فتح السابقين والذي يعرّف عن نفسه أنه يقود حركة تصحيحية فيها.

عين الحلوة

أما إذا دخلت المخيم من ناحية تعمير عين الحلوة، على يمينك تجد حي “سعسع” وبعض أهالي “طيطبة” حيث تشكل “عصبة الأنصار” القوة الأساسية.

تنتقل بعدها إلى حي “الزيب” حيث الحركة الجهادية الإسلامية تتعايش مع “عصبة الأنصار”. وفي الجهة الجنوبية الغربية يقع حي “حطينط الذين يسكنه إلى جانب أهله لاجئون من “لوبيه” ومن “عرب الغو”ر، أما في “مخيم الطوارئ” فهو معقل لـ”عصبة الأنصار” وفلول “جند الشام” و”فتح الإسلام “ومجموعة “هيثم الشعبيط.

في هذه الجغرافيا السياسية، يظهر كل هذه القوى المتنازعة على سلطة تحكم لاجئين تعبوا من الحروب ومن العنف. فأين هي القوّة الأمنية التي تحدثوا عنها قبل أشهر ودربوا عناصرها وحصلت على دعم فلسطيني ولبناني؟

بعض عناصر تلك القوّة يرتاح في مركز “الاتحادات” التي صار مركزاً لها وعناصر أخرى تحرس مكتب “خالد الشايب”. ويتجمّع بعض منها عند سوق الخضر لتسهيل مرور السيارات وهي القوة التي حرّم عليها دخول “الطوارئ” و”الطبري” و”الصفصاف”… فماذا تبقىّ لها سوى المكاتب لتحرسها؟

أما “الشباب المسلم” وهي عنوان لمجموعات إسلامية متفرقة تضم بقايا “فتح الإسلام“، “جند الشام”، مجموعة “بلال بدر”، “هيثم شعبي”، “أسامة الشهابي”، “جمال حمد” وبعض عناصر تابعة “لكتائب عبد الله عزام” بمسؤولية “زياد أبو النعاج” بالإضافة إلى “توفيق طه”. وكلها مجموعات مستنفرة يشكل دائم وجاهزة لقتال أبناء الوطن الواحد ليس إلاّ.

وعلى سيرة “توفيق طه” الذي تطبّل له وسائل الإعلام وتزمّر، وتركّزعلى خطورته الأمنية، فإنه يصلّي بشكل شبه دائم في جامع “دار رباح”، ويعلن عدائه لداعش وأصحاب الدويلات الإسلامية، ويسير من حي إلى آخر من دون أي مرافقة أمنية.

وقبل فترة نشرت بعض وسائل الإعلام أن “محمد عزام” من “حطين” ناشط يجمع الشباب من بقايا مجموعات “الشيخ أحمد الأسير” ويخطط لعمليات إرهابية. لكن في الحقيقة فإن عزام يعمل في محل يملكه “رامي ورد” حتى يستطيع إطعام والدته. ولا ينكر أنه يستقبل عدداً من أتباع الأسير الذين هربوا يوم حوادث عبرا.

يوم الخميس 18 حزيران، حصل إشكال حول بسطة بطيخ في منطقة “البركسات”، سرعان ما هاجم المنطقة نحو 150 مسلحاً من التيارات الإسلامية المختلفة مما يطرح سؤال: هل الحادث مدبّر أم أنه يأتي في إطار سياسة القضم.

يومها تحرك “اللينو” ليمد يد المساعدة إلى “عبد سلطان” فأرسل له قوة بشرية وأسلحة وذخائر. في حادثة تشير إلى الموقع الأساس الذي يحتله “اللينو” في خارطة المخيم وأنه لا يمكن تجاوزه من الجميع.

ولكن ماذا عن “حزب الله”؟

يقول أحد “المراقبين الفلسطينيين” أن هناك حركة سريّة للحزب لشراء ولاء عدد من الأشخاص داخل المخيم وقد كان مدخلهم في السابق “أنصار الله” الذي يتزعمهم “جمال سليمان”. ويضيف المراقب: هناك عناصر فلسطينية على علاقة بحزب الله وهي لا تجرؤ على الدخول إلى المخيم. وأن الجوّ العام في المخيم معاد لحزب الله.

مخيم عين الحلوة التي شكلت الإدارة الأمنية السابقة “الكفاح المسلح” عنوان وحدته بعد انتهاء المشروع الفلسطيني في لبنان

وعندما تسأله عن “جمال سليمان” ووضعه، يحيلك إلى جهة أخرى: أسأل حركة فتح عنه فإن عددا من مسؤوليها الأساسيين على علاقة وطيدة معه ولا أحد يعرف ماذا يحصل بينهم.

في كل هذه الأجواء هل يشعر اللاجىء الفلسطيني بأمان داخل المخيم؟

يجيبك “المراقب”: وهل يشعر اللاجئ الفلسطيني بأمان خارج المخيم أيضاً؟

السابق
مبادرات فردية تطوعيّة ترقّع صور فقرنا‏
التالي
بري في لقاء الأربعاء: سأدعو الى جلسات تشريعية بعد فتح الدورة الاستثنائية