السيّد الأمين (2): «العولمة»يمكن أن تكون مدخلا للحوار مع الغرب

"العولمة" صاحبة السمعة السيّئة لكثرة ما تهاجم في بلادنا متهمة أنها مؤامرة غربيّة هدفها الإطاحة باقتصادياتنا وتراثنا وديننا،هل يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في التقريب بين الحضارات والحوار فيما بينها، في الجزء الثاني من موضوعنا "العلاقة مع الغرب" يكشف العلامة المفكر الاسلامي السيّد محمد حسن الأمين عن جوانب آخرى للعولمة لم تكن معروفة قبلا ولا متداولة من قبل المهتمين بعالم الفكر.

يوضح سماحة العلامة الأمين نقطة مهمة في مجال العلاقة مع الغرب قائلا: ” لا أريد أن يفهم من كلامي أن هذا الحوار الحضاري سوف يؤدي إلى ذوبان الخصوصيات التي تشكل أساساً للهويات المختلفة لهذه الشعوب وإذا عاد الأمر إلى الإسلام فإني أعني أن خصوصية الإيمان بالله والارتباط بالقيم الدينية الإسلامية لا يشكل عائقاً دون الأخذ بمنجزات حضارية حيادية سبقنا إليها الغرب، وآخذ مثلاً على ذلك موضوع الحرية والديموقراطية والتشريع لحقوق الإنسان بما بتناسب مع قيم الإسلام من جهة ومع منظومة حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً.

أن يكون الغرب علمانياً، فهذا ليس أمراً يمنع من العلاقات والتعاون، ولا يمنع من أن هناك جوانب في العلمانية الغربية وخاصة منها “العلمانية المؤمنة”، من أن يتسرب منها جوانب إنسانية كبيرة إلى نظمنا الاجتماعية والسياسية.

العولمة ليست ظاهرة جديدة في التاريخ البشري بصورة عامة وفي العصور المتأخرة بصورة خاصة

ويؤصّل السيّد الأمين لطرحه فيقول: إذا خذنا مفهوم الشورى في الإسلام في قوله تعالى، “وأمركم شورى بينكم”، نجد أن هذا يشكّل لقيام نظام سياسي إسلامي يشبه الأنظمة الحديثة في الغرب لأن مبدأ الشورى الذي يأمر به الإسلام يؤدّي إلى أن شرعية السلطة وتقوم على خيارات الشعوب، فالديموقراطية هي ليست شيئاً آخر سوى الشورى عندما يتسع مجالها ومساحتها لتجعل من كل المسلمين الحق في ممارسة “حقها في الشورى” أي في الانتخاب واختيار السلطة والقوانين، وفي الأساس فإنّ المبدأ الأول الذي قامت عليه العلمانية في الغرب هو الفصل بين الدين والسياسة بمعنى أن الشؤون السياسية ليست شؤوناً مقدسة أو منزلة وبالتالي ليس لرجال الدين أن يحكموا بإسم الحق الإلهي وأن يمنحوا أحكامهم هذه القداسة الإلهية وإنالإسلام واضح في هذا الأمر، فليس في الإسلام طبقة رجال دين تحكم بإسم الحق الإلهي على هذه الأرض “وإنما وهم شورى بينهم” فيما يشخص الأمور السياسية الدنيوية.

ولدى استفسارنا من السيّد الأمين عن موضوع ألمح اليه سابقا ويتلخّص بدور إيجابي يمكن أن تمارسه العولمة على صعيد الحوار والتفاعل بين الحضارات أجاب السيّد الأمين: “العولمة أمر واقع ليست خياراً وهي مستمرة ومرتبطة بالتقنية العلمية والتصور الاقتصادي والاتصالات وغيرها، والوقوف في وجهها يصبح مستحيلاً لأن مصالح دول العالم أجمع وليس الدول الكبرى فقط، باتت مرتبطة بتمدّد العولمة وانتشارها”.

التقارب بين الشرق والغرب يتطلب بالإضافة إلى المبادئ التي ذكرناها نمواً سياسياً واقتصادياً بحيث تتقارب موازين القوى بين الفريقين

ومن وجهة نظر تاريخية يرى السيّد الأمين “أن العولمة ليست ظاهرة جديدة في التاريخ البشري بصورة عامة وفي العصور المتأخرة بصورة خاصة، فنحن نلاحظ وخصوصاً من عصر النهضة الغربية والثورة الصناعية أن العوامل الاقتصادية فرضت أشكالاً متعددة من الاتصالات التي كانت تفرضها الأعمال التجارية وحاجة الغرب إلى أسواق لتصريف سلعه. الأمر الذي كان يؤدي إلى شكل من أشكال التعارف بين الغرب والشرق. ويدفع كلا الطرفين للتعرّف على الآخر ولتعلّم اللغات المختلفة، وبالتالي للتبادل الثقافي بين هذه المجتمعات التي كانت الاتصالات بينها شبه مقطوعة.كما أن في الوجدان الإنساني البشري منذ القدم تطلعات مثالية في أن يصبح العالم أمّة واحدة”.

العلامة محمد حسن الأمين

ويتابع السيّد الأمين قائلا:” أن العولمة بصورتها الراهنة أصبحت أكثر كثافة بموجب سرعة الاتصالات والتواصل التي وفرتها التقنيات الحديثة وهذا من وجهة نظرنا سوف يساهم في تحرير الأفراد والمجتمعات كي تتعرّف على البعض الآخر خارج القيود التي كانت تشكّل الستار الحديدي الفاصل بين الأمم. فلم تعد السلطات قادرة على احتكار المعلومات وإخضاع انتشارها لسياسات ذات مصالح خاصة.وهذا في نظري جانب إيجابي لجهة إمكانات التفاعل الحرّ بين الشعوب والأمم المختلفة، وهذا شكل متقدّم من أشكال الحوار بين الحضارات، والذي سيفرض بالنتيجة تقارباً كبيراً بين القيم والمفاهيم وليجعلها مشتركة بين الشعوب مما يؤدي إلى الضغط على الجهات السياسية ويجبرها على الامتثال لإرادة الشعوب باتجاه التقارب والتفاعل والقدرة على التفاهم وبالأخص سوف يعزّز قيم العدالة البشرية التي يطمح إليها معظم شعوب هذه الأرض، كما أن العولمة سوف تتيح ولو على المدى البعيد للشعوب الضعيفة أن تستفيد من فرض التواصل مع العالم المتقدّم للقيام بموجبات النهضة التي تحتاجها في مجالات العلوم والاجتماع والاقتصاد”.

ويختم السيّد الأمين بفكرة ملخّصة حول مستقبل العلاقة مع الغرب قائلا”في التقارب بين الشرق والغرب يتطلب بالإضافة إلى المبادئ التي ذكرناها نمواً سياسياً واقتصادياً بحيث تتقارب موازين القوى بين الفريقين، فالقوى بطبعه عندما يكون طرفاً في الحوار يتمكن أن يفرض متطلباته من الطرف الأضعف، وهذا ما يجعلني أقول بأنّ حواراً حضارياً بين الشرق والغرب أو بين المسلمين والغرب هو ليس من الأمور التي يمكن تقريرها ووضع برنامج لها في زمن قصير. إذ لا بد أن يترافق السعي إلى هذا الحوار الحضاري مع متغيرات ضرورية في الاجتماع الإسلامي سياسياً واقتصادياً وإنمائياً، وفي ذلك التوافق العربي والإسلامي على توظيف ثروات العالم الإسلامي للقيام بنهضة صناعية وزراعية واقتصادية تمكننا أن نكون طرفاً فاعلاً في أي صورة من صور الحوار مع الغرب”.

السابق
اسرائيل تطلق شريط فيديو دعائياً يقارن إيران بـ«داعش»
التالي
كلام بري عن «استثنائية التشريع» في ميزان الكتل المسيحية