ريم الجندي بمعرضها الجديد: الضحيّةُ دوماً أجملُ من جلاَّدها

معرض ريم الجندي
لقد قيل في "غيرنيكا"، (وهي اللوّحة الأشهر والأروع لبابلو بيكاسو، وباعتبارها "أنها شهادةٌ حيّة ضدّ قسوة الحرب، وكنزٌ فنيٌّ في آن" معاً: "إنّها صرخة الحياةِ في وجه الموت")، وذلك من خلال إدانتها الفاضحة لفعل القتل. وأنا أرى أنّ ما قيل في "غيرنيكا"، هو ما ينطبق – تماماً – إن لم أقل أكثر من ذلك على لوحات ريم الجندي، في معرضها التشكيليّ الجديد، والذي حمل عنوان: "قيامة" (والذي أقيم في غاليري جانين ربيز في بيروت من 3 إلى 25 حزيران 2015).

إن ريم الجندي، وباعتبارها إحدى رائداتنا المتميزة بأسلوبها الفنّي الفذّ، في الفنّ التشكيلي، المعاصر والحديث، لقد أظهرت محمولاتُ لوحاتها، في هذا المعرض، بأنّ هذه المحمولات، ما هي إلاّ صرخةُ الحياة الفعلية لكن ما يميزها وبامتياز هو أنها صرخة أنيقة مثاليّة في وجه الموت الناتج عن فعل القتل، إذْ هي لوحاتٌ جعلتني أتصوّر، ومْضَ ريشة صاحبة “قيامة”، يلمع في تمجيد الحياة، بكلّ معانيها وأبعادها، في مواجهة القتل، بكلّ معانيه وأبعاده، ذلك أنّ المتأمل في هذه اللوحات لا بدّ له من أن يستشفّ إصرار ريم الجندي، على أن تُخلِّد، في هذه الأعمال الفنيّة الإبداعية، الجمال الأقصى للضحيّة، في مقابل بشاعة الجلاّد، فالبصمة الإبداعيّة، هنا، تتألّق – وهذا هو الفارق الرؤيوي بين “غيرنيكا” ووجوه “قيامة” – من دون مِسحة ألمٍ، أو لمعة دمعة، أو نشيج وأنين شخوب قطرة دمٍ واحدة، بل نرى سلاماً (حياةً) مطلقاً يهيمن باطمئنان هادئٍ على محيّا الضحيّة، التي بُعثت هنا، إبداعيّاً، إلى الحياة من جديد، من خلال ابتكار تشكيليّ، هو غاية في الرّقيّ اللاّئق بالجمال الأقصى للضحيّة، هذا الجمال العابق هنا، بالنّور والدّفءِ والحُبّ والإصرار على التحدّي، الممعن في رفضه للمصير “المُفتعل”. فما بين لعبة الضّوءِ والظّلّ باستخدام تقنيّة “التظليل” الثلاثية الأبعاد، ترفل وجوه “قيامة” ببهائها ورونقها، اللاَّفتين في ذُروةٍ جماليّة، تمتاز بها الضحيّة هنا، وكما أرادتها الجندي، في تصويريّة تُظْهر بأنّ الجمال الأقصويّ للضحيّة هنا، هو أبلغُ إهانةً تحقيراً وبالتالي إذلالاً للجلاّد، من أيّة نأْمة، تصدر – عادةً – عن ضحيّة، لا تشي – ربما – يُشينُ جلاّدها. هنا حوارنا مع ريم الجندي حول “قيامة”، هذه الفنّانة الباحثة ومنذ انطلاقتها الإبداعية، عن معنًى مضيءٍ ومشعّ للحياة:
معرضك التشكيليّ الجديد “قيامة”، كيف ومتى وُلدتْ فكرته، وما هو الهدف من إقامته اليوم؟
فكرة هذا المعرض، ولدت منذ ثلاث سنوات، وذلك بعدما رأيت صوراً، على المواقع الإخبارية، لأشخاص سوريّين، كانوا قد خرجوا، من المعتقلات السّوريّة أمواتاً. فقرّرتُ رسمهم أحياءً، من دون آثار التّعذيب التي كانت ظاهرة على وجوههم. وبهذا المعنى، كنت أبحث عن جمال حياتهم، ذلك أنني أعتقد جازمةً، بأنّ الضحيّة، هي دائماً أجمل من جلاّدها. وأقول إنني لم يكن لديّ أي هدف معيّن أو جاهز، سوى رسم هذه الوجوه، مرَّة بعد مرّة بعد مرّة، وكأنني بذلك أريد العيش مع أصحاب هذه الوجوه.
“قيامة”، هو معرض وجوهٍ، لكنّها، هنا، وجوه تتخذ أبعاداً دراميّة صِرفة، فلماذا اتّخذت هذه الأبعاد؟
إنّ الأبعاد الدّراميّة، ناتجةٌ عن كون هذه الوجوه، هي “بورتريهات” جنائزيّة تُذكر بمعنى البورتريه الجنائزي الموجود في “وجوه الفيُّوم” مثلاً. ودراميّة وجوه “قيامة”، متأتيّة أيضاً، من كونها مرسومةٌ بأسلوب الأيقونة الشرقيّة، حيث النّظرة واسعة، وكأنها، في لحظة جمودٍ أبديّ.

معرض ريم الجندي
كم لوحة يضمّ هذا المعرض، وما هي تقنيّاته؟
هذا المعرض يحتوي على (28) عملاً (أربعة وعشرون منها، هي بورتريهات فرديّة)، وبورتريه جماعي واحد، وثلاثة أعمال لها علاقة بالعائلة ودورة الحياة. أما عن تقنيات هذه الأعمال، فإن الـ24 بورتريه مشغولة بالإكريليك والمواد المختلفة، على خشب؛ أمّا باقي الأعمال، فأيضاً مشغولة بالإكريليك والمواد المختلفة على قماش.
بماذا يمتاز معرض “قيامة” عن معارضك السّابقة، إن على صعيدي الشكل والمضمون؟
في معارضي السابقة، لم أعمل على بورتريهات فرديّة، بهذا العدد، إذ كان العمل الواحد، يضمّ مشهداً ما، بشخوصه المختلفين؛ لكن، هنا، في هذا المعرض، كان التّركيز على البورتريه الفردي، الذي يتطابق حجمه مع الحجم الطّبيعي للوجه، وهنا أقول، إنّ تكرار الوجوه، في هذا المعرض، هو كتكرار الموتيفة التي، تتحول إلى إيقاع بصريّ، وبهذا المعنى، كنت أعمل على الوجوه الفردية، وأراها في مشهد جماعيّ.

أردتُ إظهار: كأنّي أحاول إعادة الحياة إلى هؤلاء الناس من خلال الفن

يضمّ هذا المعرض، لوحاتٍ، تتصادى، مع فنّ الأيقونة، وذلك من خلال استلهام ما تُعبِّرُ عنه “وجوه الفيّوم” كرمزٍ فنّي – تاريخيمعرض ريم الجندي عريق وجامع، فماذا عن طبيعة هذا الاستلهام هنا، وما هي دلالاته، من خلال الربط الموضوعي بين الماضي والحاضر؟
دراستي للأيقونة الشرقيّة، كان لها الأثر التاريخيّ والتقني، على أعمالي التشكيلية، بشكل عام، كوني، من خلال هذه الدراسة، قرأتُ واطّلعت أكثر، على التاريخ الفنّي لمنطقتنا، ما جعلني أشعر، بأنّني أنتمي إلى “سلالة” فنيّة، هي نتيجة اختلاط شعوب وثقافات وحضارات، مرّت على هذه البلاد، منذ فجر التاريخ. وبما أنّ “وجوه الفيّوم” هي وجوه جنائزيّة تاريخيّة، كان الهدف من رسمها، إظهار الأموات، وكأنّهم أحياء، ووضْعُ البورتريه على جثمان الميّت، حتى يتم التعرُّف عليه، في لحظة انبعاثه، يوم القيامة. فما حاولتُ أنا فعله، في لوحاتي، في معرض “قيامة”، هو، أنني أردت أن أُظهر، كأنني أحاول إعادة الحياة إلى هؤلاء الناس، من خلال الفنّ.
ما هي فلسفتك الخاصة في الفن؟ وأيُّ الموضوعات أحبُّ إليك؟
الفنّ، بالنسبة لي، هو أمر شخصي بحت، ومن هنا، فإنّ لوحاتي، هي نتاج تجاربي الشخصية، والأمور التي تؤثّر في حياتي. فأنا لا أرسم لأُزيِّن؛ بل أرسم لأقول نفسي. لذلك فإنّ موضوعاتي هي حياتي. وأغلب الأحيان، أبدأُ الرّسم من خلال صورٍ فوتوغرافيّة، تُسجِّل لحظات الحياة. وبشكل عام، فإنني أميلُ لرسْم الأشخاص، وكأنّ وجود الشّخص، في لوحتي، يُريحُني.

السابق
هذا ما تريده السفارة.. لو كنتم تعقلون
التالي
الجيش السوري يستعيد منطقة رئيسية في الحسكة سيطر عليها داعش