ملف حزب الله (9): عن تحويل بلديات الجنوب الى مراكز حزبية

بحسب أحد أعضاء مجلس بلدي في الجنوب إنّ «حزب الله يستخدم مواقعه البلدية للصرف على مؤسساته وعلى بعض مهامه في القرى»، كما أنّ حزب الله حوّل البلديات إلى أداة لتنفيذ سياسته، بعيداً عن دورها الأساسي في تنفيذ خطط إنمائية تهم المجتمع المحلي

يروي أحد الصحافيين الجنوبيين أنّه “في أواخر عام 2011، اتصلت برئيس بلدية بنت جبيل آنذاك عفيف بزي لإجراء مقابلة معه حول إعادة البناء في بلدة بنت جبيل وما رافقها من أحاديث حول تجاوزات مالية. صمت بزي لحظة ثم طلب مني أخذ الإذن من شخص من آل الموسوي في حزب الله، أجبته: لكنك إنسان منتخب من الناس ولست بحاجة لأخذ إذن من أحد للحديث في موضوع عام، أقفل بزي خط الهاتف”.

ويتابع الصحافي: “منذ أشهر كنت أعمل على تقرير لتقييم عمل اتحادات البلديات في لبنان، معظم الاتحادات التي يرأسها أشخاص أعضاء أو يدورون في فلك حزب الله رفضوا الاجتماع أو الإجابة على أسئلة تتعلق بوضع الاتحادات وآلية عملها. بعدها التقيت رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد سعيد الخنسا وأجريت معه مقابلة بهذا الشأن، وفي النهاية سألته عن سبب عدم موافقة معظم رؤساء الاتحادات التي يسيطر عليها حزب الله، وخصوصاً أن الأسئلة لا تحمل أي بُعد أمني. فضحك الخنسا، وقال: يكون هؤلاء الرؤساء قد أرسلوا الأسئلة إلى الجهة الحزبية المعنية مع إسمك والمعلومات المتوفرة عنك، وتلك الجهة ربما ما زالت تجمع المعلومات عنك قبل أن تسمح لهم بالإجتماع معك وإعطائك المعلومات المطلوبة.”

ويتابع الصحافي المتخصّص في شؤون البلديات: في لقاء مع رئيس إتحاد بلديات جنوبي، قال لي: ينتمي رؤساء اتحادات البلديات في الجنوب إلى تيارات سياسية مختلفة وإننا نناقش عادة كل الأمور المتعلقة بالوضع العام للإتحاد وتفاصيل عمله، نختلف حول الآلية وتتباين الآراء وأحياناً نلجأ للتصويت، إننا نمارس علاقاتنا في الإتحاد بديمقراطية حقيقية…. لكن إذا كانت نتيجة النقاش وإتجاه القرار يتناقض مع موقف حزب الله وقراراته، فماذا يحصل؟ تلعثم رئيس الإتحاد قبل أن يجيب: عندها على الجميع الإلتزام بقرار حزب الله”.

إقرأ أيضاً: ملف حزب الله (8): التعبئة التربويّة لجذب الطلاب والهيمنة على الجامعات‎

الأكيد أنّ ترأس عناصر مقرّبة أو أعضاء في حزب الله عدداً من الإتحادات البلدية إلى جانب عدد كبير من بلدات الجنوب، وقد خفف الإتفاق المعلن عام 2010 بين حزب الله وحركة أمل الكثير من الإحتقان بين الطرفين، خصوصاً أنّ الإتفاق قضى أن يبقى موقع رئيس البلدية بيد التنظيم الذي نجح في الوصول إليه العام 2004. مع ملاحظة أنّ حزب الله عزّز من مواقعه في عدد كبير في البلديات بغض النظر عن هوية رئيس البلدية السياسية. لكن هذا الاتفاق خُرق في صديقين وكفرا وترك أثراً في ياطر. ففي صديقين إتفق حزب الله مع لائحة المستقلين تحت الطاولة على حساب حليفته حركة أمل التي تحوّل عناصرها إلى أقلية في مجلس بلدي كانوا يشكلون الأكثرية فيه. ما دفع حركة أمل إلى الإنقلاب على حزب الله في كفرا، وما دفع المجلس البلدي في ياطر إلى الاشتباك الداخلي والإستقالة.

يقول أحد أعضاء مجلس بلدي، يرأسه عضو في حزب الله: “نحن أعضاء المجلس البلدي، شأننا شأن الآخرين تحوّلنا إلى أدوات تنفيذية، لما يقرره حزب الله من خلال وحدة العمل البلدي، التي تضع خطة عمل لكل بلدية وتطلب من رئيسها إقرار الخطة في المجلس البلدي وتحدد له وجهة النشاطات والمشاريع التي عليه أن ينفذها”. ويضيف عضو المجلس البلدي:”أحياناً نفاجأ بقرارات متخذة في المجلس البلدي ولا نعلم بها لنكتشف أن التوقيع على القرار قد تم بطريقة جوالة، وأحياناً يفرض القرار وعلينا الإلتزام بمضمونه، علما أن البلديات أصبحت مكانا لتوظيف جماعة حزب الله فيها، ولم تعد الكفاءة المهنية أو الخضوع لإمتحان مجلس خدمة مدنية شرط التوظيف، بل الكفاءة والحاجة الحزبية هي الأساس وأنت تعرف شخصاً يعيش في قضاء آخر قد وجد عملاً في اتحاد لقضاء آخر لأن هناك حاجة حزبية حددها حزب الله له وقضت أن يكون في هذا الموقع”.

وبحسب عضو المجلس البلدي فإن “مصاريف نشاطات الهيئة النسائية وكشافة المهدي وغيرها من الهيئات التابعة لحزب الله تدفع من صناديق البلديات، وأستطيع التأكيد أن حزب الله يستخدم مواقعه البلدية للصرف على مؤسساته وعلى بعض مهامه في القرى. وآخر الخبريات أنّ مبنى البلدية قد تحوّل إلى مبنى لإعطاء دروس دينية مع تقديم ضيافات على حساب البلدية”.

وعن موقف حركة أمل مما يجري قال: “إن عناصرها ملتحقة بحزب الله”.

ويختم العضو البلدي حديثه قائلاً: “لم تعد البلديات التي يسيطر عليها حزب الله إطاراً لتنفيذ خطط تنموية تهمّ المجتمعات المحلية، بل تحوّلت إلى أطر حزبية تابعة لحزب الله، ولم تعد التنظيمات السياسية تعمل لخدمة المجتمع ومؤسساته بل تحوّل المجتمع ومؤسساته إلى أداة لخدمة الحزب الزعيم.

ومؤخراً عملت البلديات على جمع داتا لتواجه النازحين السوريين في نطاقها الجغرافي، لكن هذه الداتا صارت في مكان آخر، ولا يسمح للبلديات استخدامها، وأيّ جهة تريد مساعدة النازحين السوريين عليها مراجعة من يملك الداتا الذي بدوره يتحكّم بالمساعدات وكيفية توزيعها.

السابق
سمير فرنجيه رئيسا للمجلس الوطني لمستقلي 14 آذار
التالي
الصيام الأطول في السويد.. لكن الاقسى في بيروت