3,3 ملايين شخص محتاج في لبنان والزيادة بلغت 61 %

ربما لم نعد في حاجة الى ارقام اضافية وتقارير دورية ودراسات، لنعي حجم المشكلة في الاوضاع الاجتماعية والمعيشية. فلبنان يعيش منذ فترة طويلة ركوداً على كل المستويات، ولم تعد كلمة فقر استثناء في القاموس اللبناني.

وعلى رغم هذا الواقع السوداوي، ينبغي التوقف عند دراسة للامم المتحدة حول الارقام المتوقعة لهذه السنة، والتي اظهرت زيادة في عدد سكان لبنان ليصبحوا 5,9 ملايين نسمة أي ما يقارب الستة ملايين، بينهم 3,3 ملايين شخص محتاج.
والاسوأ ان نسبة ارتفاع أعداد الفقراء في لبنان بلغت 61 في المئة منذ عام 2011. ووفق الدراسات أيضاً، فإن نسبة الفقر تطاول 57 في المئة من العائلات في طرابلس وحدها. ولا يعتبر التسرّب المدرسي النتيجة الوحيدة لهذا الوضع، وان كان اخطره على المديين القريب والبعيد، اذ بات يشمل نحو خمسين في المئة من الاولاد. هذا من دون التكلم على البطالة والاوضاع الصحية شبه الغائبة، فضلا على الظروف المعيشية السيئة.
ومن طرابلس، اقترح النائب روبير فاضل قانوناً لانشاء برنامج ازالة الفقر والعوز المدقع في لبنان، تحت اسم “أفعال”. ربما لأنه يأتي من قلب مدينة عانت الكثير. اقتراح القانون هذا اقرته لجنة الصحة في 17 شباط الفائت، وهو اليوم امام لجنة المال والموازنة، بعدما ادخلت عليه لجنة الصحة بعض التعديلات.
في المبدأ يتعلق الاقتراح بمساعدة 300 الف لبناني يعيشون حد الفقر المدقع اي بمدخول لا يتجاوز دولارين في اليوم، عبر تدريبهم وتعليمهم. والاهم ان هذه المساعدة تكون عبر تقديمات نقدية مشروطة، برامج دعم، وخدمات اجتماعية اخرى، على ان تعادل المساعدة النقدية ثلث الحد الادنى الرسمي للاجور.
والسؤال، كيف سيتأمن هذا الدعم؟
بحسب الاقتراح، فإن الصندوق المركزي للشؤون الاجتماعية يتولى تنفيذ برنامج “أفعال” والذي يتطلب نحو 100 مليون دولار سنوياً، وتالياً فإن هذه المساعدة تكون تحت وصاية وزارة الشؤون الاجتماعية.
خريطة مناطق
ليس من السهولة رسم خريطة طريق للمناطق الاكثر فقرا في لبنان، اذ تكاد توجد في كل منطقة، بؤرة فقر وحرمان. ووفق دراسة الامم المتحدة نفسها، فإن المناطق الأكثر فقراً، بعد طرابلس، تشمل أنحاء من عكار الى بعلبك الهرمل، والبقاع عموما ومنه الى ضواحي بيروت وشبعا والنبطية وضواحي صور والشوف الساحلي.
من هذا الواقع انبثقت فكرة اقتراح فاضل، لا سيما ان النائب الشمالي يأتي من رحم عدد من المؤسسات المدنية التي تسعى الى مكافحة الفقر. ومنعاً للفلتان او التهرّب من المسؤوليات، ولئلا تصب المساعدات في غير مكانها الصحيح، وخصوصاً ان التجارب اللبنانية حافلة في هذا المجال، فان اقتراح القانون وضع سلسلة ضوابط عملية لتحديد اطر الدعم، منها “ان تتوافر في المستفيد الموجبات لجهة اثبات تعليم اولاده القاصرين، على ان تتخذ اجراءات تسديد المساعدة النقدية المشروطة بمرسوم في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية، والذي يلحظ الاعتمادات اللازمة لتغطيتها”.
واللافت أيضاً ان الاقتراح اجاز لمجلس الوزراء “تكليف هيئة دولية او مجموعة خبراء”، للرقابة والتدقيق في لوائح المستفيدين. والسؤال: أين الحكومة وأين مجلس النواب اليوم؟

 

فاضل لا يزال مصرا على السير باقتراحه الى النهاية، مع انه سئم المماطلة في مجلس النواب، كما سئم الوضع الحالي “المكربج”، وهو لهذه الغاية وجه “نداء” دق خلاله ناقوس الخطر، وطالب باستعجال ملء الفراغ الرئاسي، حتى تعود الحركة الى الحياة السياسية والتشريعية.
واذ يرى ان الحل ينبغي أيضاً ان يكون على المستوى المعيشي والاجتماعي، وفي مقدّمها التسرّب المدرسي الذي يعتبر احدى نتائج الفقر المدقع، يشرح في الاسباب الموجبة لاقتراحه، ان ” الـ300 ألف لبناني الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع لا يستطيعون سد حاجاتهم الاساسية، وخصوصاً الغذائية، وتبين أيضاً ان مستوى التسرّب المدرسي يفوق الـ50 في المئة والبطالة تتعدّى معدل الـ30 في المئة في المناطق الاكثر فقراً”.

والاخطر ما يلفت اليه فاضل من ان “احداث العامين الاخيرين اثبتت ان المناطق الاشد فقرا هي الأقل استقراراً، وتشكل تالياً محفزاً لمختلف اشكال العنف. من هنا، باتت مسألة تفاقم الفقر تتجاوز الابعاد الانسانية والمعيشية والاجتماعية، ولا بد من ان تشكل قضية الفقر اولوية لعمل الدولة”.
ومعلوم انه في نهاية عام 2010، قدّم وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك وائل ابو فاعور مشروعاً يقضي بالتركيز على مظاهر الفقر وبناء بنك معلومات وطني حول الاسر الفقيرة وتعزيز شبكات الامان الاجتماعي، وقد باشر يومها تنفيذ المشروع عبر مسح الاسر اللبنانية الاكثر فقراً. بعدها، “انطفأت” المسألة. ويعتبر فاضل انه من خلال اقتراحه، كان لا بد من اضافة مساعدة نقدية مشروطة، تحسّن ظروف معيشة هذه الاسر وتلزم المستفيد منها تعليم اولاده القاصرين وخضوعه لدورات تدريب مهنية مؤهلة لايجاد فرصة عمل. وهو بذلك يكمل مشروع ابو فاعور ويعطيه استدامة، لئلا تذهب الخطط مع رحيل كل وزير من وزارته.
ويبقى السؤال، من أين الاموال؟
يقضي الاقتراح بتوحيد التقديمات موضوع خدمات البرنامج الوطني لدعم الاسر الاكثر فقرا بشراكة البنك الدولي، مع المساهمة النقدية المشروطة بحيث تندرج مجمل تلك المساعدات تحت اسم “افعال”.
وبعد… ماذا سيحقق الاقتراح؟ باختصار ان الجمعيات الاهلية والتي لفاضل خبرة واسعة فيها، لا تستطيع العمل وحدها من دون اطر قانونية هي من مهمات مجلس النواب، ومراسيم تنظيمية تعتبر من صلاحيات مجلس الوزراء، وهاتان المؤسستان الدستوريتان تعيشان شللاً وتعطيلاً في بلد يوشك أن يكون في قلب انهيار تام.

(النهار)

السابق
تراشق اتهامات بين ريفي و«حزب الله» وجمود في ملف العسكريين
التالي
هل يخرج القطار من الصور ويسير ما بين مار مخايل والبرلمان؟