واشنطن تعيد تأهيل الأسد الفاقد لشرعيته

بشار الأسد
يبدو أن ما قيل عن مشروع "الهلال الشيعي" في المنطقة، بدأ يتحول حقيقة فعلية في ظل خارطة سياسية وديموغرافية ترسم خطوطها فوق ما كان يسمى بدول المشرق العربي، فماذا تقول واشنطن؟

لم يكن السوريون ينتظرون تأكيدات المتحدث بإسم الخارجية الأميركية جون كيربي بأن “لا أدلة على وجود تنسيق بين النظام السوري وتنظيم داعش“. كما أنهم ملّوا من ترداد لازمة ان “الرئيس بشار الاسد فقد شرعيته”. فبين نفي التنسيق وتأكيد عدم الشرعية علاقة شرطية، الاولى تلغي الثانية.

لا بل إن عدم معارضة واشنطن للإجتماع التنسيقي الأمني بين العراق وسوريا وإيران لمواجهة داعش، يمهد الطريق عمليا أمام شراكة مثلثة الأضلاع برعاية أميركية، تكرس شرعية الأطراف الثلاثة في تحالف يُسقط معه ايضا لازمة “فقدان الاسد شرعيته”.

سياسة ترك المنطقة “تقلع شوكها بيدها”، لن تستجلب سوى المزيد من التفتت، الذي لن يبقى محصورا بالدول التي ابتليت بالحروب

ومع تسريب معلومات، إتخذت شكل “الهواجس”، عن تدخل أميركي مباشر لوقف تقدم المعارضة السورية في الجبهة الجنوبية، إثر إسقاط معسكر اللواء 52 وتطويق مطار الثعلة، تلبية لطلب إسرائيلي، يصبح التساؤل مشروعا عن ماهية الحل السياسي الذي تراه الإدارة الأميركية شرطا وحيدا لحل الأزمة السورية، على ما أعلنه كيربي نفسه في مؤتمره الصحافي اليومي.

اذا كانت تقديرات واشنطن تشير الى أن قبضة النظام قد ضعفت كثيرا، فلا شيء يبرر إصرارها على منحه فرصا جديدة للنجاة، سواء عبر إستبعاد تنسيقه مع داعش او عبر تغطية تنسيقه الأمني مع “الدول الصديقة والقريبة منه”.

بعض الأوساط الأميركية المعارضة لسياسات الإدارة ترى أن الأمر ليس أكثر من عبث سياسي، فيما الوقائع التي ترتسم على الأرض تشير الى أن ما قيل عن مشروع “الهلال الشيعي” في المنطقة، بدأ يتحول حقيقة فعلية في ظل خارطة سياسية وديموغرافية ترسم خطوطها فوق ما كان يسمى بدول المشرق العربي.

فإسقاط الحدود لم يكن داعش هو السباق اليها، بعدما إجتاح مقاتلو حزب الله الحدود اللبنانية السورية قبل أكثر من عامين وإرسال إيران وحدات من حرسها الثوري ومن المقاتلين العراقيين والأفغان، لحماية “المراقد المقدسة”.

تقول تلك الأوساط إن الفعل “الشّيعي” لم يكن ليبقى من دون رد “سنّي”، اذا كنا نرغب في إجراء نقاش موضوعي لقراءة التطورات التي تعصف بالمنطقة.

لكن إذا كان تمرير الإتفاق النووي يحتاج الى كل هذه التعمية التي تمارسها الإدارة الأميركية، فهي وصفة لإدامة الحروب في المنطقة لسنوات وعقود.

فسياسة ترك المنطقة “تقلع شوكها بيدها”، لن تستجلب سوى المزيد من التفتت، الذي لن يبقى محصورا بالدول التي ابتليت بالحروب.

في الظاهر يبدو الصراع يدور بين مشروعين إقليميين، إيراني وتركي، مع متفرج رئيسي هو إسرائيل. وعلى رغم ان العرب هم وحدهم الآن في موقع “دفاعي”، الاّ ان طبيعة إدارة الصراع الذي تشرف عليه الولايات المتحدة، تحت شعار عدم الإستعداد لدفع الثمن مجددا من دماء جنودها، يراكم على المدى الطويل تضخيم بذور التناقضات التي تعتمل في هذين البلدين ايضا.

تقول أوساط بحثية أميركية إن إدارة الرئيس باراك أوباما المقتنعة بأن توقيع الإتفاق النووي مع إيران ومن ثم إعادة تنسيبها الى المجتمع الدولي بعد رفع العقوبات عنها، سيجعل منها “دولة طبيعية” لم يأت من العبث. فالرئيس مقتنع بأن إزالة أسباب التمترس السياسي الإيراني وإندفاعة النظام نحو أدوار إقليمية أكبر، ستشرع الأبواب أمام نمو التناقضات السياسية الداخلية، في بلد جرى طمس مشكلاته منذ أكثر من أربعين عاما، عبر الحروب الخارجية التي خاضها، من حربه مع العراق الى “حربه” لإقتناء السلاح النووي.

وتؤكد تلك الأوساط بأن مروحة المشاكل الداخلية التي تنتظر النظام بعد توقيعه الإتفاق النووي، ستشمل القضايا الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والإثنية والمذهبية.

فالشيعة في إيران هم أكبر الأقليات الفارسية فيها، ولا فروقات جوهرية بينها وبين تركيا، التي كشفت الأحداث الأخيرة سواء بعد إندلاع ثورات “الربيع العربي” وصولا الى الإنتخابات الأخيرة وصعود الإثنيتان الكردية والعلوية فيها،عن مشكلات بنيوية قد تطرح إشكالية وحدة تركيا على بساط البحث مستقبلا، كما هو مقدر لإيران ايضا.

بشار الاسد

فالتلاعب بحدود الدول سلاح ذو حدين، ولا يمكن التحكم بتداعياته. واستجلاب داعش الى ميدان المعركة سياسة تصر إيران على ممارستها في معرض تأكيد شرعيتها ومرجعيتها السياسية في صراعها الإقليمي مع الآخرين.

إن إدارة الرئيس باراك أوباما المقتنعة بأن توقيع الإتفاق النووي مع إيران ومن ثم إعادة تنسيبها الى المجتمع الدولي بعد رفع العقوبات عنها، سيجعل منها “دولة طبيعية” لم يأت من العبث

هذا ما جرى في العراق مع سياسات نوري المالكي، وهذا ما جرى في سوريا مع سياسات بشار الاسد وتسهيله تمدد داعش في طول البلاد وعرضها، وهو ما يجري العمل عليه في لبنان عبر محاولة “شيطنة” السنّة، ودفع الجيش اللبناني للصدام معهم، تنفيذا لضم البلد الى الهلال الشيعي الممتد من إيران الى وسط العراق ودويلة الاسد.

السابق
أخطاء إخراجية مضحكة في المسلسلات الرمضانية
التالي
«الجديد» بأعنف هجوم على برّي: رئيس السمسرات والصفقات بلا حسيب