السيد الأمين (1)‎: الحوار لا الصراع سيحكم علاقتنا بالغرب

محمد حسن الامين
تستحكم عقيدة العداء للغرب في بلادنا حتى يمكننا القول إنّ من يدلي بأفكار تقدميّة ليبرالية حديثة في الشأنين الفكري والثقافي أصبح متهما بالتبعية الفكرية للغرب، من قبل الغالبية التي تعتبر أن أميركا والدول الغربية تتآمر على العرب والمسلمين وأن الهدف هو الهيمنة على بلادهم والقضاء على الإسلام.

يتحدّث العلامة المفكر الإسلامي السيد محمد حسن الأمين عن تاريخ هذه التوترات التي تحوّلت في بعض المراحل الى صدامات بين العرب والمسلمين من جهة وبين الغربيين المسيحيين من جهة ثانية فيقول:

“إن مسألة العلاقة بين الشرق والغرب هي المسألة التي أخذت جدلاً كبيراً خصوصاً في فترة ما يسمى بعصر النهضة قبيل وبعد سقوط الدولة العثمانية، لكن هذه العلاقة لم تبدأ من ذلك الوقت بل بدأت منذ قرون بعيدة ويمكن اعتبار الحروب الصليبية أحد أهم مظاهر هذه العلاقة السلبية ذات البعد الصراعي الاحتوائي من جهة الغرب، وهو شكل من أشكال محاولة الاستعمار معززاً بغطاء ديني مسيحي، ولذلك سمّيت بالحروب الصليبية. وبغضّ النظر عن أحداث هذا الصراع ومجرياته طيلة عقود تلت الحروب الصليبية وصولاً إلى الاستعمار الغربي الحديث لبلاد المسلمين والعرب بشكل خاص بعد انفراط عقد الدولة العثمانية، فإنّ ثمة مقولة أطلقها البعض إبان الجدل حول العلاقة مع الغرب في فترة عصر النهضة المشار إليه، وهي أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا. ما يدل على عمق الاختلاف والنفي المتبادل بين الشرق والغرب سياسة وفكراً وحضارة وكأن القدر قضى بأن يستمر هذا الصراع على المستويات كافة”.

الأمين: قدر العالم أن يتشكّل من حضارات وقيم ورؤى مختلفة، ولكنها متقاربة ومتحاورة

غير أن العصر الحديث فرض واقعا لا يمكن تجاهله يحتّم اللقاء لا الصراع بحسب رؤية السيّد الأمين وهو يشرح نظريته قائلا: “والحق أن العالم قد تغيّر كثيراً بعد فترة استعمار الغرب لبلاد المسلمين، ومهما قيل عن أن ثمّة فارقاً حضارياً مدنياً بين الغرب والشرق إلاّ أننا لا بد أن نلاحظ وجود مساحة جديدة قد نشأت في الفكر الغربي وفي الفكر الشرقي إلى حدّ ما توحي بأنّ هذا الصراع الحاصل هو صراع تاريخي وليس صراعاً حتمياً تفرضه الاعتبارات العقائدية والمصالح السياسية بل إنّ هناك إمكانية لحوار وضع له عنوان هو حوار الحضارات الذي اعترف كثيرون من الغربيين بأنّ هناك حضارات أخرى غير حضارة الغرب”.

السيد محمد حسن الأمين

ويتابع السيّد الأمين: “والحق أيضاً إذا أردنا أن نحدّد مصداق صراع الحضارات سنجد أن هذا الصراع هو القائم بين حضارة الغرب وحضارة المسلمين، وهنا أود انطلاقاً من كوني مسلماً ومعنياً بتأكيد حضور الحضارة الإسلامية وإمكاناتها الكبيرة في عصر العولمة، أي في جعل هذا العصر ذا نزعة إنسانية أوضح وأسمى مما عليه هي الآن، فإنني فعلاً ميّال إلى أنّ قَدَرَ هاتين الحضارتين ليس بالصراع كما قال “هانتغتون”، المفكر الأميركي المعروف، بل هو ما طرحه المفكر الفرنسي روجيه غارودي وأسماه بحوار الحضارات”.

الحق أن العالم قد تغيّر كثيراً بعد فترة استعمار الغرب لبلاد المسلمين

ويستند السيّد الأمين في رؤيته الإسلاميّة هذه إلى أن “قدر العالم أن يتشكّل من حضارات وقيم ورؤى مختلفة، ولكنها متقاربة ومتحاورة، فيها اتجاهان أحدهما الاتجاه الروحي الذي ما زال يشكّل سمة في التراثين الدينيين الأصليين وهما المسيحية والإٍسلام، والآخر من قيم إنسانية تربط بين الشعوب والأمم على اختلافها نزعاتها وأديانها وأطيافها. ومن هنا فإنني أجد في العولمة، رغم سلبياتها المعروفة من هيمنة القوى والاقتصاديات الكبرى على الدول الصغرى، أجد فيها ما يفتح المجال واسعاً أمام المشاركة في تبنّي قيم وفلسفات ونزعات إنسانيّة. وعلى الأخص فإنّني كمسلم لا أعتقد أن في الإسلام ما يمنع هذا اللون من الانخراط في تجربة إنسانية شاملة وأؤمن أن قوة الإسلام الأخلاقية وموقفه من كرامة الكائن الإنساني سوف يمنح الحوار الحضاري فرصة أكبر من أجل تحقيق هذا التقارب الضروري بين الشعوب والحضارات وسوف يقلّل من دوافع الصراع والنفي والنفي المتبادل”.

السابق
«الجديد» بأعنف هجوم على برّي: رئيس السمسرات والصفقات بلا حسيب
التالي
إلى المشنوق: الطائفية تزيد الإرهاب