الحريري مدعو إلى العودة.. والمشنوق مطالب بتحقيق علني «فضيحة رومية تتدحرج: الشارع لـ«النصرة و«داعش

سجن

كتبت السفير تقول: “مدانة تلك الأشرطة التي نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي وتضمنت مشاهد قاسية حول تعرض بعض الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية للتعذيب والإهانات القاسية على يد عناصر أمنية لبنانية مولجة بحراستهم وحمايتهم.
هذه الإدانة جاهر بها الرأي العام اللبناني، قبل أن يجاهر بها أهل السياسة، ذلك أن مبدأ التعذيب في السجون مرفوض رفضا قاطعا وينطوي على انتهاك لحقوق الإنسان ولا يبرره قانون أو شرع، فكيف في حالة من لم يحاكموا أو هم ينتظرون الأحكام، أما إذا كان بعض الموقوفين الذين تعرضوا للضرب، هم من المتهمين بتنفيذ أعمال إرهابية، فإن معاقبتهم يجب أن تتم وفق الأصول القضائية، مع التشديد على ضرورة إنزال أقصى العقوبات القانونية بحقهم بعد إخضاعهم إلى المحاكمة.

 

ولعل إحدى حسنات شريط الفيديو أنه يعيد تسليط الضوء على ممارسات تحصل في رومية وفي سجون أو مراكز توقيف أخرى، ولا أحد يعلم بها حتى تصدر الأحكام.. وربما يخشى البعض من الموقوفين الحديث عنها مخافة العقاب في السجن أو بعده، أو حرصا على شيء من الكرامة أمام أهله، خصوصا اذا كان من غير المرتكبين.

ولا شيء يمنع مجلس النواب، وتحديدا لجنة حقوق الانسان، أن تضع يدها على هذا الملف، حتى تمنع تكرار ما حصل وتكشف ممارسات تحصل ولا تصل الى مسامع الإعلام ومواقع التواصل.. وصولا الى محاسبة المعنيين ووضع ضوابط صارمة يصعب تجاهلها أو تجاوزها.
هذه الإدانة مطلوبة من جميع القوى السياسية ومن المجتمع المدني ومن أهل القانون وتحديدا نقابة المحامين وجمعيات حقوق الإنسان، حتى لا يتجرأ عنصر أمني الى أي جهاز ينتمي على تكرار ما أظهرته المشاهد من تعرض لموقوفين عراة بالضرب المبرح بواسطة عصا، إضافة إلى توجيه الشتائم والكلام النابي إليهم، ولكن…هل الأمر يتوقف عند حدود الإدانة أم ثمة أسئلة لا بد من طرحها:

 

أولا، هل يحق لعنصر أمني أن يقوم بتصوير مهمة من أي نوع كانت، وإذا حصل أن صوّر، قبل فترة زمنية، فلماذا قرر التسريب وما هو هدفه ولماذا اختار هذا التوقيت للتسريب، وهل من قام بالتعذيب هو الذي عمم أم أنّ من صوّر تبرع بالمهمة، وهل حصل ذلك من عنديات هؤلاء أم أن هناك من يقف وراءهم في السياسة والأمن؟

 

ثانيا، هل كان المقصود اختيار شهر رمضان المبارك، لما له من رمزية معينة عند جميع المسلمين، وهل قدّر مروجو الشريط، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ردود الفعل الغاضبة، شعبيا ودينيا وسياسيا، والى أي مدى يمكن أن تصل هذه «الانتفاضةالتي لم تستثن منطقة لبنانية، بما في ذلك العاصمة، وتحديدا منطقة الطريق الجديدة، معقل «تيار المستقبل تاريخيا؟

 

ثالثا، هل يخفى على أحد أن تسريب الصور في لحظة شديدة الحساسية، مذهبيا وسياسيا، يمكن أن يتسبب بحريق في الشارع المنفعل والسريع الاشتعال، ما يرتب على جميع المعنيين بهذه القضية السعي إلى محاصرة تداعياتها، وليس رفدها بوقود إضافي؟

 

رابعا، هل هناك من يخوض عملية تصفية حساب، بالمعنى السياسي والشخصي، مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، من داخل بيته السياسي أولا، أي «تيار المستقبل، أو من البيئة الأوسع التي ينتمي إليها ثانيا، لأنه أقدم على خطوات يصح القول عن بعضها إنها «جذرية بكل معنى الكلمة، ولا سيما منها وضع يده على ملف سجن رومية حيث لم يجرؤ الآخرون؟

 

خامسا، ليس خافيا على أحد أن وزير الداخلية فاجأ الخصوم قبل «تياره
وحلفائه عندما قرر وضع اليد على ملف سجن رومية، وقد صارحه بذلك ممثلو «حزب الله
و «أمل على طاولة الحوار في عين التينة، وباركوا له شجاعته السياسية، لا بل قال عنه أحد أقطاب «8 آذار إنه «وحش سياسي بكل معنى الكلمة.. وهو تجرأ من حيث لم يتجرأ كل وزراء الداخلية من قبله.

 

اقتحم نهاد المشنوق سجن رومية، بعدما ورث ما ورث تحديدا ممن كان مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي على مدى 8 سنوات، لكنه ضرب على صدره، وراكم من خلال هذا الإنجاز مجموعة خطوات أمنية، كان آخرها إعادة تفعيل حضور الدولة في الضاحية الجنوبية، لكن من كانوا متحكمين بالسجن، صدمهم هول ما حصل، وصدمهم أكثر ما تناهى إلى أسماعهم من إشادات أميركية وسعودية وغربية بأداء المشنوق، وكان آخرها كلام ولي العهد السعودي محمد بن نايف على مسمع من كل الوفد الرسمي اللبناني بأداء وزير داخلية لبنان، فهل هناك من اختار الرد على إقفال «حنفية رومية والرصيد المتراكم محليا وخارجيا باللجوء إلى لعبة الشارع؟

 

سادسا، ثمة سؤال برسم بعض وزراء «المستقبل ممن يفتقدون جاذبية الحضور والنقاش وإقناع الآخرين، في مجلس الوزراء أو على المستوى السياسي العام، هل اكتشفتم أن لعبة الشارع أكثر ربحا وفائدة وجاذبية؟

 

سابعا، هل أن من يريد استثمار لعبة الشارع من السياسيين أو رجال الدين، سواء في طرابلس أو عكار أو البداوي أو البقاع الأوسط أو بيروت، يدرك أن هذه اللعبة ثمة رابح وحيد فيها هو التطرف وأن العلم الوحيد الذي يمكن أن يرفع فيها هو علم «النصرة
أو «داعش أو التطرف بكل مسمياته؟

 

ثامنا، هل يدرك هؤلاء أن لعبة مسايرة الشارع نتجت منها رسالة وحيدة لا غير: هناك حكومة لبنانية هي حكومة سعد الحريري برئاسة تمام سلام، يتولى فيها حقيبة الداخلية نهاد المشنوق «المستقبلي بلا أي التباس وهناك مؤسسة أمنية يتحكم بأبرز مفاصلها من هم محسوبون على هذه الجهة السياسية. وبرغم تحمل المشنوق مسؤولية ما حصل، وبرغم فتح تحقيق وتوقيف العسكريين الخمسة المسؤولين عن التعذيب والتصوير، استمر الاحتجاج في الشارع، فهل ثمة رسالة أقوى من تلك التي قيلت ليل أمس في كل لبنان، بأن تيار سعد الحريري لا يملك المونة السياسية على جمهوره وشارعه؟

 

تاسعا، ليس خافيا، أن سلوك المشنوق في «الداخلية أفرز حساسيات حياله داخل «التيار
ولدى بعض أوساط الإسلاميين، عدا أن «زملاء له يخوضون ضده صراعا على النفوذ والطموح، وبالتالي فإن هناك من وجد في أفلام «الفيديولمتداولة فرصة ثمينة للانقضاض عليه بـ «مفعول رجعي”.

 

هل هذا السلوك مسموح به من سعد الحريري وهل من المقبول استمرار غيابه عن بلده وجمهوره وتياره، بما يفرز من ظواهر غير مألوفة، يكاد يكون المستفيد الأول والأخير منها هو التطرف؟

 

عاشرا، لقد أخذ وزير الداخلية على عاتقه أن يواجه «إمارة الإرهاب في رومية و«إمارة الإرهاب في طرابلس إذا انوجدت فيها أو في أي منطقة لبنانية، لكن هذه المهمة تفترض بخصومه أن يقدموا تسهيلات كثيرة له، وهم أحيانا تجاوبوا معه حيث لم يكن يتوقع ذلك، وما زال مطلوبا منهم الكثير، لكن السؤال الأساس هو برسم «تيار المستقبل
وداعميه الخارجيين: كيف يمكن الاصطفاف في معركة مواجهة الإرهاب، وهناك من يصر من داخل البيئة التي ترعاها السعودية في لبنان على استثمار بعض «البؤر
و «الإمارات الإرهابية؟

 

حادي عشر، هل أن مكافحة الإرهاب مجرد عملية أمنية عسكرية سياسية بحتة أم أن لها موجباتها الخدماتية والتنموية والاجتماعية، وهل أن الرئيس سعد الحريري قد اطلع على محضر اجتماع منسقي «تيار المستقبل في «بيت الوسط قبل نحو أسبوع وما عرضوه من هواجس وشكاوى لا تحصى ولا تعد، وكيف أن بيتا عكاريا واحدا (عائلة مشهورة)، اكتشف أن أربعة إخوة يقاتلون في آن معا مع المعارضة المسلحة في سوريا، وجميعهم من متخرّجي أكبر الجامعات الأوروبية؟ وأي تفسير يعطى لاستمرار قرار إقفال حنفية المال السعودي عن سعد الحريري، وبالتالي، عجز الأخير عن تلبية متطلبات جمهوره المتعاظمة؟

إن مشاهد التعذيب المسربة، على فظاعتها، يجب ألا تختزل الجهد الذي بذلته قوى الأمن الداخلي مؤخرا لضبط سجن رومية، وتفكيك الإمارة التي نشأت في قلبه، ثم إعادة تأهيل المبنى «ب ليصبح أكثر انسجاما مع شروط الكرامة الإنسانية.

 

كما أن العناصر الأمنية الخمسة المتورطة في عملية التعذيب والتصوير صادف أنها تنتمي إلى كل الطوائف المسيحية والإسلامية من دون استثناء وليس صحيحا أنهم من لون ديني أو مذهبي، وهم جميعا قيد التوقيف وقد أحيلوا إلى التحقيق العسكري، وهذه خطوة هامة يجب أن تقترن بتحقيق ومحاكمة سريعين.

وإذا كانت أعراف المؤسسات الأمنية والعسكرية تقضي بعدم الإفصاح عن العقوبات المسلكية والقضائية التي تتخذ بحق المرتكبين والمخالفين، حرصا على هيبة تلك المؤسسات ومعنوياتها، إلا انه قد يكون من المفيد هذه المرة خرق القاعدة والإعلان عن العقوبات التي ستتخذ، ما دام جرم التعذيب أصبح علنيا، وذلك لتبريد الأرض وتأكيد مصداقية قوى الأمن والقضاء وترميم الثقة فيهما، وتعميم العبرة حتى لا يستسهل أحد لاحقا تكرار فعل التعذيب في السجون أو خارجها.

السابق
فيلم التعذيب يحمل المشنوق إلى سجن رومية سلام يدعو إلى مجلس الوزراء الأسبوع المقبل
التالي
الجميع ينتظرون نتائج تروي سلام