«أفلام التعذيب» في رومية: لماذا الآن؟

ثبت بالوجه الشرعي أن أهالي الموقوفين الاسلاميين في سجن رومية كانوا على حق عندما أبلغوا كل المسؤولين المعنيين بأن أولادهم يتعرضون للتعذيب والانتهاكات والقهر والاذلال على أيدي بعض العناصر الأمنية، وذلك بعد عملية اقتحام المبنى «د»، وبالتالي إن ما قاله وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق سابقاً من أن السجناء لم يتعرضوا لأي أذى، كان مجافيا للحقيقة والواقع.

 

فقد انشغل لبنان، أمس، بنشر أفلام فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي مسربة من سجن رومية، عن عمليات تعذيب وحشية يمارسها عناصر من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي على عدد من السجناء، فضلا عن نشر العشرات من الصور التي توثق هذه العمليات.
وقد أدى ذلك، الى حالة من الغليان الشعبي في بعض المناطق، لا سيما طرابلس وعكار والبقاع. وأقدم مواطنون في شارع سوريا في التبانة، على قطع الطريق احتجاجا.

وليلا تحرك عدد من المواطنين في القرى العكارية وقطعوا الطرقات بالإطارات المشتعلة، وانطلقوا في مسيرات منددة بالانتهاكات التي تعرض لها سجناء رومية، كما قطعت الطريق الدولية عند مستديرة العبدة وفي البداوي.
كما اعتصم الإسلاميون بعد صلاة التراويح في ساحة عبد الحميد كرامي. كما قطعت الطرق في عدد من المناطق في البقاع وبيروت.
وليلاً أقدم مجهولون على رمي قنبلتين يدويتين في كل من التبانة وطريق المعرض في طرابلس.

 

وفتحت هذه الأفلام الباب أمام سيل من التساؤلات لجهة:
من قام بتصويرعمليات التعذيب؟ ومن عمل على تسريبها؟ ومن هي الجهة التي أمرت بنشرها؟ ولماذا اختارت هذا التوقيت بالذات بعد أشهر على اقتحام رومية؟ ومن يريد أن يدفع الشارع السني في لبنان الى الانفجار؟ وما علاقة تسريب هذه الأفلام بالشائعات التي تحدثت عن توترات أمنية قد تشهدها طرابلس وبعض المناطق السنية الأخرى مع بداية شهر رمضان؟ هل كان وزير الداخلية يعلم بما يحصل ويريد أن يتكتم عليه أم أن ما نقل إليه من تقارير من بعض الضباط كان عبارة عن صورة تجميلية منافية للحقيقة والواقع؟ ولماذا أدار هو وكثير من المسؤولين المعنيين الأذن الطرشاء لأهالي الموقوفين الذين بحت أصواتهم وهم يتحدثون عن التعذيب الذي يتعرض له أولادهم، ما اضطرهم للنزول الى الشارع وقطع الطرقات؟ وماذا عن باقي حالات التعذيب التي لم يتم تصويرها؟ وما هي حجم الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء في رومية خلف القضبان من دون أن يعلم فيها أحد؟
ثم بعد ذلك، لماذا تزامن الإشكال الأمني الذي حصل في التبانة وأدى الى مقتل المواطن عبيدة الأحمد، وهو الأول من نوعه منذ سبعة أشهر، مع تسريب الأفلام من سجن رومية؟ هل أن الأمر مصادفة؟
في مطلق الأحوال، فإن ما جرى تسريبه يضع الحكومة بكاملها أمام مسؤوليتها تجاه الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء، وتجاه كل ما تشهده نظارات التوقيف وما يتعرض له الموقوفون خلال التحقيقات معهم.
وقد أجرى المشنوق اتصالا بوزير العدل أشرف ريفي، وهو دان مشاهد التعذيب وأكد أن العناصر المتورطة ستحاكم قضائيا وعدليا وستدخل السجن، مشيرا الى أن ما حصل كان خلال العملية الاخيرة لاقتحام سجن رومية للقضاء على التمرد بداخله.
وفي مؤتمر صحافي عقده أمس، أعلن المشنوق تحمله مسؤولية الأخطاء التي حصلت خلال مداهمة المبنى «د» في سجن رومية من قبل فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وأكّد إدانته لها وعدم تركها لأي لحظة، ومعلناً اتخاذ الإجراءات المسلكية والقانونية بحق العسكريين، مضيفاً: «قمنا بتشكيلات بين الضباط قبل تسريب الأشرطة وأحلناهم الى القضاء العسكري وهذا أمر لا يحتمل المزايدة».

وأوضح المشنوق أنه بعد التحقيق تبين أن هذه العملية حصلت خلال المداهمة في المبنى «د» على إثر حالة التمرد التي حصلت من قبل السجناء، مشدداً على أن هذا الموضوع لم يتكرر ولن يتكرر بعد انتهاء المداهمة، معلناً أنه لن يسمح بهذا الأمر بأي شكل من الأشكال.
ولفت الانتباه إلى أنّه سيتم اتخاذ كل الإجراءات القانونية بحق العسكريين المخالفين، قائلاً: «السجناء لديهم حقوق وسنحافظ عليها».
كما أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة أنّها أعطت أوامرها بإجراء التحقيقات الفورية اللازمة، وأضافت: «من خلال التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات وبإشراف القضاء المختص، تم تحديد هوية خمسة عناصر متورطة حيث تم توقيفهم، فيما التحقيقات جارية ومستمرة لكشف هوية باقي المتورطين وإحالتهم أمام القضاء».

وشدّدت المديرية العامة، في بيان لها مساء أمس، على «حرصها التام على احترام حقوق الإنسان»، وعلى أن «لديها الجرأة الكافية للاعتراف العلني بالخطأ المرتكب الذي يشكل جرما واعتداء على كرامة الإنسان من قبل قلة قليلة من عناصرها خلال تنفيذ عملية أمنية ضخمة حفاظا على أمن الوطن والمواطن»، مؤكدةً أنّها «ستحاسب بشدة المتورطين والإعلان عن التدابير المتخذة بحقهم أمام الرأي العام».

 

وقد أجرى الوزير أشرف ريفي اتصالا برئيس الحكومة تمام سلام ووضعه في أجواء ما تضمنته الفيديوهات المسربة، وكلف مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود متابعة التحقيقات حتى النهاية، وهو شدد، أمس، أن «ما حصل يندى له الجبين، لكن يجب أن لا يؤثر على سمعة معنويات شعبة المعلومات التي حققت إنجازات كبرى لا يمكن التغاضي عنها»، لافتا الانتباه الى أن «خطأ بعض العناصر لا يجوز أن تدفع الشعبة بكاملها ثمنه».
وفي الوقت الذي تم فيه توقيف خمسة عناصر من الذين شاركوا في تعذيب السجناء، تحركت «هيئة علماء المسلمين» احتجاجا. كما عقدت اجتماعا ظهرا في مسجد «السلام»، ثم انتقل وفد منها برئاسة الشيخ أحمد العمري الى منزل ريفي.

 
ورأى ريفي إثر اللقاء أن «ما شاهدناه جريمة بكل معنى الكلمة، جريمة في القانون، وفي الوطنية، وفي الإنسانية، وفي الأخلاق»، مؤكدا أنها «لن تمر من دون عقاب»، وأكد أن «التحقيقات بدأت وهي عدلية وليست مسلكية، متعهدا بمتابعتها حتى النهاية»، لافتا الى أن «ما شهدناه لا يمت الى أخلاق اللبنانيين بل هو من بقايا عقل بشار الأسد». وشدد على أن أهل طرابلس يرفضون الفتنة وهم واعون تماما لاهمية الأمن والأمان في المدينة.
من جهته، رأى الشيخ العمري أن هناك فريقا من اللبنانيين أصبح مستهدفا.

 

ميقاتي: لاستقالة المسؤولين
في غضون ذلك، رأى الرئيس نجيب ميقاتي ان «هذه المشاهد تعتبر فضيحة كبرى»، داعيا «الى استقالة كل المعنيين بهذا الملف لا سيما الوزراء المختصين». وثمن ميقاتي، قرار القضاء بوضع يده على ملف القضية، مشددا على «وجوب التوسع في التحقيقات للاقتصاص من كل المسؤولين عن هذا الانتهاك الفاضح لحقوق الانسان»، مطالبا الحكومة «ببحث هذا الملف تفصيلا ومن كل جوانبه، لأن المسؤولية الوزارية عما حصل أهم بكثير من مسؤولية عناصر أمنية قامت بالاعتداء». وسأل ميقاتي: طالما ان وزير الداخلية اعترف بأن هذه الواقعة تعود إلى أيام التمرد الأخير الذي حصل في سجن رومية، لماذا لم يتخذ الاجراء المناسب في حينه وترك الموضوع، إلى ان كشفه تسريب الشريط على الإعلام؟ وهل هذه الحادثة هي الوحيدة التي حصلت ام أن هناك ما لم يعرف بعد؟ وما الذي يضمن عدم انتهاك حقوق الانسان مستقبلا؟ ولا بد في الشكل أيضا من لفت النظر إلى ان احد العنصرين اللذين قاما بالعملية ظهر ملتحيا في ما يشكل مخالفة لقوانين قوى الأمن الداخلي وانضباطيتها».

 

الحريري: لعدم الاستغلال
وأجرى الرئيس سعد الحريري اتصالين هاتفيين بوزيرَي العدل والداخلية أشرف ريفي ونهاد المشنوق واطلع منهما على نتائج التحقيقات الجارية.
وقد عبر الحريري عن «استنكاره الشديد، مشدداً على ضرورة محاسبة كل المرتكبين والمتورطين والمسؤولين عن هذه الارتكابات والممارسات اللا إنسانية، وإنزال أشد العقوبات بحقهم».
وأعرب الرئيس الحريري عن تقديره لسرعة تحرك وزيري العدل والداخلية، لملاحقة هذه القضية وكشف ملابساتها، وقال: «إنني على ثقة بأن الوزيرين ريفي والمشنوق لن يكترثا لبعض الأصوات المزايدة التي تحاول استغلال قضية محقة لتحقيق مآرب سياسية ضيقة في هذه الظروف».
ودان الشريط المسرب كل من النائب سمير الجسر، الوزير السابق فيصل كرامي، النائب السابق مصباح الأحدب، مفتي عكار الشيح زيد بكار زكريا، «الجماعة الاسلامية»، و«حركة التوحيد الاسلامي»، «اتحاد الحقوقيين المسلمين».

 
اعتبر اللواء الركن جميل السيّد انه لا يحق للوزير ريفي ان يزايد على وزير الداخلية «خاصةً وان هؤلاء العناصر هم من تلامذة ريفي وزعرانه الذين لطالما كان يفخر بهم وبإنجازاتهم لكونه كان قائدهم، علماً بأن تراكمات سجن رومية والفلتان الذي ساد فيه على مدى السنوات الماضية إنما هما من الإرث القذر والمشؤوم الذي تركه ريفي خلفه في تلك المديرية ليصبح بعدها أسوأ وزير للعدل في تاريخ لبنان الحديث».
ورأى أنه «إذا كان من احد تجب محاسبته وزجّه في السجن بهذه القضية فهو ريفي نفسه».
الزعبي: ريفي عديم الحكمة
ورد وزير الإعلام السوري عمران الزعبي على الوزير ريفي معتبراً أنه «عديم الحكمة وفقير المنطق وعاجز عن الدراية».
وقال الزعبي مخاطبا ريفي: «إن الهروب إلى الأمام لا يعفيك من المسؤولية عن السجون والتعذيب ولا يجعلك في خانة أخلاق الشعب اللبناني الحر والأبي».

(السفير)

السابق
فتح طرق سعدنايل تعلبايا وبرالياس بعد اقفالها ليلا
التالي
«داعش» يفخخ المواقع الأثرية في تدمر