«ويكيليكس الإلهي»

ويكيليكس

ينشر موقع “ويكيليكس”، بالتعاون مع إعلام “الممانعة”، مئات آلاف الوثائق والبرقيات التي قيل انها مسرّبة من مؤسسات الدبلوماسية السعودية. قد يكون من المهم التحدّث عن توقيت نشر هذه الوثائق تزامناً مع استفحال النزاع السعودي-الايراني على مساحة المنطقة وسعي طهران لتحقيق انتصارات إعلامية هنا وهناك. الا ان الأهم، لا بل الأخطر، هو في أن منظومة الممانعة الإعلامية تعاونت مع “ويكيليكس”، وأخذت على عاتقها نشر “الوثائق”، ليس لشي”، بل لـ”حقّها في التشهير بمن يخالف أصول الحياة، وبمن يقتل ويسرق ويعتدي وكأنه يفعل ذلك في ليل لا يراه أحد”! هذا ما قاله إعلام حزب الله بالحرف! من يصدّق أن محور “الممانعة”، الذي سلب حياة مئات الآلاف من شعوب المنطقة وعاث في الارض فساداً واجراماً وقتلاً وتنكيلاً وقمعاً ونهباً، يمكن أن يحدّثنا عن الحق وأصول الحياة، وعن القتل والسرقة والاعتداءات؟!

 

جوليان أسانج

تحوّل جوليان أسانج، مؤسّس موقع “ويكيليكس“، الى “سوبرمان” يمكن أن تُهدى إليه كل أعمال “التجسس”، وتُنشر في إعلام الممانعة تحت ستاره. وتحوّل إعلام حزب الله الى ناطقٍ بإسم الفقراء والمهمّشين والمستضعفين والمظلومين على الأرض. هكذا تلاقت المصالح بين “الممانعة” وأسانج، صاحب الموقع المنشورة عليه وثائق باتت بمثابة “قرآن” يُمنع المسّ بحروفه وكلماته. لكن اذا سُرّبت وثيقة، عن طريق الخطأ، تضرّ بمصالح حزب الله مع حلفائه، فلا مانع من أن يخرج الحزب لينفي ما ورد في هذه الوثيقة بالتحديد:”عارية عن الصحة”! بل أكثر من ذلك. فالتعاون بين “ويكيليكس” و”الممانعة” لا يُلزم الأخيرة بنشر كافة الوثائق، خاصة تلك التي تتعلّق بعلاقة مسؤولي الحزب بالسعودية. وثيقة “عاجلة وسريّة جداً”، يوصي فيها وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل الى خادم الحرمين ومجلس الوزراء السعودي برفع حظر السفر الى المملكة عن شقيق نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. تقول الوثيقة مسؤول العلاقات العربية في الحزب حسن عز الدين نقل للسفير السعودي لدى لبنان “رجاء” الشايخ قاسم في أن يرفع الحظر عن شقيقه الذي يدير حملة حج، توقّف نشاطها بعد حظر التأشيرة عنه! لا بأس. سيخرج من يؤكّد ان هذه الوثيقة انما مزوّرة ومن عمل التكفير الاسلامي والارهاب الصهيوني.
لكن الخلاف على بعض الوثائق لا يفسد للود قضية. فأسانج الذي تحوّل الى صحافي على قناة “روسيا اليوم”، وارتمى في حضن “الممانعة”، لن يكشف شيئاً عن “المال النظيف”، كيف جاءت مئات ملايين الدولارات بالحقائب الدبلوماسية، وكيف يتوزع “الكاش” على رؤوس الأشهاد. لن يكشف كيف تحوّل أحد حلفاء حزب الله وإيران من منفي “مفلس” الى زعيم امبراطورية مالية تنفق الملايين لتشغيل محطة تلفزيونية ولشراء طائرة خاصة ولدفع “معاشات” جيش من الموظفين ومن رجال الامن الخاص. لن يكشف كيف صار لدى بعض الأبواق، ممّن يتلقون “التعليمة السياسية” عند السابعة من صباح كل يوم قبل الظهورعلى البرامج الحوارية، سيارات “مفيمة” ومواكب وعصابات كاملة من المرافقين والمسلّحين. لن يكشف مصدر الأموال والمعاشات التي يتلقاها عناصر “سرايا المقاومة” لتكريس الفتن والتناقضات العائلية لتكون البيئة المناهضة لحزب الله مهيّئة للتفجير من الداخل ساعة يشاء الحزب. لن يكشف كيف أن أحد مسؤولي حزب الله تلقى اتصالاً من أحد المرشّحين في البقاع الغربي لطلب “المال النظيف” قبيل انتخابات عام 2009، قائلاً:” شو بدّي خسّر سعد الحريري من جيبتي”؟! فكان له ما أراد .. وخسر !
حبّذا لو كانت المشكلة مع ايران في “مالها النظيف”. حبّذا لو كان نصرالله يرسل كوادر حزبه الى السفارة الايرانية ليطلب ما يريد من خدمات عبر القنوات الدبلوماسية. حبّذا لو أن “الميليشيا” كلّها من رأسها حتى أخمص قدميها ليست تابعة عضوياً لفليق قاسم سليماني، الذي ربّما لا تعرف عنه السفارة الايرانية الكثير.

السابق
#حاكموا_جلاد_رومية: حملة على المشنوق وحملة تحييه
التالي
أيتام الشرق الأوسط