انعدام المادة الثقافية على الأقنية العربية: من المسئول وما هو الحل؟

يبقى التلفزيون وسيلة إعلامية غاية في الأهمية، وطريقة سهلة وناجعة في إيصال المادة الإعلامية للفرد، ورغم سيطرة الانترنت على الصورة الإعلامية من خلال المواقع الإلكترونية، والتطبيقات خاصة منها مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الشاشة الصغيرة تظل ذات ثقل لا يستهان به، من خلال سرعة انتشار المعلومة والخبر، والتأثير المباشر على الفرد في المجتمعات.

يعيش التلفزيون العربي منذ مدة ركودا من جانب المادة الإعلامية التثقيفية، وافتقاره إلى برامج تعمل على إبراز الوجه الثقافي للمجتمع العربي، من خلال تسليطه الضوء على آخر النشاطات، والمستجدات التي تطرح في الساحة الثقافة العربية، كتناول مواضيع فكرية وطرحها للمناقشة، عروض إعلانية للكتب الجديدة ومحاورة أصحابها، تخصيص برامج كاملة للبحث في قضايا الثقافة والمثقف، حيث تعيش الأقنية العربية مؤخرا على وقع ما يسمى ببرامج المواهب ولكن المواهب هنا غنائية راقصة، حيث ضجت بها الساحة الإعلامية مستعملة في الترويج لذلك وجوها معروفة، ونجوما لها ثقلها الفني والإعلامي، فهل أصبحت المواهب العربية تتلخص في الأصوات والأجساد؟ وباعتبار أن الفن هو أحد الأوجه السامية للثقافة، فهل الفن يتلخص في برامج (الهشك بشك) وبالطريقة التي يتم عرضها على المشاهد العربي، باعتبار أن التلفزيون يكاد يكون الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي تلتف حولها العائلة، وتدخل مختلف البيوت العربية بمختلف مستوياتها الثقافية، الأخلاقية والدينية؟

لسنا بصدد منع برامج الهواة وإبراز مواهبهم، ولكن أين هي البرامج الاكتشافية للمواهب الأخرى، والتي تكمل الصورة الإبداعية العربية كالرسم، التصميم، الأدب، الاختراع العلمي؟

هل تعمل هذه البرامج إثبات أن كل هذه المجتمعات العربية من مشرقها إلى مغربها، ينصب اهتمامها على تتبع هكذا مواد؟

وإذا كان نعم، فهل يجب مسايرة هذه العقلية خاصة وأن الإعلام دوره الأسمى هو التوعية والوصول إلى الحقائق، وإذا كان لا، فكيف يتم معالجة هذه المنظومة الإعلامية التي لا تمثل هذا المجتمع؟


من المسئول عن تغييب المواد الثقافية؟

إذا حاولنا الوصول إلى المسئول عن الاكتفاء بهذه المواد، وانعدام تقديم مواد تثقيفية، تنويرية وتوعوية للمشاهد العربي، سنجد أن المشاهد بدوره مشارك في هذه المعضلة، فالملاحظ أن هذه البرامج قد بدأت على شاشة واحدة، و كفيروس سريع الانتشار تم انتقالها بين مختلف الأقنية العربية خاصة منها الأكثر مشاهدة، وصارت من البرامج الأساسية للقناة، والتي تتكئ عليها في الدخل، وتكاد تمثل مصدر رزقها الوحيد، وهذا إن دل فهو يدل على أنها شكلت ربحا ماديا من خلال العائد المالي، والمعنوي من خلال ارتفاع عدد المتابعين وعليه تحقيق الشهرة والاسم، كعامل أساسي لاستمراريتها.

هنا يطرح السؤال: هل البرامج التثقيفية، أو التنويرية قليلة العدد والذي أصبح معدوما تقريبا، لا تشهد متابعة مما أدى إلى حذفها من برنامج الأقنية العربية؟

’’المادة الإعلامية التي لا تحقق نسبة مشاهدة، لا تستقطب الإعلانات، قد يؤدي إلى حذفها من البرنامج، وأصحاب القنوات يلقون باللوم على المشاهد تحت شعار (الجمهور عاوز كده)

في هذا السياق يؤكد الإعلامي جورج قرداحي لدى استضافته في برنامج “حلو الكلام” على قناة دبي الفضائية، وبما أنه كان مديرا عاما لإذاعة آم بي سي آف آم، أن المواد الثقافية والتي من الأصح تسميتها توعوية أو تنويرية، قد لا تستقطب الكثيرين باعتبارهم قد يلجئون إلى الكتاب كوسيلة أكثر نجاعة في التثقيف، وأن التلفزيون مهمته أقل من ذلك، إضافة إلى أن المشاهد العربي قد يبحث عن مادة خفيفة للترفيه عنه بعد يوم كاملٍ من العمل، التعب والإرهاق فهو يبحث في التلفزيون عن شيء للتخفيف عنه، من خلال برنامج لا يكون المذيع فيه جادا كأنه يلقي خطابا سياسيا بل خفيفا وسريعا، وأن الظروف التي يمر بها العالم العربي في السنوات الأخيرة، بعد الثورات والحالة الأمنية غير المستقرة في الكثير من البلدان العربية، لا تجعله يبحث عن مادة جدية ثقيلة، فهو قد يهرب من نشرات الأخبار المثقلة بأخبار الدم والعنف، ليجد حبة دواء تنسيه ما يحدث من حوله، علاوة على أن المادة الإعلامية التي لا تحقق نسبة مشاهدة، لا تستقطب الإعلانات التي تمثل مصدر الربح الأول، يبحث في أمرها من طرف الإدارة، وقد يؤدي إلى حذفها من البرنامج لأنها لا تحقق الهدف المرجو.

البرنامج اليومي للأقنية العربية لا يزيد عن الإعلانات، بعض البرامج الخفيفة إلى جانب المسلسلات والنشرات الإخبارية، ويعد خالٍ تماما من أي مواد من شأنها رفع الرصيد المعرفي للمشاهد، وتوعيته وتنويره فكريا، حيث تعد المادة الثقافية شبه منعدمة، وأصحاب القنوات يلقون باللوم على المشاهد تحت شعار (الجمهور عاوز كده)، والمشاهد يستهلك المادة الموجودة دون البحث عن أخرى يستفيد منها، تظل هذه الجدلية قائمة، خاصة مع الوضع العربي الراهن، دون تحرك ملموس من الطرفين، “إلى متى؟” ذلك ما ننتظره.

السابق
إرتداد حزب الله: الثمن الباهظ
التالي
بترايوس: الميليشيات الشيعية في العراق أخطر من داعش