السيّد الأمين: لا يجوز المطالبة بتوحّد المسلمين على حساب أوطانهم

أيهما أوجب الوحدة الاسلامية أم الوحدة الوطنية؟ ولماذا يصطدم المشروعان دائما، فتستضعف الأوطان تحت شعار "الأمة الاسلامية الواحده"؟ وهل فكرة الوطن هي بدعة وطارئة على المسلمين حملها المستعمر اليهم؟ أسئلة حملناها بدورنا الى العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين الذي أجاب:

“من حيث العقيدة فإن المسلمين أمة واحدة بمعنى أنها تنتمي إلى دين واحد وهو الإسلام، أما من حيث اللغات والجغرافيا والخصوصيات العرقية والإثنية والوطنية فالمسلمون ليسوا كياناً سياسياً واحداً ويوجد لكل منهم انتماؤه الوطني، وهذا الانتماء الوطني هو من الخصوصيات الطبيعة للإنسان على الأرض، وتشمله الآية الكريمة ” ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.بما يعني أن هذا التعدّد ليس مباحاً فقط ، وإنما هو حقيقة طبيعية يقرها الإسلام، أي يقرّ الاختلاف في هذا التعدّد ويخلق الحوار والتعارف بين هذه الشعوب وهذه القبائل لذلك فإن إنكار الانتماء الوطني بحجة أن الإسلام يوحّد الجميع، فإن هذا القول خاطئ ولا يميّز بين وحدة الدين وتعدّد الانتماءات البشرية في المجالات الأخرى.

وهنا اودّ القول بأن الانتماء إلى الوطن والوفاء بهذا الانتماء هو سمة من سمات الإيمان. وهذا يذكّرني بالحسرة التي أطلقها الرسول(ص) وهو يغادر موطنه الصغير مهاجراً إلى المدينة، وقول بمعناه أنه لولا الضرورة لم أغادر هذه الأرض التي يحبّها”.

مشروعية الأوطان برأي السيد الأمين يفرضها الواقع الحضاري للعالم المتمدن ويشرح: ” أن عالمنا الراهن ينقسم إلى دول وأوطان متعدّدة بحيث يصبح الانتماء إلى الوطن جزءاً من هوية الفرد التي تجمعه مع المواطنين الآخرين ولو اختلف معهم في الدين، وكون الوطن هو الإطار الجامع للمواطنين لا يعني أن الأوطان المتعددة للمسلمين ولغير المسلمين يجب أن تقوم على التناقض والتنافس والعداء العرقي. إن أهمية الإسلام أنه لا يقرّ أي صورة من صورة العدوان بين الشعوب بناء على انتماءاتها الوطنية المشروعة، وهذا النظام الدولي أو العالمي هو بمثابة ميثاق يجمع بين جميع الشعوب والديانات، والمسلمون في مثل هذه المواثيق الجامعة يشدّد على الالتزام بها وينهي عن التنكّر لها”.

وفي هذا السياق يدعو السيّد الأمين نبذ اسباب الانقسام والى الحوار فيقول: “ان دعوة إلى الانقسام والتباعد بين الأطراف الدينية القوميّة في مناطق المسلمين وإلى إلغاء الهوية الوطنية بحجة قيام خلافة إسلامية، هذا عدا عن كونه يناقض مع المواثيق الدولية فإنه لا يوجد في الإسلام ما يوجب توحيد هوية المواطنين المختلفين على أساس مذهبي وديني، بل كما أشرنا، فإن يقرّ بحق هذا الاختلاف، وإذا كان يدعو المسلمين إلى التعاون والمحبّة والتقارب ودعم المصالح المشتركة.أما عندما يتاح لهذا العالم أن يصبح كله أمّة واحدة مسلمة، فعند ذلك يمكن الكلام إلى الدعوة الأمميّة، وهذه يوتوبيا، نسميها كذلك وإن كانت مشروعة على الحلم الإنساني البعيد”.

وعن واقع المسلمين اليوم يرى السيّد الأمين ان “ما يحصل الآن من صراعات بين أحزاب وحركات إسلامية تتسم بالطابع المذهبي فإنها عدا كونها لن تجمع المسلمين على كلمة واحدة، إنها مادة لزرع الحقد والتباغض واتساع الشقّ بين المذاهب الإسلامية وهذا ما يتناقض مع الشعار المعلن إلى وحدة المسلمين ودولة الخلافة”.

وعن المفهوم المتقدّم للوحدة يقول السيد الأمين” اننا نفهم الوحدة سواء على المستوى القومي أو على المستوى الإسلامي بوجود الأوطان المتعدّدة لهم على أنها صورة من صور التقارب والتعاون، وخاصة على المستوى الثقافي وبالأخص على المستوى الاقتصادي التي من شأنها حين تتكبر وتنضج وتكامل ويشعر المسلمون بفائدتها، مستعجل الدعوة إلى الوحدة السياسية أقل تعقيداً وأكثر إمكانية مما هي عليه في الأوضاع الراهنة، إذ لا يمكن قيام وحدة سياسية بأي صورة من صور العنف والقوة العسكرية.

إننا نحن المسلمون نمرّ في أزمة حضارية يجب أن نعترف بحقيقتها وبمظاهرها المتعدّدة وليس أقلّها أن الثروات الاقتصادية والاستراتيجية للأمة الإسلامية لا يصار إلى الاستفادة منها، ويمكن ايجاد نمط من التعاون يجعل المحيط الإسلامي شبيهاً على الأقل بالاتحاد الأوروبي، وأحب ان أقول ان بدايات النهضة الإسلامية الحقيقيّة في المستقبل هي تلك التي سينشأ فيها جيل يمتلك من الوعي والإدراك والمعرفة ما يجعله يؤسّس لهذه النهضة دون أن يمنعه ذلك عن أن يجعل من هذا التجدّد في مسار الأمّة وعلاقاتها تجدّداً حضارياً يستند فيما يستند إليه إلى التراث الإسلامي المحلي أي إلى الشعلة من هذا التراث وليس إلى الماده كما هو واقعنا اليوم.

السابق
بري حذر في لقاء الأربعاء من استمرار سياسة التعطيل
التالي
جنبلاط: صفقة مشبوهة في مشروع الرملة البيضاء