واشنطن لا تتوقع إنهيار الأسد بل المنطقة

الكونغرس
بعد تحذيرات واشنطن الأخيرة أنّ "سوريا سوف تبتلع الجميع"، بات واضحًا أن سقوط الدولة الغارقة في الحرب منذ أكثر من 4 أعوام سيؤدي أيضًا إلى تحولات جذرية في المنطقة من ايران إلى تركيا وصولًا إلى لبنان.

ليس معروفًا بعد ما إذا كان السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل أو أحد أركان سفارته هو الذي قال قبل أيام لصحيفة كويتية إن “سوريا سوف تبتلع الجميع”، في معرض تحذيره من مغبة إستسهال التورط في وحول أزمتها المديدة.

لكن لا يمكن عزل هذا الكلام عما تناقشه الإدارة الأميركية من مشاريع قرارات وقوانين تتبادلها مع الكونغرس وبالعكس، وخصوصا توصيات وزارة الدفاع سواء حول العراق او سوريا وصولا الى “العمليات الخاصة” التي تنفذها الطائرات الحربية ضد قياديي تنظيم القاعدة سواء في ليبيا او اليمن.

تساؤلات أميركية تطرح ايضا عن مستقبل “السيطرة” الإيرانية على كل من العراق وسوريا

وحين يعلن المتحدث بإسم البنتاغون عن “مشهد الحرب نفسها” في ليبيا والعراق واليمن وسوريا ضد قوى التطرف والعنف، فإنه من الأدعى التريث في قراءة الموقف الأميركي مما يجري في منطقتنا من الآن وحتى عشر سنوات على اقل تقدير .

لا شيء يوحي بأن الإدارة الأميركية مستعجلة على الحلول او على الأقل تهيئة الظروف الملائمة لها. بعض الدوائر الأميركية تتحدث عن توقعات تشير الى ان “كرة” التفتت والحروب الأهلية المندلعة ستصيب لاعبين إقليميين بوتيرة قد تكون أسرع مما كان متوقعًا.

“فالزلزال” السياسي الذي ضرب حزب العدالة والتنمية التركي طرح علامات استفهام كبرى عن حصانة الدولة التركية في مواجهة التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة.

واذا كان التشظي الذي يضرب كياناتها شمالا ويمينا، يثير مخاوفا حول مستقبلها، فمن غير المعروف كيف يمكن للوضع التركي أن يصمد امام هذه المتغيرات، فيما تجبر أنقرة على القبول بتمدد “الكيانات” الكردية من شمال سوريا وشمال العراق الى غرب إيران.

فالرعاية الغربية والأميركية خصوصا لهذا “المكون” والإحتفاء “بالشريك” الكردي الموثوق في الحرب ضد داعش يثير التساؤل عن تغيير في الجغرافية السياسية في المنطقة؟

حتى الوضع الإيراني مطروح على طاولة البحث والتشريح. ومع تحول الإتفاق النووي الى حاجة “إيرانية وطنية وقومية”، تصبح مطالبة الرئيس الإيراني حسن روحاني الاصوات المعارضة لهذا الإتفاق، اما بالصمت او بتقديم البديل للشعب الذي لم يعد قادرا على تحمل سياسة العزلة والإنغلاق، دليلا على مأزق ليس معروفا كيف يمكن لطهران ان تدير مواجهاتها الإقليمية فيه من دون “شراكة” إستراتيجية مع واشنطن.

والحال لماذا ستوقع واشنطن على “اي اتفاق” مع إيران، فيما المعطيات العلمية تؤكد حتى الساعة ان إنتاج القنبلة النووية دونه عقبات جدية، يعرفها الروس والألمان جيدا؟

وبالعودة الى “المستنقع” السوري اعلاه وقدرته على إبتلاع الجميع، فالأميركيون يدركون جيدا ان خيار إستبدال الاسد ليس جاهزا حتى الساعة. فيما الكلام عن ضرورة الحفاظ على هيكل الدولة السورية وحماية ما تبقى من المؤسسة العسكرية والأمنية فيها لمصلحة إعادة بناء الدولة الجديدة، ليس أكثر من ذر للرماد في العيون.

فعن أي دولة يجري الحديث عنها ومن هي “الشعوب” التي ستحكمها؟

تصريحات ملك الأردن عبدالله الثاني عن استعداد المملكة لرعاية عشائر جنوب العراق وجنوب سوريا وحمايتها، وهي التي تتشارك النسب نفسه مع عشائر الأردن، كانت لافتة في توقيتها. ما طرح التساؤل عما تخفيه تلك الدعوة من إستعدادات “هاشمية” لتوسيع الكيان، او على الأقل حجز حصة في الفوضى المديدة التي تستعد لها المنطقة، بإنتظار نضوج الظروف الملائمة.

بشار الأسد

تقول أوساط أميركية إن الحديث عن إنهيار الاسد قريبا ليس أمرا واقعيا، ليس بسبب قدرته على الصمود او بسبب الدعم الذي يتلقاه، بل بسبب عدم وجود البديل السياسي والإجتماعي والموضوعي.

الأميركيون يدركون جيدا ان خيار إستبدال الاسد ليس جاهزا حتى الساعة

فالاسد سقط سياسيا وشرعيا وتاريخيا، لكن سقوطه العملي قد لا يختلف مداه عما احتاجه سقوط نظام صدام حسين، او عن إستمرار أنظمة الحكم العسكرية القومية التي سقطت تاريخيا بعد هزيمة العام 67، ولكنها مستمرة بشكل او بأخر منذ ما يقرب من خمسين عاما.

فالاسد تحول الى لاعب بين لاعبين كثر في سوريا، فيما عودة الكلام عن “وحدة المسار والمصير” بين لبنان وسوريا، يوضح معنى التحذير الأميركي من إبتلاع سوريا للجميع.

مشروع خفض موازنة وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية بقيمة 20 في المئة من برنامج تدريب المعارضة السورية، لا يمكن قراءته على انه تراجع عن دعم تلك المعارضة لمصلحة الاسد فقط. فإذا كان المجتمع السوري يتعمق الإنقسام فيه لمصلحة الطوائف، والممتد على خارطة المنطقة، فما الذي يجبر واشنطن على التحزب لطائفة ضد اخرى؟

هكذا يُفسر ايضا قرار البنتاغون الإستعداد لفتح قواعد عسكرية وتوسيعها وتعهده بتأمين الحماية لمناطق العشائر السنية، فيما ينقل الخبراء والعسكريون الأميركيون تقارير مقلقة عن مدى الإنهيار الذي وصل اليه العراق، ويضرب ليس فقط مكوناته الثلاثة الكبرى، بل ومكونه الشيعي تحديدا.

تساؤلات أميركية تطرح ايضا عن مستقبل “السيطرة” الإيرانية على كل من العراق وسوريا، فيما أحداث اليمن أظهرت حجم البلبلة التي أصابت طهران بعد انهيار حلم التوسع “الامبراطوري” السهل، وكلفته العالية.

السابق
انتهاء الاجتماع بين السيسي وسلام
التالي
بري حذر في لقاء الأربعاء من استمرار سياسة التعطيل