«حزب الله» وتكفير الدروز

تشنُّ ماكينة إعلام “حزب الله”، الناطق الرسمي باسم الجمهورية الإيرانية، حملة تخوين لدروز السويداء. تخوين المليشيا الشيعية للدروز، يأتي على خلفية أصوات درزية من الداخل الفلسطيني، تضغط على حكومة إسرائيل للتدخل لحماية دروز السويداء. الجدل الداخلي في إسرائيل، صار معياراً لتخوين الدروز في السويداء، ومصدراً لتكفيرهم.

الحزب الشيعي بات يستخدم صيغته من “الولاء والبراء” الداعشي، لقياس مقدار وطنية الطوائف والمجتمعات، بحسب إيمانها بـ”المقاومة”. ومليشيا الحزب، بعدما أفتت بتكفير السنّة في سوريا، لأنهم ضد المقاومة التي تقاتلهم “دفاعاً عن فلسطين”؛ نقلت بندقيتها اليوم، وصوبتها إلى الدروز، وأطلقت نيرانها التحذيرية. وفي العمق، موقف المليشيا التكفيري، لا يتعلق بالصوت الدرزي في فلسطين، بل باحتمال تغيير ميزان القوى في جبل الدروز، لغير مصلحة النظام السوري.

 

قد تبدو السويداء اليوم، “مجموعة تائهة، تطلب الحماية، ومستعدة لأداء أي دور يبقيها على قيد الحياة”، بحسب إعلام “حزب الله”. لكنه يُغفل، جهلاً، أنها كانت دائماً، على أبواب التحولات الكبرى، تعيش هذا التناقض. ثمة ما لا يفهمه أصحاب “الممانعة”، وهو قدرة الناس على تحديد أغراضهم، وأهدافهم وطرق عيشهم، وأحلافهم. ثمة وصاية يمارسونها على الجميع، لفرض هيمنتهم، ومشروعهم، من دون الأخذ بخيارات الناس، وحاجاتها. إدراك الحزب الإلهي لوجوده، في منطقة تتفتت وتنهار، بات قائماً على نزعة امبريالية إيرانية، تريد الاستحواذ على كامل المنطقة.

 

وينسى أشياع المليشيا الإيرانية، دائماً، أن من جاوز في بقائه عشرة قرون، كطائفة دينية، وعشرين قرناً كقبيلة، ليس بسيطاً ولا تائهاً. إنها طريقة هذه المجموعة، وجدلها الداخلي، لصياغة تيار سائد ضمنها. ثمة “ديموقراطية” ضمنية غريزية، تتيح لجميع الأصوات الداخلية أن تطفو، ثم يتم اختيار الأنسب، والأقدر على حماية الطائفة. هكذا فعلوا، ومنعوا العثمانيين من الدخول إلى الجبل، عقوداً طويلة، في حين كانت مناطق السنّة والشيعة والمسيحيين، في المشرق، تدفع الجزية والضرائب، وفق نظام الملّة. ينسى قومجيو ويساريو مليشيا “حزب الله” الشيعي، أن دروز السويداء، منعوا محمد باشا من دخول أرضهم، وهو الذي جرّد جيشين من خيرة قواته لغزوهم، وسمّم مياههم، وجوّعهم، وانكسر دونهم، وهو الذي لم تعصَ عليه منطقة أخرى في بلاد الشام.

 

 

قد يستند الحزب إلى المجزرة التي طالت دروز قرية قلب لوزة بجبل السماق في ريف إدلب، على يد مجموعة “الأمير” أبو عبدالرحمن التونسي من “جبهة النصرة”، للدلالة على عدم وجود من يحمي الطائفة. المزايدة بدأت مع خطاب سابق للأمين العام للحزب، حين تساءل: “من يحمي دروز السويداء؟”. “النصرة” بوصفها شمولية دينية مماثلة، كانت قد هدمت “مزارات وأضرحة شركية” لدروز إدلب، وأرسلت إليهم دعاة، لتصحيح “أغلاطهم العقدية”، كما ذهب أمير “النصرة” الجولاني. في الحالتين، هناك رغبة بمسح وجود الطائفة، واخراجها من سياقها التاريخي، وإلحاقها بمجموعة شمولية، بعد تقديم قرابين تستحق الطائفة من أجلها صكوك غفرانها.

وبالعودة للسويداء، فإن آلية الدروز الداخلية، لانتاج قرار جامع، تتعلق بعدد كبير من العوامل، وما يبدو اليوم ضياعاً، هو بحث داخلي محموم عن مكمن قوتهم، في ظل الفوضى العامة التي تعيشها المنطقة؛ واسترجاع لصداهم الداخلي، وتفاعل يصعب إدراكه من الخارج. قبيل أشهر من الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، كتب الكولونيل الفرنسي كاترو، المكلف بصياغة منهج سياسي فرنسي خاص للدروز: “ما لا يعلمه المرء هو أية سلطة أو شخصية من المتوقع أن تكون قادرة على التأثير في الجمهور”. وتابع: ” إذا لم يتمكن المرء من ترتيب مركز السلطة والقرار، فربما لا يوجد هذا المركز”.

 

تكفير مليشيا الحزب الشيعي لدروز السويداء، يشبه تكفيرهم من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، وإن كان يختلف في مقدار جرعته العلمانية-الطائفية. فالموضوع المُكفّر به، يتراوح من الخروج عن شرع الإسلام، إلى الخروج عن غاية “المقاومة”. ثمة تحريض بيّن، ومتزامن بين الطرفين، على دروز السويداء، وكأنهما في سباق للوصول إليها. هذا فعلياً ما يحدث على الأرض، الحزب أقام مليشيا له في السويداء، باسم “حزب الله السوري” أو “لبيك يا سلمان”، وبات الحديث علنياً عن محاولات التشييع التي يمزجها الحزب بعطايا مالية، ومكاسب سلطوية. “الدولة الإسلامية” تخوض معركة مماثلة، تزرع خلاياها النائمة بين بدو المحافظة، وتحظى بدعم، لم يعد خافياً من بعض أجنحة النظام، لفتح خطوط إمداد، وتطويق السويداء من الشرق والشمال الغربي.

 

التقاتل على الكعكة الدرزية، يتم في وقت تسحب فيه قوات النظام سلاحها الثقيل، وتعيد تذخيره، جنوبي دمشق، للدفاع عن مشروع التقسيم. يحدث ذلك، تماماً بالتوازي، مع تحرر محافظة درعا، شبه الكامل، من قوات النظام. واقتراب تنظيم “الدولة” من الشرق. بحيث أن ثلاث قوى باتت تحوم حول السويداء؛ إحداها تحاول كسب العقول والقلوب فيها، كما تفعل الجبهة الجنوبية من أهالي حوران. والثانية تدير التوحش، كما تفعل “الدولة الإسلامية”. والثالثة تلجأ إلى التشييع والإغراء والتخوين، كما تفعل مليشيا الحزب.

في نهاية عمر الاتحاد السوفياتي، كتب الروائي الروسي ألكسندر سولجنستين: “الاتحاد السوفياتي أشبه بعمارة خرسانية هائلة، وجلّ ما أخشاه، أن تنهار فوق رؤوسنا”. واليوم، والمشاهد الحية تنقل تفاصيل اهتراء النظام، وانهياره، لا أحد يستمع إلى صوت المجتمعات المحلية، وما تريده حقاً. وكل ما يتوافر لدى المتحزبين للمشاريع الكبرى، مجموعة مساطر متخيلة، يقيسون بها إيمان المجموعات البشرية، بقضاياهم.

(المدن)

السابق
التحالف يتفكك… العراق يتفكك!
التالي
أحكام بسجن 57 شيعيا في البحرين أدينوا بالتخطيط لهجمات