فصام إيران: 90 بالمئة من الشباب يبتعدون عن الإسلام

في 3 حزيران/يونيو 1989، توفي الإمام الخميني، تاركاً نظاماً حديدياً صنعه على قياسه، وبلداً مثخناً بجراح “الحرب الظالمة” مع العراق، على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية، وتكلفة بشرية هائلة، حوالي مليون قتيل. اعتقد كثر أن حرب الخلافة ستمزق الطبقة السياسية الجديدة والممسوكة من رجال الدين. ولكن ما حدث كان انتقالاً هادئاً، بعد أن تفاهم الشيخان هاشمي رافسنجاني  على إدارة البلاد. ما حدث بعد ذلك، أن خامنئي أثبت أنه قادر على إمساك السلطة، وأن الضعف الذي كان يُظهره لم يكن حقيقياً. عملياً تبيّن أنه “أنور السادات” الإيراني، الذي خدع الجميع بأنه مطيع وضعيف، ثم أطاح بالجميع، ليمتد حكمه المطلق، لربع قرن حتى الآن.

 

الثورة الخمينية أرادت إنتاج مجتمع إيراني إسلامي متماسك ومُنتج، فماذا كانت النتيجة بعد 38 سنة؟ فصام عريض وعميق وفرق شاسع بين الطموحات والواقع. بداية يقول نائب حاكم طهران للشؤون السياسية شهاب الدين شاوشي: “90 في المئة من شبابنا ابتعدوا عن الإسلام، بحكم سلوكنا السياسي. لا يمكننا أن نقول أشياء توافق عليها مجموعة محددة فحسب. نحن مسؤولون عن المسلمين الشيعة الذين يبتعدون عن الدين بحكم سلوكنا ولا مبالاتنا”.

 

وتتم ترجمة هذا التحول عن الالتزام الإسلامي الواسع، بأن المجتمع الإيراني تحول إلى مجتمعات عديدة، مع فوارق طبقية واضحة ونشوء شريحة واسعة من أبناء الملالي أي المشايخ. وبحسب دراسات إيرانية من الداخل، ومنشورة داخلياً، فإن العائلة الإيرانية التي كان معدل الإنجاب فيها عام 1979 سبعة أطفال، وصل المعدل فيها حالياً إلى 1.6، أي أن الشيخوخة ستضرب المجتمع الإيراني بعد جيل مع كل أثار ذلك على الانتاج والاقتصاد. وكان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد قد قال: “هذا الوضع فناء للأمة”، ويعود ذلك إلى جملة أسباب تؤكد الانفصال بين الخطابات الرسمية والواقع، ومنها أن نسبة الزواج تراجعت بشكل حاد، بسبب انتشار “زواج المتعة” إلى درجة أن 85 في المئة من الشباب باتوا يؤيدونه. كما ظهر ما يعرف بـ”الزواج الأبيض”، وهو نوع من المساكنة على الطريقة الغربية، وقد دفع انتشاره بين الشباب، إلى أن يأمر المرشد بشنّ حملة ضده، بعد أن اعتبره العديد من رجال الدين “زواجاً مشؤوماً”. ووصل الأمر إلى اقفال مجلة “زنان إمروز”، لإنها خصصت عدداً للحديث عن انتشاره.

 

إلى ذلك، تحتل إيران المرتبة الرابعة في العالم بنسبة الطلاق، كما تبلغ نسبة العقم 25 في المئة، بسبب أمراض جنسية أخطرها “الكلاميديا”. وفي بلد مثل إيران حيث نسبة الشباب تحت سن العشرين تصل إلى 45 في المئة من السكان، فإن ظاهرة جديدة انتشرت بين هؤلاء، تشبه ظاهرة الحائطيين، “الحيطست” في الجزائر، أي الذين يقفون في الشوارع ولا يعملون ولا ينتجون، وقد أطلق عليهم لقب “علآف”، بسبب البطالة أو فقدان الأمل.

 

من جهة أخرى، يشهد التعليم الجامعي والثانوي، موجات من الاحتجاج، على مستوى الأساتذة والطلاب، على خلفية غياب الحريات والتمييز بسبب الانتماء السياسي. علماً أن أبرز أهداف الثورة، كان تنمية هذا القطاع. وكان 700 أستاذ جامعي، قد وجهوا كتاباً مفتوحاً إلى الرئيس حسن روحاني، يطالبونه بتنفيذ وعوده لهم، وخاصة في ما يتعلق بالحريات الأكاديمية، وعدم الفصل من القطاع التعليمي لأسباب فكرية وسياسية. ويبدو أن عدم تحسن الأحوال دفعت الآلاف من الأساتذة للتظاهر.

 

وبلغت حدة الخطابات أن مُدرسة قالت: “أنا معلمة جائعة لأن هناك بطوناً جشعة في بلدنا. أنا معلمة لا أملك مالاً، لان أبناء المسؤولين عن إدارة البلاد، نهبوا كل الأموال. جيوبي خاوية لأن أبناء وبنات المسؤولين يملكون فيلات ضخمة في كندا ودوّل أوروبية”. وأضافت في إدانة واضحة للطبقة السياسية كلها: “لقد دفعنا نصيبنا العادل من أجل الثورة، لكننا تلقينا أقل مكافأة عادلة”. وعندما قال أحد الملالي رداً على الأساتذة المتظاهرين: “لقد تخليتم عن المعرفة في مقابل الثروة”، جاء الرد سريعاً من المتظاهرين: “لماذا عندما تحل الثروة عليكم، لا يعني ذلك تخليكم عن الدين لحساب الثروة؟”. وكانت المفاجاة الكبرى التي جرى التعتيم عليها، أن طالبة توفيت بعد أن صبت على جسدها ليترين من البنزين، وأشعلت النار في نفسها.

 

بعد تكاثر الاحتجاجات والصدامات، بين مجتمع الشباب الذي يريد أن يعيش دون ضغوط وأن يكون له حرية الاختيار، وسلطة أبرز قيادييها معدل أعمارهم 75 سنة، عمل الرئيس حسن روحاني، على تطويق الوضع، فقال: “على الشرطة تطبيق القوانين ولا يمكن لأي ضابط شرطة أن يقول إنه يستطيع تطبيق الشريعة”. في صلب الفصام؛ المواجهة بين مجتمع مدني يقوى ويريد تطبيق القانون وطبقة أصولية من السياسيين، تريد تطبيق الشريعة بما يتناسب مع أصوليتها ومواقعها في السلطة. وهذا يقف وراء “نأي 90 في المئة من الشباب عن الإسلام”، بينما جرى زحف غير مسبوق من النساء والشباب على الإسلام ومظاهره ومنها الحجاب في بداية الثورة كخيار حر بالثورة الإسلامية.

(المدن)

السابق
روحانی: الحکومة جادة فی مکافحة غسیل الاموال
التالي
البرميل وطفل حلب عناق الموت