يوميات معتقل 17: عن معتقل وادي جهنّم الأفضل بقليل من الجحيم

السجن الاسرائيلي
معتقل "وادي جهنم" المعتقل الذي تم نقلنا إليه من أجل إعادة إيجاد حلول للأنفاق. في هذا المعتقل كل شيئ مختلف عصابات مسلحة، اشتباكات بين المعتقلين... التعداد أصبح من مستحيلاً، ولكن نحن كنا نغنّي داخل خيمتنا، ولا ننظر إلى الخارج!

بعد حادثة النفق الشهيرة، حزم الجنود أمرهم بإعادة تجهيز المعسكرات ومحاولة إيجاد حلول لمسألة حفر الأنفاق. فبدأت عملية نقل كلّ الأسرى من المعسكرات الصيفية، كما كانت تسمّى، إلى مكان بالكاد يبعد مئات الأمتار.

هذا المكان المسمّى بـ”وادي جهنّم” كان عبارة عن قطعة أرض كبيرة سوّيت بالجرافات، وعلى أطرافها وضعت كميّات هائلة من التراب، لتشكّل مكاناً ملائماً لجنود الحراسة وكذلك عازلاً بين أعيننا والخارج.

نقلونا بشاحنات بيضاء مقفلة من كلّ الجوانب، هي في الحقيقة برادات كبيرة لنقل اللجوم أو الخضار، وذلك خوفاً من محاولات القفز والهروب من الشاحنات العسكرية العادية.

وادي جهنّم كانت عبارة عن معسكر واحد اختلط فيه الآلاف، العد اليومي ووضع الأيدي على الرأس والجلوس أصبحوا في خبر كان. الجنود في الخارج في كلّ مكان، رسمت الحدود بيننا وبينهم القليل من الأسلاك الشائكة… أما الطعام فكانوا يضعونه أمام المدخل بحذر شديد قبل أن يبتعدوا لأمتار إلى الخلف، شيئ يشبه من يرمي طعاماً لحيوان مفترس داخل قفص واهن صدىء!

في تلك المدينة الجديدة بدأ يتغير كلّ شيء، شاهدت بأمّ عيني واحداً ممن كانوا في قيادة الثورة الفلسطينية في الخارج، شاهدته وهو يمرّ من أمام خيمتنا بمرافقة عدد من حراس يحملون خناجر مسننة، كانوا قد صنعوها من أوتاد الخيم.

بدأت تنتشر العصابات وعدم الأمان، معارك نشبت بين الأطراف على خلفية المعارك الدائرة في مدينة طرابلس حينها، قتال شوارع وكمائن، جرحى واختطاف وأسرى، معارك الحجارة والخناجر والسيوف استمرّت لساعات..

أمّا الجنود فوقفوا متفرجين على معاركنا الداخلية قبل أن يرمونا بكمّ من الغازات، ربّما هذا ما ذكر المتقاتلين بأنهم في داخل قفص كبير.

لجنة المعتقل برئاسة صلاح التعمري لم تستطع سوى تثبيت هدنة بين المتقاتلين، وأخذ قرار بجمع الأسلحة الثقيلة “السيوف المصنوعة من أعمدة الخيم”، ولكنّها فشلت في جمع الخناجر والأحقاد، الهدنة كانت تخرق بشكل شبه يومي.

في وادي جهنّم تغيّر نظام المطابخ، كلّ خيمة كانت تتسلّم مؤونتها، كان الصليب الأحمر قد وزّع عدداً من الغيتارات… في خيمتنا كان رفيقنا علي مرعي “روم قضاء جزين” يعدّ لنا الطعّام اليومي ويوزّعه بالتساوي فيما بيننا.

المعارك واللصوصية في أزقّة وادي جهنّم مستمرّة، أمّا رفيقنا بسّام ضو ابن القريّة قضاء عاليه فكان يعزف ويغنّي، ونغنّي معه داخل خيمتنا، ولا ننظر إلى الخارج!

السابق
مصرع 396 شخصا في غرق السفينة الصينية ولا امل في العثور على ناجين
التالي
البابا من ساراييفو: أشعر بمناخ حرب في العالم