وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس: السوريون لا يرغبون بالتوطين.. رغم كل هذا الإجرام

أقامت جمعية “شؤون جنوبية” بالتعاون مع “تجمع لبنان المدني” يوم حوار ونقاش حول : “اشكالية وجود اللاجئين من سورية إلى لبنان” من الناحية القانونية والإغاثية والتأثير على البنية يوم السبت الواقع في 16 أيار في منتجع الوايفز المنصورية. وهنا مداخلة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في النقاش.

بما من المفيد، أن نتساءل: لماذا وزارة الشؤون الاجتماعيّة تولّت مسؤوليّة ملف السوريّين؟ السبب كان بسيطاً جداً وهو أن بضعة آلاف من السوريين، قد تركوا أماكن القتال، ولجأوا إلى لبنان وكانت القضية ذات طابع إنسانيّ اجتماعيّ، فكان من البديهي أن تتولى المسألة وزارة الشؤون. أمّا عندما تُصبح الأعداد، بمئات الآلاف، وتبقى وزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولة، بمعزل عن تدخُّل مباشر من الحكومة. فأنا لا أذيع سرّاً، إذا قلتُ: إن مجلس الوزراء، طوال فترة وجوده، أي منذ حوالى 14 شهراً، لم يبحث الملف السوري بمساحة وقتيّة، متتالية لأكثر من ساعة، ربما هناك خليّة الأزمة، المُشكَّلة برئاسة دولة الرئيس. وعضوية وزراء الخارجية والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية، تبحث، دورياً، ولكن وزارة الشؤون الاجتماعية، تحاول، منذ البدء، أن: أوّلاً، حاولنا أن نتلمّس جغرافيّة الوضع، فوجدنا أنه، خلال الحكومة السّابقة، تولّت هذه المسألة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تقريباً، دون أية رقابة للدولة اللبنانيّة. وعليه، فأوّل جوابي على الأسئلة التي طرحها الدكتور أنطوان حداد: هل لدينا قاعدة بيانات وطنيّة؟ الجواب: لا، ليست لدينا قاعدة بيانات وطنيّة، وهذه القاعدة التي لدينا الآن، أو المعلومات التي لدينا الآن، هي بالإعارة، أستعيرها من المفوضية السامية، ولقد كرّرت ذلك في محافل متعددة، أن ثقافتي الشخصية حول مسألة اللاجئين مستمدة من الذين يعملون في إطار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

  • كنّا نستقبل لاجئاً سوريّاً كل دقيقة، وخسائرنا 20 مليار دولار أميركي

 

نصف ساعة فقط!!

كان لا بد من وضع تصوُّر ما، وضعتُ ورقة عملٍ عرضتها أولاً على رئيس الحكومة. ثمّ عرضتها على اللجنة الوزارية، وافقت اللجنة الوزارية على مضمونها ما عدا نقطة واحدة، سنأتي عليها، فيما بعد، عُرضت على مجلس الوزراء، لم يستغرق نقاش هذه الورقة أكثر من نصف ساعة، وصُدِّقت بالإجماع، بإجماع الوزراء، ظنّ البعض أنني أعددتُ ورقةً، دوّرتُ فيها الزّوايا، وتجاهلتُ أو تخطّيتُ المسائل الخلافيّة، في واقع الحال، أنا لمست، سواء كنت مواطناً طرابسياً، يعيش في طرابلس، في بيئة سنّيّة، أو محامٍ يحتكّ بمختلف الأطياف، أو كشخص يعلم أو له صداقات من مختلف الطوائف، لمست أن مسألة اللجوء السّوري، قد أصبحت تشكّل همّاً وطنيّاً، موحَّداً، ولكن المقاربات للعلاج هي مقاربات مختلفة، وربما متضاربة” ولكن النظرة هي نظرة واحدة. من هنا حاولت أن أطوّر هذا البرنامج، فوقعنا في التباسات لا بدّ من إزالتها.

ربما ظنّ البعض أننا استجبنا لنزعة عنصرية شوفينيّة، تتحدث عن ضيق صدر بالحالة السّورية بمجملها، سواء من أيام الوجود السّوري الرسمي، أيام جيش الرّدع، أو بعد ذلك، بهذا النزوح الكبير، لا أنكر أن هذه الحالة موجودة، وربما تتفاقم في بعض الأحيان، وفي الأمس القريب، وكان معالي الوزير إبراهيم شمس الدِّين حاضراً، اشتركنا في مؤتمر في جامعة الحكمة، سمعنا فيه كلاماً فيه نزوع نحو العنصرية ونحو الغيظ، أقول هنا إنّ الغيظ لا يفيد، بل الغيظ يضرّ المغتاظ ولاينتج أثراً طيّباً. نحن في معضلة حقيقيّة، الإجابة على معظم الأسئلة التي طرحها الدكتور حدّاد، هي إجابات سلبيّة: لا، ليست لدينا معرفة، لا، ليست لدينا سيطرة، ليس لدينا تحكُّم، ليست لدينا قاعدة بيانات، وهذا طبيعي، لأننا عندما نترك هكذا أزمة تتفاقم على مدى ثلاث سنوات دون تدخُّل من الدولة، سنجد أمامنا جبلاً من المشاكل، تكون المهمّة الأولى للحكومة عندما تُقرِّر أن تتصدَّى لها، أن تضع لها حدوداً، وأن توقف التفاقم. هذا ما حدث، لقد اتخذنا قراراً، ربما لم يكن شعبياً، وتعرضنا من خلاله للكثير من الانتقاد، هو وقف النزوح. وربما حصل التباس بين تدبيرين: وقف اللجوء، ووقف الدخول، نحن لم نغلق حدودنا مع سوريا، ولكننا أوقفنا قبول اللاجئين، ذلك القرار كان قراراً منطقياً وأنا أتحمّل مسؤوليته، ولا أخجل بذلك، وأنا ما زلت قومياً عربياً. لم أغادر جلدي ولم أخلعه، ولم أخلع لساني ولم أخلع إيماني. ولكني أقول بكلّ صراحة: أنا مسؤول عن اتخاذ هذا القرار، أنا صاحب الفكرة لأن التدفق، لم يعد، مجدياً، لم يعد ضرورياً.

  • ليست وزارة الشؤون وحدها المسؤولة… الدولة كلها تتحمّل المسؤولية الكبيرة والجسيمة

 لاجئ كل دقيقة

أضاف درباس: الوعاء إذا فاض عما يستطيع أن يحتويه فيكون كل ما يسكبُ فيه ضائعاً؛ أمّا ليس ضرورياً. فبالطبيعة لأن معظم المناطق السورية التي دارت فيها المعارك وتدور – المناطق المحاذية للحدود اللبنانية – قد خلت فعلاً من سكانها المدنيّين، معظمهم وفد إلى لبنان، أو ذهب إلى الداخل السوري، هذه الحقيقة. ظنّ البعض أننا أوقفنا الدخول، وهذا ليس صحيحاً، وزارة الداخلية وضعت معايير للدخول، نحن قلنا إن اللجوء قد أصبح ممنوعاً، أي ممنوع على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن تسجّل أيّ لاجئ منذ 5/1/2015، ولكننا قلنا إن جميع السوريين يستطيعون أن يدخلوا إلى لبنان إذا كانوا يستطيعون أن يُبرّروا سبب الدخول، ربما – ونعترف بذلك، أنه في البداية، كانت هناك عثرات وأخطاء، تصدّينا لها، واعترف بها مسؤول الأمن العام، وصُحِّحت، والآن تسير الأمور بشكل مقبول.

وقف التدفّق، كان بداية ولكنه ليس نهاية، وقف التدفق كان يعني، أننا لم نعد نستقبل، كل دقيقة لاجئاً، الآن أنا أستطيع أن أقول، من موقعي كمسؤول، الآن لا نسجِّل لاجئين؛ إلا في الحالات الإنسانية الاستثنائية، وربما نُطوّر هذه المعايير، وبالأمس، وبدون تشاور، أبلغت الأمن العام، إن الأشوريين يستطيعون أن يدخلوا إلى لبنان، ويعتبرون من ضمن الحالات الإنسانية، لماذا؟ لأننا نحن حريصون على النسيج العربي، أو نسيج من يسكنون في هذه المنطقة المحسوبة على العروبة، وهذا ما يدعوني إلى القول: إن الأخوة العرب الذين – يشجعوعننا بالكلام وببعض المعونات، يسكبون معظم معوناتهم لدى المنظمة الدولية، أذكركم أن هذه المنظمة مهمتها هي رعاية المشرَّدين، يسمونهم لاجئين، أو نازحين… وفي الحقيقة إنها ترعى التشرُّد. ولكن، هل فات الأخوة العرب أن ما يجري ليس تشريداً إنسانياً، وليس حالات إنسانية طارئة، بل هو عبث عميق بالديموغرافيا العربية؟ هل منظمة التشرّد الدولي حريصة على الملامح العربية وعلى الإنسان العربي؟ أفلا يفقهون أن الجغرافية العربية عندما تخلو من ديموغرافيتها، تصبح معرَّضة للاحتلال؟ أو لأن يسكنها آخرون؟ أو هل يستطيع لبنان والأردن وحدهما أن يتحمّلا مثل هذا العبء إذا لم تكن هناك شراكة حقيقية ثنائية بين لبنان وبين البلاد العربية المقتدرة؟ إنكم لا تفتحون حدودكم وأراضيكم الشاسعة والواسعة، ولا تقدّمون إمكانياتكم الكبيرة، لاستيعاب جزء من هذا الحِمل، فلا أقلّ من أن تكونوا شركاء لنا، مباشرة بوضع خطة لصيانة هذه الحالة، لصيانة الإنسانية في اللجوء السوري، فهم إخوتنا وأشقاؤنا ونحن لن ننزلق إلى ذلك المنزلق السقيم، حول الحديث عن الفرق بين اللبناني والسوري، علينا أن نتذكر أن للأخوة السوريين فضلاً كبيراً في أيام محنتنا، نحن لا نذكرهم بما فعل بنا جنودهم فجنودهم فعلوا بنا ما يفعلونه الآن في المواطنين السوريين، هذه مسألة نتخطّاها، بلا أي جدل ونذهب إلى بحث عن حلّ، فالبحث عن حل هو جوهر المشكلة، من هنا، كان اهتمامي كبيراً، بالمؤتمر الذي عقد في جامعة الحكمة، واهتمامي بهذا المؤتمر اليوم، لأن القضية أصبحت من الأهمية بمكان، لكي تخرج من الشرنقة التي وُضعت فيها، أي شرنقة وزارة الشؤون الاجتماعية، المجرّدة من كل سلاح. أنا كنت أقول في كل المؤتمرات، وفي كل المناسبات، وأقولها لكم، أنا مسؤول عن هذا الملف، ولكنني مسؤول ورقيّ عن هذا الملف، أنا لا أملك أية إمكانيات، ولا صلاحيات ولا مالاً ولا عتاداً، ولا رجالاً ولا نساءاً.

 

  • السوريون لا يرغبون بالتوطين.. رغم كل هذا الإجرام

خسائرنا 20 مليار دولار

نحن في عدد قليل جداً، نحاول أن نلمّ بالموضوع، نتعاطى مع المنظمات الدولية، نتعاطى مع الجهات المانحة، ولكن هذا التعاطي، هو تعاطٍ كلاميّ، لا يؤدي إلى برامج ملموسة، نحن، بالأمس ذهبنا إلى الكويت، وكان أنطوني غوتيريس طموحاً، فطالب بثمانية مليارات دولار من مؤتمر المانحين، المبلغ الذي قُرِّر هو 3،8 مليارات، لا ندري حتى الآن، ما هي حصة لبنان منه، علماً، علينا أن نعترف ونقرّ، وبالرغم من مشاعرنا القومية، إن الإخوة السوريون استهلكوا بُنانا التحتية، وكان لهم أثر، ولأقلْ، إنه صعب على البيئة وعلى الصرف الصحيّ، وعلى الطرقات وعلى فُرص العمل، خسر الاقتصاد اللبناني بفارق النموّ ما لا يقلّ عن عشرين مليار دولار، خسرت الدولة اللبنانية أو كادت، حدودها البرية، هناك منافسة غير مشروعة، حول فرص العمل بين اليد العاملة اللبنانية واليد العاملة السورية، هناك نسبة الزيادة في البطالة تخطّت العشرين بالمائة، بعد اللجوء السوري، هذه حقائق، ليس من حقنا أن نتجاهلها، أو أن نستخفّ بها، أو أن نتخطّاها، إنها حقائق، إذا كنا سنتجاهلها الآن، فهي ستدهمنا بعد قليل، إذاً علينا أن نفكر فيها. هناك أمور كثيرة نحاول أن نطرحها على بساط البحث، علينا أن نرتفع لطرح، من الحالة الضيّقة، إلى إشراك المجتمع اللبناني، كل قواه الحيّة، لاستنباط واقتراح حلول وخطط ملموسة تتبناها الدولة اللبنانية، وبعد ذلك، تأخذها لكي تطرحها بكلّ صراحتها وصعوبتها، على المجتمع العربي، فهنا أنا أقول: القضية السورية ليست قضية سورية بحتة، وليست قضية سورية لبنانية، وليست قضية سورية أردنية، وليست قضية سورية لبنانية أردنية هي قضية عربية، الديموغرافية العربية، والجغرافيا العربية، تُجتاحان بطريقة وقحة، لا بد لنا، على الأقل، إذا كنا نحن فاشلين في إعداد حل سياسي لوقفها، فلا أقلّ من أن نعدّ حلاًّ اجتماعياً، يصونها ويمنعها من التفتت، ويمنعها من أن تكون خطراً على نفسها وعلى الجوار، وعلى العالم كله. هذه مسألة – أنا أقولها الآن، بكل صراحة، أنا سعيد أن تُطرح هذه الأسئلة، لكي تخرج عن النطاق الضيّق الذي وضعت فيه، وأنا هنا، أقول فلتقرع كل الأجراس في الخارج، كي تسمع آذان الوزراء في الداخل. فلنقرعها، بكل قوة، ونقول أيتها الحكومة تستطيعين أن تتلافي الحديث في السياسة – نحن بالمناسبة في الحكومة – لا نتحدث بالسياسة، تستطيعين أن تقفزي فوق المسائل الخلافية، فوق الحروب التي تدور حولنا، نستطيع أن نستعمل “سياسة النعامة، إلى آخر مدى، ولكن هذا الأمر لا يحتمل أي نوع من التجاهل، لذلك كلّفني رئيس الحكومة أن أضع تقريراً مفصّلاً، بعد أن وضعنا الخُطة السابقة، كيف نطوّرها؟ الآن، أنا لديّ بعض الأجوبة، هل لدينا قاعدة بيانات؟ الجواب: لا. هل ستكون لنا قاعدة بيانات؟ الجواب: نعم. لأننا بصدد تشكيل فِرق ميدانية تُعيد مسح الوجود السوري، وتطرح أسئلة أكثر من الأسئلة، أو مختلفة عن الأسئلة التي طرحتها المفوضية السامية، وتبحث في مدى تأثير هذا الوجود السوري على المجتمع المضيف.

أضاف الوزير درباس: ولكن هذه الفِرق التي نحن بصدد تكوينها في وزارة الشؤون الاجتماعية، بعد أن أقرّ لي مجلس الوزراء مبلغاً باهظاً جداً، أشكرهم عليه هو خمسة مليارات ليرة لبنانية، لإدارة هذه المسألة، أستطيع أنني بهذا المبلغ سأتمكّن من إدارة هذه الأزمة، ولكن طموحي ألاّ أكتفي بما يرد عليّ من قطّارة علي حسن خليل، طموحي أن يكون لي شركاء عرب ودوليون، لأنني أنوي أن أطوِّر هذا العمل، لكي أذهب، – وهذه فكرة أطرحها عليكم الآن – لكي أذهب، مباشرة، إلى معالجة الأزمة بشكلها المشترك، أصبح من الصعب أن تميّز بين البؤس السوري والبؤس اللبناني. يقول بشارة الخوري: “لو مرَّ سيف بيننا..”.. فالحقيقة البؤس السوري واللبناني أصبح شيئاً مشتركاً، ونحن ابتدأنا بمشروع، وجدتُ أنا أو ظننت، وربما توهمّت أنني لو عرضته بشكل برّاق وزوّقتْه، وأمّنت له الرونق اللازم، ربما وجد من يدعمه أو يقدّم له العون. قلتُ: سأستهدف أوّلاً الطفولة التعسة اللبنانية السورية، في الأماكن الأكثر بؤساً وتعاسة، فمن حق الأطفال بين سنتين وست سنوات، أن تكون لهم روضاتهم الراقية، إذا كان المقتدرون يستطيعون أن يؤمّنوا لأطفالهم بيئةً ملائمة، فإن المحرومين والفقراء والجهلة من حقهم أكثر، بل هم أولى حقاً، من أن تكون لأولادهم هذه الظروف الملائمة. بحثت وطرحت مسألة إقامة روضات للأطفال، في كل مناطق التواجد السوري اللبناني، لاستيعاب الأطفال السوريين واللبنانيين، الأكثر فقراً في بيئة واحدة وبوتقة واحدة، لها، (هذه الروضات) أهداف، أوّل هذه الأهداف – وكنت أقولها دائماً – إدخال السرور إلى قلوبهم. والغرض من وراء ذلك استنقاذ أجيال من التحلّل والاندثار والانحراف، وأن نربح للمستقبل أجيالاً جديدة تستطيع أن تدخله، وهي واثقة من نفسها، بعد أن تأمّنت لها الصحة النفسية والغذائية، لأن هذه الروضات يجب أن تعنى بالملبس وبالصحة وبالطعام، وباكتشاف الهوايات، وكما قلت، أن نُعدّ أجيالاً، هذه بعض الأفكار.

 

لا توطين رغم الإجرام

وأقول بكل صراحة، إذا كان هناك من يشاركنا، فلدينا ما لا يحصى وما لا ينتهي من المشاريع، نحن لا نملك أن نحلّ القضية السورية، القضية السورية، لا تحلّ إلا بعودة السوريين إلى بلادهم. وهناك وسيلتان للعودة: إما أن تتوقف هذه الحرب المجرمة؛ وإما أن تكون هناك مناطق آمنة يرعاها المجتمع الدولي الذي لن يغفر له التاريخ، مشاركته في هذه الجريمة. يتفرجون كأنهم ينظرون إلى فيلم سينمائي، هذه الشلالات من الدماء لا تعني لهم شيئاً، تدمير الآثار لا يعني لهم شيئاً، تدمير الحضارات لا يعني لهم شيئاً، يحسبونها كم ستؤثر على أسعار البضائع وحركة الإنتاج وحركة البورصة، ويبيعوننا كلاماً معسولاً، لم نعد نجد فيه إلاّ المرّ. أنا أقول: يجب أن يرتفع الصوت في لبنان لكي تكون هناك مناطق آمنة في سوريا، وهذا ممكن، إنّ المجتمع الدولي الذي يقصف “داعش” و”النصرة”، هل أخذ إذناً من مجلس الأمن، عندما قصف؟ هو يقصف بلا إذن، نحن نطلب منه أن يمنع القصف، وهذا سهل عليه. أنا لا أخشى من التوطين، كما ترتفع بعض الأصوات، التوطين حتى الأخوة الفلسطينيون لايرغبون بالتوطين، ولكنهم لا يستطيعون أن يعودوا إلى بلادهم. الأخوة السوريون بمجرد أن يكون هناك سلام، سيعودون إلى سوريا، وإن قسماً كبيراً من الشعب اللبناني سيلتحق بهم أيضاً، لأنه ستكون هناك ورشات للإعمار، إذن المسألة، مقاربتها يجب أن تسير بين حدين: أولاً: حذار من البحث النزق عن حلول نزقة، لا تفضي إلى أية نتيجة، ثانياً، الحدّ الثاني: حذار من التساهل والتجاهل، فهذه مسألة، لا تحتمل التساهل، ولا تحتمل التجاهل، فنحن بحاجة إلى خطة وطنية، تقرّها الحكومة، أو تقترحها هيئات المجتمع المدني، أو تشترك الحكومة وهيئات المجتمع المدني ببلورتها، وهذه الخطة يجب أن تكون موضع بحث عميق وجدّي ومسؤول مع الدول العربية المقتدرة، واستطراداً مع دول العالم. مرَّةً جاءني رئيس الصليب الأحمر الدولي، وقال لي: إنني ألمس نزوعاً لدى الأوروبيّين في تقديم مساعدات إلى لبنان مباشرة، سألته: فما السبب؟ قال: ربما هم يخشون أن يضعف لبنان فلا يستطيع أن يتحمّل هذا العبء، قلت له: أي أنهم يخشون من “تشرنوبل” ديموغرافي. عليهم أن يعوا – تماماً – أنهم إذا تركوا الأمور تسير بهذا الشكل من التفاقم والفوضى، ربما سيكون هذا خطراً عليهم جميعاً.

شؤون جنوبية

السابق
جديد ملف المحامي المعنِّف: رحلة عذاب الزوجة منذ عشر سنين
التالي
كذبة سارة إبراهيم.. بين الفيلم المكسيكي والتعاطف الساذج