«بيدر» العشائر «لا يطابق» حساب حقل.. ألغام «حزب الله»

اكتشف «حزب الله« مع الوقت ان تعاطيه مع عشائر بعلبك-الهرمل لم يكن مقبولا عند معظمها. فالحيثية التي كانت تتمتع بها أصبحت معرضة للضياع مع صعود نجم الحزب واعتماده في بنيانه على العائلات الصغيرة التي لا حول ولا قوة لها. انطلق هذا الموقف من نظرة الحزب الى العشائر والعائلات الكبيرة باعتبارها إقطاعية وغير قادرة على التماهي مع توجهاته لانها لا تقبل بالتخلي عن مكانتها وسلطتها لصالح احد. لم يستطع الحزب لفترة ليست قليلة من التغلغل داخلها او احداث اختراق نوعي في صفوفها. لذلك عمد الى تغيير استراتيجيته وتعاطيه. فاختار نواباً من عشائر كبيرة عددياً (الحاج حسن المقداد….)، ودعم اخرى وأوصلها الى سدة السلطة المحلية (البلديات). كما وسّع مروحة تقديماتة المالية الى عناصر نافذة في العائلات الكبيرة، وزاد من خدماته المتنوعة، وغض النظر عن تصرفات الخارجين عن القانون، وعيّن في صفوفه مسؤولين منهم، واستعمل اسم المقاومة وتحرير الارض وفلسطين وقتال اسرائيل لمدّ نفوذه والسيطرة على المنطقة.

 

صحيح ان «حزب الله« استطاع بفضل هذه العوامل، إختراق صفوف العشائر والعائلات الكبيرة، الا أنه لم ينجح في السيطرة على قرارها السياسي. وهذا ما اكدت عليه مصادر عليمة، اذ اعتبرت ان دعوة الامين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصرالله الى التعبئة في صفوف العشائر لم تنجح. وظهر ذلك بوضوح في الاجتماعات التي تلت كلمة السيّد الاخيرة. فالرموز التي ظهرت على الإعلام والمنابر تلبيةً لنداء السيّد، لا تمثّل حيثية ضخمة داخل العشائر وبين اصحاب القول والفعل. كما اتّسمت بعض الاجتماعات بالضعف من حيث التمثيل العشائري، وساهم في ذلك عدم مشاركة حركة «أمل« بأيٍ من هذه الاجتماعات لا من قريب ولا من بعيد. وللحركة حضور واسع داخل العشائر لما يمثّله رئيس مجلس النواب نبيه بري في السلطة.

 

 

هنا، يعود المصدر الى التحدث عن طبيعة العشائر وتاريخها. فهي عادة ما تميل مع السلطة القائمة، ولطالما كانت الدولة اللبنانية مرجعيتها، حفاظاً على مصالحها. لم يستطع اي حزب على امتداد التجربة اللبنانية السيطرة على اي عشيرة. يمكن ان يتواجد اعضاء للعشائر في اي حزب، وقد يصلون الى مواقع قيادية، لكن لطالما بحثت رموز العشائر وقياداتها واصحاب قرارها عن السلطة.

فمصالحها المتنوعة مرتبطة بالسلطات بصورة اساسية. فعشائر الهرمل على سبيل المثال، ارتبطت تاريخياً بالدولة اللبنانية وبالانظمة التي توالت على سوريا، ولم تعارض في تاريخها اي نظام حَكَمَ سوريا، لا نظام الاسد ولا من قبله. في الوحدة بين مصر وسوريا على سبيل المثال، كانت العشائر وعلى رأسها رئيس مجلس النواب آنذاك صبري حمادي، على علاقة بالنظام السوري الذي قام بعد الوحدة، واستمرت استراتيجيتها هذه مع تبدّل الانظمة حفاظاً على مصالحها الاقتصادية والصحية والتربوية وحتى السكنية، بحكم تواجد هذه العشائر في مناطق حمص وجوارها.

 

وبرأي المصادر، فإن «حزب الله« يسعى أولاً الى انتزاع موقف سياسي عشائري مؤيد لـ»معركة العرض والدين». وهو إن نجح في ذلك، فلن يتعدى الموضوع كونه «برستيج» وصورة وإعلام ومظهر، لكون الحزب يبحث عن غطاء مناطقي عشائري، يخوض تحت ستاره معركة جرود عرسال، ويُخرج نفسه من تهمة استدراج «الطائفة» الى معاركه، ويظهر بمظهر المشارك مع الاهالي بصنع قرار الحرب.

 

اما من الناحية العسكرية، فتعتقد المصادر ان «حزب الله« يواجه مشكلتين: الاولى، هي ان العشائر، بطبيعتها وتركيبتها، لا يمكن ان تنضوي داخل هيكلية الحزب العسكرية. والثانية، هي ان العشائر ليست مجموعات مدرّبة على القتال الطويل وعلى اقامة المعسكرات في الجرود. وبالتالي، فالحزب سيعتمد على قوّته الاساسية المدرّبة على القتال. وما يهم «حزب الله«، هو ان يحصل على «مشهدية» صعود العشائر الى الجرود. يكفي ان تخرج مجموعة من العشائر باتجاه الجرود، ترافقها كاميرات «المنار«، لانتاج شريط يُبثّ في مقدمة الاخبار مع المآثر الصوتية الحماسية، فينزل جمهور المقاومة للاحتفال في الشوارع، كما حدث منذ اسابيع قليلة عندما عرضت مشاهد لاقتحام تلة موسى.

واستبعدت المصادر ان يعمد الحزب الى «تفجير كامل» في عرسال، لأنه بذلك يكون قد اتخذ قراراً بتفجير الوضع على كامل الاراضي اللبنانية، مؤكدة ان الحديث عن «التعبئة» وعن «لواء القلعة»، قد يأتي في اطار الضغط الكبير على الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لتحقيق ما كان يسعى اليه «حزب الله« دائما، وهو إقحام الجيش في حرب القلمون والتنسيق بين الجيشين السوري واللبناني.

 

وفي هذا الاطار، اعربت مصادر امنية عن خشيتها من تعرض الجيش لتفجيرات داخل عرسال لزجّه في الحرب، قائلة:»في سماحة واحد بالحبس وفي 1000 برا الحبس«.

خصّ نصرالله العشائر في الكثير من خطاباته، لكَونها «المُكوّن» المختلف عنه في المنطقة. لا مشكلة لـ»حزب الله» باستجداء العشائر، إن كان ذلك يعيد التماسك في بنيته، بعد الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبّدها في القلمون وعموم سوريا. لكن حسابات حقل «حزب الله« قد لا تتطابق مع حسابات بيدر العشائر، تتشارك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في «الهواجس».

(المستقبل)

السابق
الطفيلي يدعو نصرالله وخامنئي للتنحي: لا يُحرّك حجر في لبنان الا بقرار ايراني
التالي
جنبلاط: البعض من الأقطاب السياسيين قرر الدخول في مرحلة الشلل الجزئي والنار تحيط بِنَا من كل حدب وصوب