بالاسماء : «ميليشيات» ايران في سوريا… المهمة والهدف

لم يكن اعلان المصدر الامني السوري لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” أمس وصول الآلاف من المقاتلين العراقيين والسوريين في الاونة الاخيرة الى سوريا، مفاجئاً. تصريحات المسؤولين الايرانيين، وفي مقدمهم الرئيس الايراني حسن روحاني ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني بأن ايران مستعدة للدفاع عن سوريا “حكومة وشعبا” حتى النهاية، تؤكد أن طهران لن تتخلى بسهولة عن الرئيس السوري بشار الاسد الذي يواجه أزمة.زيارات المسؤولين الايرانيين لدمشق مروراً ببيروت أو انتهاء بها، ليست بعيدة من هذه الغاية.أما “المفاجأة” التي وعد بها قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني العائد الى الواجهة بعد غياب، فتبقى رهناً بالحشود والحشود المضادة على أرض سوريا الملتهبة.

 

من الواضح أن الكل يحشد في سوريا. فبعد التقارير عن عشرات الالاف من مقاتلي المعارضة من انتماءات مختلفة رصوا صفوفهم أخيرا، بعد توافق السعودية وقطر وتركيا ويشنون سويا هجمات كثيفة ضد مواقع الجيش، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الايام الاخيرة بمعلومات عن استعدادات ايرانية لارسال 50 الف جندي الى سوريا لدعم قوات النظام التي تواجه أزمة. هذه الازمة التي انعكست انهيارا سريعاً لقوات النظام على جبهات عدة، يردها مدير “المرصد السوري لحقوق الانسان” رامي عبدالرحمن الى عدم قدرة قوات النظام على تعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي يتكبدها” ، والى “تخلف كبير عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، اضافة الى شعور متنام في اوساط القوات المسلحة وقوات الدفاع الوطني الموالية لها برفض الدفاع عن مناطق لا يشارك أهلها في القتال”، في اشارة الى المناطق ذات الغالبية السنية اجمالاً حيث “لا حاضنة شعبية” للنظام العلوي.

 

الميليشيات الشيعية
هذه الاستعدادات الايرانية فصلها فيليب سميث الباحث في جامعة ميريلاند والمتخصص في شؤون الميليشيات الشيعية في بحث مطول مدى الأشهر القليلة الماضية أبرز فيه الدور المتجدد والموسع للمقاتلين الشيعة العراقيين في الدفاع عن نظام الاسد.
فمع أن هؤلاء المقاتلين شكلوا منذ أواخر 2012، بعض الوحدات الأجنبية الأكثر ديناميكية في هذه الحرب، سحب العديد منهم في ربيع 14 20 من الجبهة السورية للتعامل مع الضغوط المتزايدة التي مثلها تنظيم “الدولة الإسلامية” . ومع ذلك يقول سميث لـ”النهار”: “ثمة عودة منذ أشهر لبعض المقاتلين العراقيين المتمرسين، اضافة الى بعض المقاتلين الذين تمت تعبئتهم حديثاً”، وذلك على رغم استمرار القتال في المناطق الساخنة في العراق على غرار تكريت والرمادي.

وفي ما يعتبره تحولاً في طريقة التعبئة، يقول إن بعض الجماعات الحديثة القريبة من ايران والتي تتخذ من العراق مقراً لها وسعت عمليات التجنيد التي تقوم بها من أجل إرسال المقاتلين إلى سوريا، إذ تُسلّم مسؤولية تجنيد ونشر المقاتلين الشيعة العراقيين إلى طلائع عراقية أنشئت أخيراً ضمن الشبكة المتوسعة لمنظمات “المقاومة الإسلامية” التي تسيطر عليها إيران.

 

ميليشيات ومهمات

بالاسماء، يفند الباحث الميليشيات العراقية التي تدربها ايران ومواقع انتشارها ومهماتها.
ففي الفترة بين شباط وأوائل آذار 2015، نشر “لواء ذو الفقار”، إحدى أكثر ميليشيات شبكة “لواء أبو الفضل العباس” نشاطاً، في منطقة اللاذقية في شمال سوريا، في تحول لمهماتها شمالا، في ما يدل على حاجة النظام الى نشر مقاتلين من ذوي الخبرة لصد الهجمات المتجددة الثوار والجهاديين السنة.

 

وفي منتصف نيسان، نقل بعض قوات اللواء نفسه جنوباً إلى منطقة جبلية قرب الحدود اللبنانية السورية، على رغم أن “حزب الله” كان قد انتشر بكثافة في تلك المنطقة. ومن خلال تنفيذ عمليات في قرية يابوس وبعد ذلك في الزبداني، ادّعى اللواء نفسه أنه قتل المئات من قوات الثوار.

 

برأي سميث أن “حزب الله” واجه صعوبات عدة عام 2014 عندما سحبت بعض القوات العراقية المتمرسة التي كانت تدعمه .ففي حينه، اضطر “حزب الله” مع ميليشيات شيعية أخرى تدربها طهران، الى سد الفراغات، الامر الذي دفعه الى زيادة التعبئة وخفض سن المجندين منتصف عام 2014. ومع ذوبان الثلج، زادت تحركات “جبهة النصرة” والفصائل المقاتلة الاخرى في القلمون، المنطقة الاستراتيجية بالنسبة الى مصالح الحزب.وحتى الان، يرى أن الحزب كان قادرا على الصمود وتعزيز تقدمه في القمون، الا أنه قد يكون مقبلا على معارك صعبة.

 

خلال المعركة على مستشفى جسر الشغور، ـ ظهر زعيم “لواء ذو الفقار” أبو شهد الجبوري، وهو يأمر بشن هجمات صاروخية وإطلاق عمليات المشاة في تلك المنطقة، الامر الذي يدل على أن الميليشيا كانت متورطة في معركة ادلب التي انتهت بهزيمة النظام.
إلى ذلك، كان “لواء أسد الله الغالب”، المنظمة الشقيقة لـ “لواء ذو الفقار” ناشطا أيضاً في معقل العلويين. ففي كانون الثاني، نُشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي تم الإدعاء من خلالها أن أقسام من الجماعة وقائدها، أبو فاطمة الموسوي، متواجدون في منطقة بانياس. ومع انتهاء ذلك الهجوم شمالاً، أفادت التقارير أن “لواء أسد الله الغالب” عاد إلى مناطق أكثر ريفية في ريف دمشق.

 

وفي الفترة نفسها تقريباً، زعم “لواء الإمام الحسين” التابع ايضاً ل”لواء أبو الفضل العباس” أنه أرسل خمسين مقاتلاً لدعم العمليات في ريف اللاذقية. وتزامن ذلك مع زيارة قام بها زعيم الميليشيا الشيخ أبو كرار أمجد البهادلي، إلى (مدينة) القرداحة مسقط عائلة الأسد.
ويشير سميث الى تطور آخر داخل شبكة “لواء أبو الفضل العباس”، تمثل بحركة تنقل متزايدة داخل سوريا للمقاتلين والقادة الذين ينتمون إلى “قاعدة قوة أبو فضل العباس” التي تتخذ من العراق مقراً لها والتي تتمتع بصلات عميقة مع “كتائب الإمام علي”، وهي ميليشيا أخرى جديدة ومتنامية القوة انشقت عن الكتلة الصدرية التي تسيطر عليها إيران.

 

وبينما ادّعت جماعات “عصائب أهل الحق”، و”منظمة بدر”، و “كتائب حزب الله” أنها أعادت مقاتليها إلى العراق وأنهت العديد من برامج التجنيد التي تركز على سوريا في أيار 2014 ، يتحدث سميث عن جماعتين أخريين من الشيعة العراقيين، هما «كتائب سيد الشهداء» و “حركة حزب الله النجباء”، تتوليان مهمات قيادية في سوريا وتواصلان إرسال المقاتلين إليها.

 

مناطق الانتشار الواسعة لشبكة “أبو فضل العباس”، لا سيما في معقل الأسد الجغرافي، توضح برأي سميث المشاكل التي تواجه قوات النظام مع المقاتلين ومع توقعات حجم القوة على أرض المعركة . وبالمثل، أبرز انتشار الميليشيات العراقية الشيعية في القلمون الصعوبات التي يواجهها “حزب الله”، كما أظهر الكيفية التي تعمل بموجبها الميليشيات الشيعية في تناسق في كثير من الأحيان.

 

ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، يشير هذا الانتشار إلى حصول تحول هام في النهج الإيراني في تعزيز قوة الأسد، وخصوصاً تفويض مهمات محددة لبعض المنظمات الشيعية العراقية في العثور على مجندين لسوريا، وهو ما يمثل استمرار الالتزام لدعم نظام الأسد (ولو بتغيير طفيف).الى ذلك، يقول إن الادخال الواسع النطاق لمقاتلين شيعة باكستانيين وأفغان يمثل تحولا آخر في القوات التي تستخدمها ايران لدعم الاسد. في الاجمال، يدل تعزيز هذه الانماط من الانتشار على أن طهران تريد أن تظهر أنها على رغم انخراطها الكامل في العراق وعزمها على دعمها حلفائها الحوثيين في اليمن، لا تزال قادرة على التخطيط في سوريا، على رغم الانتكاسات في ادلب وجنوب سوريا ومناطق أخرى. فهل نجحت طهران في اقناع الاسد باستراتيجيتها القائمة على أفضلية السيطرة على مساحة اقل من الاراضي شرط السيطرة عليها جيدا؟.

(النهار)

السابق
آلاف المقاتلين الإيرانيين والعراقيين الى سوريا.. وسليماني: سنفاجئ العالم
التالي
باسيل على دراجة الحريري البرتقالية