السلفية الشيعية الجهاديّة تظهر من جديد‎

حزب الله في عرسال
الشيعة أقلية في عالم سنيّ كبير، والجهاد الشيعي برز في ثمانينات القرن الماضي مع أصولية الامام الخميني. اليوم تبرز السلفيّة الى جانب الأصولية كمخزون ثقافي ردا على السلفية الجهادية السنيّة، وبعد نجاح القاعدة وداعش في فرض نفسيهما كقوتين غاشمتين عماد عقيدتهما التضحية بالنفس في سبيل سيادة الاسلام. فما هو مصير الشيعة جرّاء هذه السلفية؟

مشاعر مختلطة تسيطر على قاطنيّ الضاحية الجنوبية، مشاعر شبيهة الى حد ما بأجواء عدوان تموز 2006 حيث يعيش الناس تحمل مشاعر القلق والخوف على المصير، مقابل اعتزازهم بالقوة التي يؤمنها حزب الله كتنظيم مسلّح متفوّق على منافسيه على الساحة السياسية اللبنانية.

واليوم تستقبل العوائل الشيعية الجنوبية والبقاعية -اضافة الى اهل الضاحية الاصليين- جثامين شباب لا زالوا كالورود في مقتبل العمر وغالبيتهم من الجامعيين المميزين في دراستهم وحياتهم وأخلاقيتهم بين زملائهم وأهلهم. وتفاجأ ان الشهيد ابن الـ21 عاما الذي ما زال بنظر محيطه برعما يتفتح على الحياة كان مقاتلا في “القوات الخاصة”.

الصورة الشيعية ذات مخاطر بعيدة المدى ليس لسبب سياسي، كما يعتقد البعض، بل لسبب اجتماعي بنيويّ

وهذا ان دلّ على شيء فهو يدلّ على ان الشيعة، في هذه المرحلة، في لبنان يرسلون أبناءهم منذ ما قبل مرحلة البلوغ الى التدرب والعيش في أجواء المجتمع العسكري في محاكاة شبيهة بالمجتمع الاسرائيلي الذي يدرّب البنات والصغار قبل الكبار، وليس فقط الذكور.

ففي معسكرات ليس فيها سلاح يمضي بعض من نسميّهم (أطفال) من ذوي الاعمار التي تتراوح بين 11 و15 دورة كشفية ابتدائية فيها محاكاة للمخيمات العسكرية الخاصة بالكبار. فهناك كل من تعدّى الـ13 عاما صار رجلا، اذ لا وجود لفلسفة “المراهقة” اصلا، فهي تصبح بنظر هؤلاء الذين يتلقون الثقافة السلفية الشيعية كتعبئة جهادية، نظرية غربية لإفساد الشباب وتضييعهم.

والغريب ان الامهات تساند ابناءها في هذا الخيار.. فهل الخطر داهم الى هذه الدرجة؟ وهل الشيعة يحاولون اطلاق آخر خرطوشة لديهم من خلال الإتكال على العنصر البشري، استعدادا لمعارك مفاجئة، او حملات مضادة شبيهة بالتي حصلت مع الايزيديين والاشوريين في العراق؟

عرسال حزب الله

وفي محاولة بحث استقصائية حول حقيقة ما يردده أهالي الشهداء من عبارات موحدة: “رفعوا راسنا.. مبارك عليهم شهادتهم..”- لدرجة ان السامع يخال نفسه في عرس وليس محضر موت ورحيل- يسأل المرء هل هذه المشاعر حقيقية؟ ام لان سلاح التكفير موّجه ضدهم؟ وهل الشيعة يعتبرون ان ما يحصل هو ضريبة يدفعونها كأقليّة؟ والجهاد واجب عليهم كونه تراث أهل البيت؟. وهل هم الوحيدون من لبنان من يواجه التكفيريين على الحدود اللبنانية – السورية؟ هذه المحاولة الاستقصائية خرجت بنتيجة ان اللسان يتحدث لغة واحدة هو “اننا نواجههم هناك قبل ان يصلوا الى بيوتنا ومناطقنا”.

ففي احصاء بسيط لعدد الشباب الذين قُتلوا منذ اندلاع الاحداث في سوريا، نجد ان الارقام الى ارتفاع متزايد في ظل قبول أهلي عام، اذا ما استثنينا بعض الاعتراضات الفردية هنا وهناك والتي لم تظهر الى العلن مُطلقا.

وهذا على العكس مما كانت عليه منذ خمس سنوات تقريبا، حيث كنا نرى خبر النعي اعلانا هادئا بعيدا عن الاحتفالية، وبشبه صمت، مع عدم الافصاح عن سبب الاستشهاد من قبل حزب الله على الاقل. بل كان تعبير “الجهاد المقدس” هو المعتمد.

ولكن اليوم أصبح تشييع أي شاب من المقاتلين نوعا من عرس، وتوزيع الحلوى، ونثر الورود، وغياب البكاء والنحيب، واظهار الفرح، بل وصل الامر الى رفض الاهل لواجب التعزية، واعتبار شهادة ابنائهم فخرا لهم. فاحدى الأمهات التي أُصيب ابنها في قدمه خلال احدى المعارك قالت: “الله ما كتبلنا شرف ان نكون من أهالي الشهداء”.

هذه الصورة الصادمة، لمن لا تواصل مباشر له مع هذه الاجواء، تجعل المرء يعتقد انه داخل في عالم جديد. فالحزن هنا غير موجود الا عند الاستماع لمجالس العزاء، وسيرة أهل البيت، وما جرى معهم في كربلاء.

حزب الله

هذه الصورة الشيعية ذات مخاطر بعيدة المدى ليس لسبب سياسي، كما يعتقد البعض، بل لسبب اجتماعي بنيويّ يؤسس لعقيدة التضحية حتى الموت الى أبعد مدى، مع ارتفاع نسبة المخاطر على الطائفة ككل لجهة العدد. وقد لفت إليها السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير حين تناول مسألة دعوته الى “التعبئة العامة”.

فالخطر الذي يتهدد الشيعة ليس فقط من ناحية التكفيريين، بل متنوع وضخم، أوله: ان خيرة الشباب والطاقات تُهدر في معارك لا جدوى منها، فالمعركة فيها كرّ وفرّ، والعدو مختبئ تحت مسميّات (داعش) و(النصرة)، والطائفة الصغيرة هذه تحارب دولا كبيرة ذات امكانيات ضخمة.

أصبح تشييع أي شاب من المقاتلين نوعا من عرس وتوزيع الحلوى ونثر الورود وغياب البكاء والنحيب واظهار الفرح

ثانيا: الخطر الكبير الذي يتهدد الشيعة في لبنان هو ان “فلسفة القتال حتى الشهادة” تعني فيما تعنيه “الإنتحار” بالمعنى السلبيّ اي القتال ولو لم يبق من يُخبر، وذلك بنظرهم، اعادة احياء لموقف الحسين عليه السلام في كربلاء.

وبالعودة الى الاجواء العائلية والاجتماعية والأسرّية نجد العوائل غارقة في التعازي والأحزان المخبئة في عيون الثكالى اللواتي سيكون عددهن مرتفع ايضا.

ختاما: فرحة انتصار تموز 2006 خبّأت أحزان الـ33 يوم، وكانت نشوة الانتصار قد صاغت مشاعر القوة لدى الشيعة في لبنان. فهل يتطلعون الان لهزيمة “داعش” و”النصرة” التي هي حاجة أيضا بعد عشر سنوات لتجديد هذه النشوة؟وهل الدين باتساع مقاصده الشمولية، سوف يضرب العقيدة الوطنية اللبنانية ويلغيها تحت وطأة الفكر الشيعي السلفيّ المستجد، الذي بدأ يزدهر منذ اعلان حزب الله عن تدخله في سوريا قبل عامين؟

 

السابق
الطيران الحربي المعادي خرق اجواء شبعا وحاصبيا
التالي
شهيب من السراي: لا جواب على طلبي بتخصيص الاموال لتصدير الانتاج الزراعي