هل سيشكل «الحشد الشعبي» نواة «الحرس الوطني»؟

أظهرت سياسة التغييرات في الهيكلية الادارية للدولة العراقية التي انتهجها الاحتلال الأميركي بعد اجتياحه للبلاد في العام 2003، رغبة أميركية واضحة في تعزيز اللامركزية الإدارية على جميع المستويات في مؤسسات الدولة، وخصوصاً على مستوى الأجهزة الأمنية العراقية، التي تعددت وتوسعت وتفاوتت صلاحياتها.
وعند هذا المستوى تحديداً ظهرت التأثيرات السياسية على مختلف فروع الأجهزة الأمنية المستحدثة، وانعكست في ظل الانقسام السياسي الحادّ الذي عمّ البلاد نهجاً من عدم الثقة بين مختلف هذه الأجهزة بغياب الإدارة الأمنية المركزية، ما أثّر بشكل واضح على عملها في المدن والمناطق العراقية فيما بعد، بالإضافة إلى مساهمة هذا الانقسام في خلق ثغرات أمنية ساهمت في إضعاف سطوة وقدرة الدولة على التحكم في عملها وبالتالي ضبطها، ما ساهم في تعزيز طرح «ضرورة التوصل إلى صيغة الأمن الذاتي»، وهي اليوم النقطة الأساسية العالقة في النقاش حول هيكلية «الحرس الوطني».

 

وبقي البند المتعلق بـ «المرجعية الادارية» لـ «الحرس الوطني» مثار جدل داخل مجلس النواب، الأسبوع الماضي، الأمر الذي دفع هيئة الرئاسة الى تأجيل إقرار القانون إلى الفصل التشريعي المقبل، حيث لم تتمكن الكتل البرلمانية، طوال الفترة الماضية من حسم خلافاتها حول القانون الذي كان جزءا من الاتفاق السياسي الذي انتج الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي، الذي قال، في مقابلة تلفزيونية أمس الأول، إنه «متحمس لإقرار الحرس الوطني» كمساهمة أساسية في ما أسماه «ضبط الحشد الشعبي».
وتتركز ملاحظات الكتل على قيادة «الحرس الوطني» وتسليحه وتحريك قطعاته داخل المحافظة الواحدة.
وتسمح مسودة «الحرس الوطني» المقدمة إلى مجلس النواب بانشاء قوة مكونة من 70 ألف عنصر لـ «المحافظات الشيعية»، في مقابل 50 ألف مقاتل من حصة «المحافظات السنية».
وتطالب كتل سياسية تعتبر نفسها معنية بالأخيرة، بأن تكون قيادة قطعات «الحرس» لكل في محافظته بينما تتحفظ كتل أخرى على هذا الأمر وتطالب بقيادة مركزية لـ «الحرس».

 

وفي هذا السياق أكد النائب عن «دولة القانون» منصور البعيجي لـ«السفير» أن «التحالف الوطني» يرى ضرورة أن يكون ارتباط «الحرس الوطني» المباشر بالقائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الحكومة، معتبراً أن «بارتباطه بالمحافظة ستكون هذه التجربة مشابهة لتجربة البشمركة في إقليم كردستان، بحيث لن تكون هناك صلاحية للقائد العام للقوات المسلحة عليها، وهو اليوم لا يستطيع أن يحرك البشمركة إلا بأمر من رئيس الاقليم».
وذكّر البعيجي بأن «الدستور العراقي نص على أن يكون الحرس الوطني لكل العراقيين وليس لخدمة محافظة واحدة»، مشيراً إلى أن «من واجب الشرطة المحلية الدفاع عن أمن المحافظة، أما الجيش والشرطة الاتحادية والحرس الوطني، فهم بخدمة جميع العراقيين ويمكن تحريكهم من محافظة إلى أخرى في حالة حدوث أي طارئ»، لافتاً إلى أن «خلق جيش لكل محافظة هو نوع من عسكرة المحافظات والمدن، وخلق للمشاكل بينها وجعلها تتناحر بين بعضها البعض».

 

ويشرح البعيجي أن «الحرس الوطني فيه نوعان من الخدمة، خدمة احتياط وخدمة مستمرة، والخدمة المستمرة تشمل من هم بين عمر 18 إلى 35 سنة، أما الاحتياط فمن 35 إلى 45، ولهم هوية موحدة، وزي موحد، وتسليحه هو دون الجيش وأعلى من الشرطة، ويشمل الاسلحة المتوسطة، ومن حق القائد العام أن يستدعي الاحتياط والخدمة المستمرة».
وكشف البعيجي عن وجود اتفاق يقضي بأن يكون «الحشد الشعبي» نواة «الحرس الوطني»، بحيث يتم تقسيم قوات «الحشد» وفق «الكثافة السكانية الخاصة بالمحافظات»، واشار إلى أن «نسب الحرس الوطني التي حددت في الموازنة لمحافظات الجنوب والوسط بحدود 80 ألفا، في حين تم إعطاء النسب للمحافظات الأخرى بحدود 40 ألفا، ولكن لم يتطوع إلا عدد قليل منهم».

 
واعتبر النائب عن «دولة القانون» أن «الحرس الوطني» هو بمثابة «حماية وغطاء للحشد الشعبي، كون الحشد ليس لديه غطاء قانوني يحمي هؤلاء الابطال المقاتلين الذين لبوا نداء المرجعية».
وينظر «تحالف القوى الوطنية» إلى إنشاء «الحرس الوطني» بشكل مختلف، ونفى القيادي في التحالف، وعضو لجنة الامن والدفاع النيابية حامد المطلك، لـ «السفير» وجود اعتراض على قانون «الحرس الوطني» خصوصا وأن «المحافظات السنية تعتبر من المحافظات المنكوبة التي تعاني من وضع أمني مرتبك، وإقصاء في كثير من مؤسسات الدولة كالشرطة والجيش»، بحسب قوله.

 
وبيّن المطلك أن المطلب الرئيسي للكتلة هو أن يقوم «الحرس الوطني» بواجبه «لهذه المحافظات، ويرتبط بالمحافظ ومجلس المحافظة من ناحية القيادة والسيطرة والتوجيه، ويرتبط بالجهات العليا كالدفاع من ناحية الادارة والتجهيز وغير ذلك»، لافتاً إلى أن هذه «نقطة خلافية فالبعض يرى أن يكون الحرس الوطني لكل العراقيين، بينما نريده نحن على أساس المحافظة كون المحافظة هي جزء من العراق وهو بكل تأكيد سيكون لكل العراقيين».

 

واعتبر المطلك أنه «لا بد من أن يمثل الحرس الوطني أبناء المحافظة فقط وبنسبها السكانية التي تحسب لها، وأن يقوم بواجباته وأولها بسط الأمن والاستقرار في المحافظة، أما فيما يخص التسليح فهو من واجبات الجهة العليا وهي الدولة».
واستشهد المطلك بالقوات البريطانية كنموذج، وقال «إن لدى بريطانيا نفس تجربة الحرس الوطني، وهو يقوم بنفس الواجبات التي يقوم بها، وهو يشمل الدائمين والاحتياط، أما في الازمات والظروف غير الطبيعية، يمكن تحويله من محافظة إلى أخرى، بموافقة الجهة الأمنية المسؤولة في المحافظة».

 

وحول إمكانية اعتراض «تحالف القوى» على ضم «الحشد الشعبي» إلى «الحرس الوطني» قال المطلك «إن مسمى الحشد الشعبي أمر غير مألوف وغير طبيعي، في وقت أن الحرس الوطني جهة رسمية ترتبط بإدارة مؤسسات، سواء كانت في المحافظة أو الجهات العليا كوزارة الدفاع، والتي ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، لذلك لا نريد أن يسيس هذا الحرس الوطني لأن الحشد الشعبي فيه جهات ترتبط بأحزاب، وفي هذه الحالة يتناقض مع روح قانون الحرس الوطني».

 
وأردف المطلك قائلا إن «الحل لا يكمن في حل الحشد الشعبي، وإنما من يرتبط بالحرس الوطني يجب أن يتبع هذه السياسة بالكامل، وكذلك التقيد بنسب المحافظات، خصوصا وأن هناك قناعة أن النسب سوف تكون مقبولة لدى الجميع وستنطبق على الجميع.
وتبقى مسألة إقرار «حرس وطني» عراقي، محل جدل في ظل مخاوف من كونها مدخلا لتكريس التقسيم والأقاليم الطائفية والعرقية في البلاد، بدل العودة إلى تعزيز بناء جيش وطني عراقي، ولكن الخطوات المتلاحقة في هذا المجال وخصوصاً تحويل «الحشد الشعبي» إلى «هيئة رسمية» من قبل العبادي، وإنشاء «حشد وطني» لمحافظة الموصل من قبل نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، باتت تطرح المزيد من التساؤلات حول مستقبل المؤسسة الأمنية العراقية، في ظل التحديات القائمة، خصوصاً ما يحاك في واشنطن من مشاريع ليس أولها «مشروع جو بايدن» لتقسيم العراق.

(السفير)

السابق
ماذا لو انتصرت «داعش»؟
التالي
الشيعة والحزب والسفارة