طائفة كانت تشبه موسى الصدر وصارت تشبه نوح زعيتر !

نوح زعيتر واحد من أبرز المطلوبين في قضايا تجارة المخدرات والاعتداء على القوى الأمنية في البقاع. مطارد وصادرة بحقّه مذكرات توقيف كثيرة. قبل يومين أعلن أنّه ورجاله الخارجين على القانون، لبّوا نداء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأصبحوا جاهزين لمقاتلة التكفيريين.

في ستينيّات القرن الماضي، بدأ رجل دين شيعي اسمه موسى الصدر حركة سياسية لافتة. كان شابا في عامه الـ32 حين قرّر الإقامة في مدينة صور جنوب لبنان، قدم من النجف، حيث درس الشريعة الإسلامية والعلوم السياسية في طهران، ثم أكمل دراسته في عاصمة الشيعة، النجف.

رجل دين رأى أن شيعة لبنان في أسفل الهرم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. رغم أنّ الشيعة كانوا “وجهاء” في الأحزاب الوطنية، من “البعث” إلى “المرابطون” و”الشيوعي” و”السوري القومي” وغيرها من أحزاب ناصرية واشتراكية.

من دون تقييم تجربته – وإذا كان قد “سحب” الشيعة من الحيّز الوطني ليكتشفوا مذهبيتهم، أو أنّه دلّهم إلى أقصر الطرق لتحصيل مكاسب سياسية واقتصادية – فإنّه كان يفعل ما يراه صواباً.

كان شابا، وكان يشبه زمانه. تكتّل حوله مزارعو التبغ والزيتون، والموظفون وبعض المثقفين والمدرّسين، والفقراء ونخب شيعة الجنوب والبقاع اللبناني. فأسّس “حركة المحرومين” التي ساهمت لاحقا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ودحره عن بعض الجنوب بعد بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وهو كان ضدّ تلك الحرب التي اندلعت بين اللبنانيين وكان أبرز من نشطوا، وإن رمزياً، مطالبا بوقف تعاظمها.

منذ اختفائه خلال زيارته المشهودة الى ليبيا في العام 1978 ،مرّت الطائفة الشيعية بأحداث كثيرة ومؤلمة. فشاركت في الحروب الأهلية، وعاشت حرباً أهلية داخل المذهب منتصف الثمانينيّات بين حركة “أمل” و”حزب الله”، وحاربت الفلسطينيين، وحاربت المسيحيين، وصولا إلى اتفاق الطائف الذي جعلها الطائفة الأكثر قوّة في النظام السياسي اللبناني.

و”بلا طول سيرة”، فقد كان على رأس الطائفة زعيمان منذ العام 1992 وإلى اليوم، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ورئيس حركة “أمل” نبيه بري. كانت الطائفة الشيعية تشبه الرئيس بري طوال التسعينيات. طائفة متغوّلة على وظائف الدولة وعلى حصص تعتبر أنّها مغبون حقّها فيها، من “الترويكا” الرئاسية وحتّى اليوم.

في العام 2000 باتت الطائفة تشبه السيّد حسن نصر الله. كان يعبّر عنها وتعبّر عنه. طائفة هزمت إسرائيل وتبحث عن دور أكبر بعدما قدّمت مساهمتها في تأسيس لبنان. فقد طردت إسرائيل وقرّرت الاحتفاظ بسلاحها.

وإذا كان لكلّ زمان دولة ورجال، فإنّ بروز نوح زعيتر خلال الأسبوع الفائت، يستحقّ التوقف عنده. إذ أنّه بدا معبّرا عن اللحظة التي تعيشها الطائفة.

نوح زعيتر شاب يشبه زمانه أيضا. هو في الثلاثينات من عمره. تماماً في العمر الذي كانه الإمام موسى الصدر حين تصدّى للعمل السياسي والديني وقرّر أن يبدأ حركته الشعبية في أوساط الناس.

ولمّا كان الصدر آتيا من الحوزات الدينيّة وتنقّل بين قم الإيرانية والنجف العراقية، مثل، وعلى خطى، سلالات طويلة من العائلات الشيعية، فإن نوح يأتي اليوم من العصابات المسلّحة الخارجة على الدولة والمجتمع. وفي حين كان الصدر يجمع من حوله نخب الشيعة في تلك الفترة وفقراء الطائفة، فإنّ نوح يجمع مجرمي العشائر والمطلوبين للعدالة، ممن آذوا الناس ولفظتهم مجتمعاتهم إلى الجرود حيث يتحصّنون. وإذا كان إمام المحرومين قد وضع برنامج عمل وطني، فإنّ نوح يريد الحصول على رضى السيّد نصر الله ويريد الفوز بقلوب أهل البقاع.

نوح يشترك مع الإمام موسى الصدر فقط في أنّه يشبه زمانه. فالطائفة الشيعيّة اليوم ما عادت محرومة بل باتت معتدية على غيرها من طوائف لبنان كما في 7 أياّر 2008، وعلى شعوب أخرى، كما في سورية والعراق وربما في اليمن والبحرين.

الطائفة اليوم، وحزبها الأكبر، يعجّان بعملاء إسرائيل وأميركا، وبتجّار الكبتاغون، وبالمختلسين والسارقين، رغم أنّها لا تزال من أكثر الطوائف غنىً بالمثقفين والكتّاب والصحافيين ورجال الدين النظيفين والوجهاء العفيفي النفس والكفّ.

نوح زعيتر يشبه زمانه ويشبه ما وصلت إليه الطائفة التي ينطق لها وبها وعنها. بخروجه على القوانين وإدراكه أنّه مجرم، وبادّعائه تمثيل الحقّ في وجه الباطل وبتوهّمه لعب دور بطولة متخيّلة.

واستطراداً: هذا هو لبنان الذي يعدنا به من يغتالون الدولة يوميا ومن يحمون نوح زعيتر وأمثاله. لبنان الذي يحكمه “الشعب”، لكن ليس الشعب الذي نعرفه، أي الذي ينتخب وله ممثلون في مؤسسات الدولة، السياسية والعسكرية والأمنية، بل لبنان الشعب على طريقة الخارجين على القانون من أطراف “العشائر”، بما هم عليه، شبان يشكلون ميليشيات شعبية، تشبه ميليشيات نوح زعيتر لا تعترف بالدولة. منها ما يمتهن تجّار الممنوعات، ومنها حملة السلاح، والمطلوبين للقضاء والقوى الأمنية، ومنها من يتجرّأ على الدولة ويحاربها.

فنوح زعتير مطلوب للقضاء، وصادرة بحقّه مذكرات توقيف كثيرة، لكنّه اليوم يريد حماية لبنان من التكفيريين. وهل هناك أدلّ على المهزلة التي نعيشها من هذا المشهد. أن يحمينا مجرم ممن يعتبرهم أكثر إجراماً منه. هذا الذي يسمّم شباننا وفتياتنا بالحشيشة والكوكايين، والذي يقتل ويسرق، يريد أن يحمينا من معارضين سوريين اعتدى لبنانيون من ملّته عليهم في بلادهم ويريدون منعهم من إسقاط نظام طاغية يحكمهم. ونوح هذا يريد أن يشارك في المعركة التي لا يرى أنّ من يتصدّون لها مختلفون عنه.

قيادة الطائفة الشيعيّة اليوم،التي تنبذ نخبها السياسية والدينية المثقّفة والمعتدلة لأنّهم لا يركعون للمرشد في ايران ووكيله في لبنان، وتنعت هؤلاء المثقفين والصحافيين والناشطين المعترضين بأنّهم “شيعة السفارة” أو “مثليي عوكر”، قيادة مثل هذه كان الشيعة ينتظرون منها “سفينة نوح” لتخرجهم من المذبحة التي باتوا في عين عاصفتها، فإذا بها تقدّم إليهم: نوح زعيتر.

السابق
ريفي: عرسال جزء من الوطن وليست جزيرة معزولة
التالي
درباس: مكوثي في الحكومة طال بغير مبرر