داعش تفتت سوريا والعراق لصالح إيران وتركيا

المشهد أصبح واضحاً والمشروع الايراني التركي بات مكشوفا، وهو في تفتيت البلدين العربيين الكبيرين سوريا والعراق وتقاسم النفوذ فيهما بين طهران وانقرة، وفرضه كأمر واقع على أميركا التي انسحبت عسكريا من المنطقة ولن تمانع طالما أن مصالحها الاستراتيجية مؤمنة ومنابع النفط في الخليج لن تكون مهدّدة .

لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية تستفيد بشكل كبير من واقع التناقضات الإثنية والعقائدية والدينية الموجودة في بلادنا العربية من أجل تثبيت سياستها وارساء مصالحها، وأهم تلك المصالح هي في عدم وجود قوى معادية لها عقائديا وسياسيا في الدول التي تحوي المخزون الاستراتيجي للطاقة في بلدان الشرق الأوسط والخليج الفارسي والمقدّر انها تضم أكثر من نصف احتياط النفط في العالم.

في المرحلة السابقة من ثمانينات القرن الماضي وبعد نجاح ثورة الامام الخميني في ايران، كانت الجمهورية الاسلامية والتنظيمات الشيعية الملحقة بها هي من ناصب العداء العقائدي للولايات المتحدة ، وترجم ذلك بعمليات أمنية مسلحة استهدفت خطف مواطنين وعسكريين أميركيين وقتل عدد منهم في لبنان خاصة ، وردت أميركا بعمليات أمنية مماثلة وغارات طيران استهدفت بعض المواقع في البقاع اللبناني، وكذلك بتحالف أمني مع الدول العريية الخليجية خاصة، من أجل محاصرة إيران وحلفائها والخلايا السرية التي تأتمر بأمرها.

اليوم،وبعد 11 أيلول 2001، تاريخ ضرب برجي نيويورك من قبل ارهابيي بن لادن المتطرفين الاسلاميين، ازدهر العداء العقائدي السني تجاه أميركا ، و بعد أن ردّت الأـخيرة باحتلال أفغانستان والعراق، عقدت سلسلة من تحالفات لتطويق تلك التنظيمات السنية الارهابية وإضعافها ، وذلك بالتزامن مع سيادة البرغماتية السياسية في ايران بعد وفاة الخميني، وتحوّل هدف طهران الاستراتيجي من العداء لأميركا الى السيطرة على الدول العربية واضعافها ،طامحة ان تلعب دورا اقليميا محوريا يحمي نظامها الديني ويقوّيه، ومستفيدة من حال التشرذم العربي وغياب مشروع سياسي واقعي موحّد.

ان واقع حال السياسة الاميركية الحالية وتوافقها مع سياسة ايران ،جعل كثير من المراقبين يصفون العلاقة بين الدولتين انهما دخلا منذ مدة في “حلف موضوعي” متين ارساه الاتفاق النووي الذي وقع بين ايران والدول الكبرى في لوزان قبل حوالي ثلاثة شهور، وتقول الكاتبة الصحافية بجريدة الحياة راغدة درغام انه: “عندما زار الخليجيون واشنطن واجتمعوا في «كامب ديفيد» قبل اسبوعين مع الرئيس الأميركي وجدوه منصبا كامل الانصباب على الأولوية الإيرانية وأن رسالته الأساسية كانت أنه لن يُسمَح لأي كان بتخريب الاستراتيجية الأساسية وهي: إيران إيران إيران”.

وتتابع درغام “بحسب المصادر، لم يسمع أوباما لغة الحسم التي توعّد بها الخليجيون. فهم لم يطالبوا، مثلاً، بإنشاء مناطق منع حظر الطيران في سورية من أجل نقلة نوعية في دعم المعارضة السورية المسلحة المعتدلة. اكتفوا بالسماع من أوباما أن أولويته هي مواجهة «داعش» كيفما كان، وأن دعمه لقوى المعارضة المعتدلة لن ينتقل إلى مرتبة جديدة، وأنه لن يتورط. رأي مستشاري أوباما هو أنه إذا كانت إيران و «الحرس الثوري» أو «حزب الله» الوسيلة لدحض «داعش»، فليكن. وإذا كان الرئيس بشار الأسد هو الأداة، فليكن. باراك أوباما لن يتورط في حرب سورية. فليخُض «حزب الله» الحرب مع «داعش» وليكن هلاكهما معاً، وليُنهك معهما الأسد ونظامه ولتتفتت سورية. واشنطن لا تبالي”.

بالمقابل كتب المستشار الثقافي في سفارة ايران بالجزائر أمير موسوي ما نصه: “ان دول محور المقاومة في المنطقة تتعرض لخطر استراتيجي يزداد مع الوقت بفعل انتشار فوضى الجماعات المتطرفة في المنطقة المدعومة من الكيان السعودي ونظيره الصهيوني . وأعتقد أن قيادة الثورة الإسلامية في إيران قاب قوسين أو أدنى من تفعيل معاهدة الدفاع المشترك مع الحكومة السورية للتعاون مع العراق الشقيق” .

ويتابع الموسوي وهو الذي كان مستشارا سابقا في الخارجية الايرانية:” يمكن أن نشهد نشوء جبهة مقاومة إقليمية واسعة تكون أكثر فعالية من دون حدود رسمية ريثما يتم التعامل مع ظاهرة داعش ومثيلاتها ولدعم قوات الحكومة السورية الشرعية في مناطق العاصمة دمشق وحمص و”الساحل الحبيب”(العلويون) التي تشكل مع بعضها سورية الطبيعية المعترف بها في القانون الدولي والأمم المتحدة، ولا بأس أن تترك مناطق الشرقية والشمالية لممثلين محليين عنها بالتعاون مع دول الإقليم كالجمهورية التركية الصديقة، وهذا سيشكل خطوة مهمة لجهود دعم الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.

اذا، ايران تحاول تمرير مشروع اعادة فرز وتقسيم سوريا والعراق على اساس طائفي بشراكة تركية وموافقة أميركية ، ويبدو جليا أن “داعش” هو المطرقة أوالفأس الذي يستخدم لهدم هذين الكيانين العربيين الكبيرين وتقطيعهما تمهيدا لتقاسم النفوذ بين الجارين الفارسي والتركي على اشلائهما الممزقة، وذلك بعد ان تتحوّل بلاد الشام وبلاد الرافدين (سابقا) الى دويلات طائفية سنيّة وشيعيّة، عربية وكردية (لاحقا)، تتساوى في الضعف والانحلال والتبعيّة للدول الإقليمية الكبرى، لتتكرّس بموازاة ذلك اسرائيل دولة إقليمية كبرى بدورها بعد تفسّخ واضمحلال الدول العربية المحيطة بها…

السابق
‘جيش الثوار’ يباغت داعش بمعقله في الرقة وهجوم كبير للتنظيم في حلب
التالي
نتانياهو: لن نسمح لطهران بامتلاك قنبلة نووية