تطوّر نظريّة «الحكم والدولة» في فكر الإمام شمس الدين

كان للنجف دور أساسي في التكوين الفكري والعقائدي للشيخ محمد مهدي شمس الدين وأترابه من العلماء اللبنانيين الذين عاشوا ودرسوا في النجف في الفترة 1950-1970… وخصوصاً لجهة التأثير في خياراتهم وتوجهاتهم حول قضية الدولة والحكم في المجتمعات الاسلامية وموقف الفقه الشيعي منها..

وبحسب عبد الجبار الرفاعي فقد عرف النجف مرحلتين في التفكير حول الدولة فقهياً… في المرحلة الأولى الممتدة حتى منتصف القرن العشرين كان التفكير في مفهوم الدولة ونظمها يتم من خارج المدونة الفقهية. وفي المرحلة الثانية (التي تبدأ منذ مطلع الخمسينات ) توغل التفكير في الدولة داخل إطار المدونة الفقهية، وذلك منذ أن كتب الشيخ محمد مهدي شمس الدين كتابه الأول “نظام الحكم والادارة في الاسلام”، عام 1954، وصدر في بيروت عام 1955… وكان هدف الكتاب (كما يصرح المؤلف) “التدليل على أننا في الاسلام نملك نظاما للحكم والادارة، هو نظام محكم في ظل سلطة دينية وزمنية معا”… وأهمية اشارتنا الى هذه المسألة أنه في هذا الكتاب يرفض الشيخ شمس الدين الديمقراطية . لكن في مرحلة لاحقة، أي بعد ثلاثة عقود، ومن خلال التجربة اللبنانية، يغادر التفكير بالدولة عند شمس الدين المدونة الفقهية التقليدية لينخرط في الإطار الأعم للفكر السياسي المدني والديموقراطي ..

في عام 1958/1959 كتب السيد الشهيد محمد باقر الصدر تصورات أولية لما أسماه بـ “أسس الدولة الاسلامية” وفيه يتكرر مصطلح “الدولة الاسلامية” و”الحكومة الاسلامية” (كما تكرر عند شمس الدين 1955)..ولكن باقر الصدر توفي في العام 1980 ما يجعلنا لا نعرف إن كان تفكيره سيتطور في نفس اتجاه تطور تفكير شمس الدين الللاحق باتجاه الدولة المدنية (التي “لا دين لها” )…

مع امحمد باقر الصدر ومحمد مهدي شمس الدين اندمج التفكير بمفهوم الدولة في المدونة الفقهية للنجف منتصف القرن العشرين.. وقد انبثق عن اندماج التفكير في الدولة في الموروث الفقهي، الدعوة لبناء النظم الاسلامية، في مجالات الدولة المختلفة (السياسي، الاداري، الاقتصادي، المالي، المصرفي، الحقوقي، الجنائي،…)، والدعوة لأسلمة المجتمع والنظام. ..).

وبعد مضي ثلاثة عقود تدخل مدرسة النجف بالتدريج في المرحلة الثالثة، عبر إجتراح مسار للتفكير بالدولة ونظمها يتجاوز المدونة الفقهية، فتصبح الديمقراطية … هي الحل الوحيد للمجتمعات الاسلامية، بحسب محمد مهدي شمس الدين، ويصير شعاره هو “الدولة المدنية التي لا دين لها”، وكأنه يتواصل مع الشيخ حسين النائيني في “تنبيه الأمة وتنزيه الملة”، الذي كان يفكر بمشروعية شعبية دستورية، وبدولة غير منبثقة من الفقه.

السابق
حذار الفتنة في بعلبك – الهرمل
التالي
الطيران الروسي يتصدى لمدمرة أميركية