فلوكلور التنديد بالفراغ ورفض التمديد من أدوات تعطيل إنتخاب رئيس

الجميع يبدي عدم رضاه عن الفراغ الرئاسي، لكن في الواقع فلوكلور التنديد بالفراغ ورفض التمديد ظاهرتان تأتيان من ضمن أدوات تعطيل إنتخاب رئيس.

كل عام والجمهورية بألف خير، إنه العام الأول لشغور قصر بعبدا (قصراً) من الرئاسة  ومن وجود رئيس منتخب (ولو ظاهرياً) للجمهورية، ولا ندري إذا كان يليق بنا أن نطلق عليه إسم عام النكبة، طبعاً مع يقين بأنها نكبة جديدة من نكبات وطن جدلي مركب تماهى عبر الزمان بفينيقيتة حيناً وبعروبته أحياناً، وبالغ في إعتبار نفسه بلد الحرف وملتقى الحضارات والتعايش بين الأديان، بلد التفوق الأخلاقي هذا يذكرنا بذاك الشاب الذي رباه سيده على الفضيلة فأعطاه نسبه لكنه عندما بلغ إغتصب إبنته، لقد مات ببساطة كل من في هذا البلد صدقوا وعاش وعاث فيها كل الذين سرقوا.

 

هو ليس الفراغ السنوي الأول لقد حصل مثله بعد إنتهاء ولاية فخامة الرئيس الشيخ أمين الجميل في العام 1988 وإمتد حتى إنتخاب الرئيس الشهيد رينيه معوض في العام 1989 لمدة ستة عشرة يوماً فقط وكان حينها الجنرال عون حاضراً بقوة في مشهد الفراغ بل هو إحتل الصورة بأكملها. وها هو يطل علينا مجدداً بعد ما يقارب السبع والعشرون عاماً بنفس الطريقة يتشبث بالرئاسة وينقلب على ثمرة التغيير التي لطالما إدعى حصرية إمتلاكها.

 

فلوكلور التنديد بالفراغ ورفض التمديد حالات رمزية لا تهدف إلى إنتخاب رئيس إنما إلا إلى تبرئة الذات من عذاب الضمير، فرؤوساء جمهورية لبنان بعد الإستقلال جلهم أي معظهم أتى بديمقراطية الفرض أي التعيين وبعد إتفاقات شبيهة بالطائف 1989 أو الدوحة 2008 وغيرهما مما هو قبلهما وما سيأتي بعدهما، وعلى ما هوقائم سيكون من المفيد وعلى مبدأ المناوبة أن يأتي الإختيار هذه المرة بالإتفاق على من ستختاره طهران على سبيل الإحراج لنضمن فوز مرشح 14 آذار قياساً إذا صح التعبير على ما جرى قبلاً حينما إختارت قوى إقليمية داعمة لنهج الإستقلال رؤوساء محسوبين على الممانعة من دون ممانعة للإستقلاليين تذكر أو لربما هو رضوخاً منهم لعلمهم بإستحالة التأثير الأمر الذي وفر على المهيمن المصور كثير عناء.

 

أما الحديث عن كون البعض مرشحين فذلك من باب عرض العضلات أويفسر على أنه تقديم أوراق لزوم المناقصات للقبول بهم أو الإعتراض عليهم وقد تكون عند كثيرين مقبولة على أساس أنها ديمقراطية موروثة مفروضة لتحقيق الطاعة وليس كما يحلو للبعض وهماً إعتبار ترشحهم ضرورة للعب دور من الأدوار.

 

المضحك يبقى في قول المؤتمن على موقع الرئاسة  يحذر صوتياً من أن غياب الرئيس يعني تفكك الوطن وإضمحلال الدولة متغاضياً عن التاريخ اللبناني برمته المستند في السياسة على غيره وتنطبق عليه نظرية نحن نتكفل بالتفكير عنكم وحكمكم والفرض عليكم وأنتم تموتون لأجلنا.

 

لبنان بعد الخطاب الأخير الذي أطلقه السيد نصرالله وحيا فيه كل الذين قضى على وجودهم من مقاومي الجبهة الوطنية والأفواج اللبنانية المقاومة وكذلك الفلسطينية في حروب عبثية أستطاع خلالها توحيد البندقية وحصر السلاح بيده والمستغرب أنه أورد في كلامه عبارات توشي بمعنى حماية  حزبه لآخرين إتهموه وما زالوا بإغتيال قائد نهجهم، لقد نصب السيد نفسه آمراً مطلقاً وناهياً أوحد على الجمهورية  وإدعى بطوبوية قل نظيرها مسؤولية حمايتها في محاولة يأمل منها أن تحرج رعيتها وتسانده في حربه وهي مهمة لم توكل بالأصل إليه  من أحد منهم ولا هي لاقت كأضعف الإيمان إجماع عندهم، عساه يستخدم تفويضاً منتهي الصلاحية منذ العام 2000.

 

لبنان بعد ما تقدم وبعد خيارات الموت المتعددة إن في الأنبار والموصل،  في صنعاء وعدن، أوفي القلمون وحلب وإدلب وجسر الشغور وفي طائرة 11 أيلول وفي ظل الصراع المحتدم بات يلزمه إعادة تذويب لتاريخه الحديث أي منذ العام 2000 وإلى الحين مستعيني بالنار المشتعلة في محاولة ميؤوس منها لكنها مطلوبة لإعادة صناعة تاريخ جديد شبيه بالذي بني عليه في العام 1920 وأوصل الأجداد إلى إستقلال العام 1943، ذاك التاريخ الذي يحمل صور أبطال أسطوريين وآخرين أشداء مجهولي المذهب والدين قدموا التضحيات الثمان ورفعوا شعار”مسلمين ومسيحيين متحدين ضد العصبية والجاهلية موحدين إلى أبد الآبدين من أجل لبنان العظيم” فلربما يأتي بعد ذلك بسنين من يحترم نفسه وبلاده ويقول أنا لبناني أنا من بلاد الوعي الديني والوعي التاريخي ومن بلاد الفكرة التي مكنت العالم من التفاهم والحوار وإن بأحرف مشكوك في كونها إختراع فينيقي.

 

وطن المهاجرين واللاجئين والعاملين الوافدين لم يعد هبة الله المعطاة إلى شعبه أخشى أنه في الطريق إلى كمال ثاني يطلق عليه إصطلاحاً الصنعة من المذاب والمشكلة في المستقبل إن لا سمح الله تخطت القتال ستصطدم بظاهرة التمدن السريع وعندها سيكون اللوم منكب على ثقافة القتل بالرصاص والغضب السريع وعندها يكون  قد فات الآوان.

السابق
بدء جلسة مجلس الوزراء
التالي
ميريام فارس تكشف حقائق جديدة عن زوجها وحملها