عرسال والرئاسة

شارل جبور

بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتّل «التغيير والإصلاح» دعا العماد عون الحكومة إلى أن تحسم قرارَها في عرسال بحُكم الدفاع عن سيادة الوطن وأمنِه، وقال: من غير الممكن أن يستمرّ هذا التلكّؤ، وأكّد أنّ الحكومة ملزَمة بحماية الأمن اللبناني، وسألَ عن خطة الحكومة وكيف سيَقوم الجيش بترجَمتها.

ولم يكتفِ عون بتسجيل المواقف، بل طلبَ من وزرائه إثارةَ موضوع عرسال داخلَ الحكومة، وهذا ما حصلَ أوّل من أمس وأمس، حيث كاد الإصرار العوني على طرح قضية خلافية أن يؤدّي إلى اشتباك مع الرئيس تمّام سلام الذي وضَع حدّاً للنقاش قائلاً: «لا أحد يُملي عليَّ ماذا أطرح، هذه صلاحيّاتي، وأنا أعمل ما أراه مناسبا».

 

وبمعزلٍ عمّا إذا كان الإصرار على طرح قضية خلافية يَندرج في سياق التصعيد السياسي الذي كان وعَد به عون ربطاً برفض التجاوب مع دعوته إلى إجراء تعيينات عسكرية، وإعطاء الانطباع بانطلاق العَدّ العكسي لتعليق عملِ الحكومة، فإنّ تبَنّي العماد عون وجهةَ نظر «حزب الله» في معارك القلمون، وتشكيلَه غطاءََ مسبَقاً للحزب في معركته العرسالية التي كان خيَّر السيَد حسن نصرالله الدولةَ بين أن تتحمّل مسؤوليّاتها أو أن الناسَ ستتكفّل بالمهمة، يُثبِت مرّةً إضافية حجمَ التقاطع بين عون ونصرالله في الخيارات الأساسية، الأمرُ الذي يُعطي وجهة النظر المحَذّرة من انتخابه، ويا للأسف، صِدقيةً سياسية.

ولكن هناك مَن يقول: لو تجاوبَ معه «المستقبل» رئاسياً وعسكرياً لكانت الأمور اختلفَت تماماً، وماذا تطلبون من الجنرال بعد أن أقفلَ «المستقبل» في وجهه الأبوابَ وجعلَ التصاقَه بالحزب مسألةً طبيعية؟

 

وفي المقابل هناك مَن يقول أيضاً إنّ القضايا المصيرية والاستراتيجية لا تعالَج على طريقة ردّة الفعل، كونها تشَكّل جزءاً مِن قناعات ثابتة وراسخة لا تتأثّر باللعبة السياسية ومجرَياتها، بل إنّ التباينات التي ظهرَت في قضية التعيينات كانت فرصةً لإثبات حياد العماد عون في المواضيع الخلافية السنّية-الشيعية، بدلاً من تبنّي وجهة نظر فريق على حساب الآخر، وتؤكّد مجدّداً أنّه في المنعطفات ما زال حليفاً موضوعياً لـ«حزب الله».

وإذا كان قد دُفِع دفعاً إلى هذا الموقع، ألا يدرك العماد عون أنّ تموضعَه العرسالي يَقطع الطريق نهائياً أمام فرَصِه الرئاسية، لأنّه سيُعيد تعبئة الشارع السنّي ضدّه؟ وإذا كان قد قطعَ أيَّ أملٍ بإمكانية تأييدِه من قبَل «المستقبل»، فهل انحيازُه الكلّي إلى جانب الحزب يَفتح طريقَ بعبدا أمامه؟

 

ألا يدرك أيضاً أنّ هذا الانحياز يَفتح الطريق أمامه في حالة واحدة وهي ذهابُ «حزب الله» نحو الحسم في لبنان؟ وهل هذا الحسم وارد أساساً في ظلّ ميزان القوى الجديد إقليمياً، والذي يسَجّل فيه خسائر فادحة لطهران في العراق، وللنظام السوري في شمال سوريا؟

وهل هذا الانحياز يسَهّل مهمّة الحوار بينه وبين «القوات اللبنانية» أم يصَعّبها ويعَقّدها؟ وهل هذا التموضع يسَهّل التجاوب مع الأفكار التي طرحَها للخروج من المأزق الرئاسي أم يُعرقل هذه المساعي من منطلق أنّه مِن الأولى الحفاظ على الستاتيكو الحالي عوضَ الشروع في تغييرٍ يؤدّي إلى قلب ميزان القوى الداخلي لمصلحة 8 آذار؟

 

فالقضية المطروحة ليست تفصيلية، وهي على غرار غيرها من القضايا التي سبقَتها، من نهر البارد إلى طرابلس مروراً بعَبرا وسجن رومية، تتطلب غطاءً سنّياً واضحاً، فيما تُعتبر عرسال الأخطر من بين تلك القضايا، ليس فقط نسبةً لحجمِها الديموغرافي اللبناني والسوري، بل بسبب الكلام عن مخطّط لتهجير ناسِها وترحيلهم من أجل ربط «البقاع الشيعي» بالساحل «السوري العَلوي» في سياق التحضير للانتقال إلى الخطّة (باء) تحت عنوان التقسيم، بعد التسليم بالعجز عن حكم سوريا مجدّداً، وفي سبيل جعلِ الدولة العلوية قابلةً للحياة وغيرَ مطوّقة بزنّار سنّي.

 

وإذا كان أحدٌ لا يتجاهل الشقّ اللبناني المتّصل بحماية الحدود من الجماعات المتطرّفة، فإنّ مِن مسؤولية الجيش وحدَه توفير الحماية المطلوبة، وهو يقوم بذلك، غير أنّ ما يتمّ تنفيذُه على الأرض ويخَطّط له لا علاقة له بلبنان لا من قريب ولا من بعيد، بل يدخل في سياق مخطط إقليمي لمحوَر المقاومة، وبالتالي أين مصلحة العماد عون في إقحام نفسِه في ملف إقليمي وصِداميّ بين السنّة والشيعة، فضلاً عن أنّ المصلحة اللبنانية تَقضي في حمايةِ عرسال من خلال إبقاء الوضع فيها على ما هو عليه لحمايةِ لبنان من الفتنة، وقد جاءَ موقف الرئيس سعد الحريري ليؤكّد أن عرسال خطّ أحمر، ويقول بشكل حازم «عرسال ليسَت مكسراً لعصيان «حزب الله» على الإجماع الوطني، وقبل أن يتوجّهوا إلى عرسال بأيّ سؤال، فليَسألوا أنفسَهم ماذا يَفعلون في القلمون؟

 

إنّ دخول العماد عون على خط عرسال سيؤدّي ليس فقط إلى إنهاء فرَصِه الرئاسية، بل إلى عودة العلاقة مع «المستقبل» إلى النقطة الصفر، وانعكاس هذا المناخ على الحوار مع «القوات» التي ربَطت منذ اللحظة الأولى التقدّم بهذا الحوار بمدى اقتراب عون سياسياً.

قد لا يكون الرهان على «المستقبل» أثمرَ رئاسياً، ولكنّ الرهان على «حزب الله» لن يثمر أيضاً، فيما كان الأَولى لو أظهرَ العماد عون ثباتاً في خياراته الوسطية التي تشَكّل وحدَها مفتاحَ عبوره إلى بعبدا في مرحلةٍ عنوانُها الانقسام السعودي-الإيراني والسنّي-الشيعي.

 

وتبقى ملاحظة لا بدّ منها، وهي أنّ الصراحة التي تحَدّثَ فيها السنيورة مع الوفد العوني يجب أن تكون القاعدة لأيّ حوار وتواصُل، منعاً لأيّ تأويل وتجَنّباً لأيّ التباس، ولأنّ قولَ الحقيقة هو الذي يَقطع الطريق أمام أيّ محاولات استخدامية، ويُقرّب المسافات السياسية.

(الجمهورية)

السابق
ما هي نتائج سيطرة «داعش» على تدمر ولماذا يخشاها «جيش الفتح»؟
التالي
ما هو مصير معتقلي تدمر؟