هل ساعدت الحرب السورية في شدّ العصب الكنسيّ المسيحيّ؟

المسيحيين في الشرق
تستفيد المذاهب والاديان من فكرة الخطر المحدق من عدو خارجي لتجمع حولها الرعايا... فهل هذا ما تقوم به الكنيسة في سبيل لمّ شمل المسيحيين في لبنان خوفا من احداث شبيهة لما حصل في سوريا والعراق وفي لبنان خلال الحرب الاهلية؟

لم تكن الحرب السورية بكاملها مؤذية للمسيحيين، بل كان لها كما الحرب اللبنانية خلال السبعينيات وجوه ايجابية كثيرة كما لكل أمر وجوه كثيرة.

فالحرب في لبنان وان كانت بتمويل عربي قد قضت على استقرار لبنان وتميّزه الا انها أغنت لبنان بتنوعه السياسي والعسكري، وقضت على الاقطاع التقليدي، وجلبت إلينا الاقطاع البروليتاري، والاقطاع الديني، والاقطاع المالي… وجعلت لبنان بلدا لا وجه له.. على عكس ما يُشاع من انه بلد متعدد الأوجه في اشارة الى الغنى الدينيّ.

عبارة “الوجود المسيحي” غير صحيحة أصلا لأنّ المسيحية نزلت في الشرق وجذبت الغربيين وتوسعت

فالجميع يتنّدر على قرب الجامع من الكنيسة، لكن لا أحد يفسر الامر على حقيقته وهو ان المساحات ضيقة، وان التنافس بين الطوائف يجعل كل طائفة تصرّ على اقامة معابدها مقابل معابد الطائفة الأخرى لتظهر للعابرين والمارقين – بكل ما للكلمة من معنى – قوتها.

هذا هو الامر لا اكثر ولا اقل.. فالمسلمون يبالغون في إقامة المساجد، ولو تعدّت عدد الاصابع اليد الواحدة في الكيلومتر المربع الواحد، ولا يعمدون مثلا الى تأسيس مصنع او معمل او متجر او حديقة او مدينة ملاهي، او متحف، او مكتبة، وهي عادة أسبابها تتعلق بالوجاهة والمال والسلطة ورحلة ما بعد الموت والترّحم والآخرة التي باتت مطلوبة جدا مؤخرا. ولا ادري ان كان المسيحي يمكنه ان يبنيّ كنيسة على نفقته كما يفعل أخوه المسلم.

وبالعودة إلى الحرب السورية، وجدنا أنّ الجميع في لبنان مؤيد للوجود المسيحي في الشرق وداعم له وحامل همّ المسيحيين، الذين كنّا خلال الحرب الاهلية نحسدهم على مساندة الدول الغربيّة لهم من خلال المدارس والمنح الجامعية والمساعدات المعيشية.

فهذه العبارة، اي “الوجود المسيحي”، عبارة غير صحيحة أصلا لأنّ المسيحية نزلت في الشرق وجذبت الغربيين فتوسعت وانتشرت. فهم اهل الارض الذين عانوا بُعيد ظهور الاسلام من تقلّص سلطاتهم شرقا وحصرا على مستوى العالم العربي.

الا ان الفكرة الاساس في هذا الموضوع هو ان الحرب التي عاشوها في سوريا والعراق دفعت العائلة المسيحية لأن تشد عصبها وتتكتل من جديد حول نظرية الخطر المحدق، حيث ان العصبوية الدينية آخذة بالانتشار الى أقصى ما يمكن، وهذا بارز من خلال الخطاب الاعلامي المرئي والافتراضي، ومن خلال المشاركات المستفيضة في المؤتمرات والندوات والمحاضرات تحت عناوين مختلفة، أساسها (المخاطر على المسيحيين في الشرق).

ومن المعروف ان المسيحيين اساس هذه الارض، لكن تراخيهم حيال القضايا الوطنية لاسباب تتعلق بالانظمة العربية بشكل عام، دفعهم الى اعتبار الدول التي تستقبلهم سواء في اوروبا او في اميركا أولى بهم من موطنهم ومهبط وحيهم بسبب الحرية التي ينشدون.

وكما قال الأب عبدو ابو كسم في إحدى الندوات ان “المسيحية ساعدت الاسلام على الانتشار”. وكلمة الوجود المستخدمة بكثرة مؤخرا تعني الانفصال الواقعي عن الاصل. فهل لم يكونوا أصل هذا الشرق؟ وهل ان القدس صارت ملكا لليهود والاسلام؟

هذا إضافة الى أنّ رواج موضة “الدعم للمسيحيين” بات موضة مناسبة لمن يشجع “داعش” والارهاب من جهة، ويسلّح الفرق المتصارعة من جهة أخرى، ليقضي على آخر وجه من وجوه الحضارة العربية التي اتسّمت بالتنّوع، وقامت على أكتاف أهل الارض الأصليين أولا قبل الاسلام.

الحرب التي عاشوها في سوريا والعراق دفعت العائلة المسيحية لأن تشد عصبها وتتكتل من جديد حول نظرية الخطر المحدق

ففي حلقة حوار واحدة في الضاحية الجنوبية حضر أكثر من خمس شخصيات مسيحية بارزة ليتحدثوا عن المخاطر التي تهدد المسيحيين. وفي ندوة في سن الفيل شارك العدد نفسه مكررا عشرة مرات.. وهكذا دواليك.

هذه التقليعة في إضاءة الاحمر كدلالة على الخطر تحمل في طياتها عودة الى الدين والعقيدة بما هي عصبيّة يتهددها الآخر صاحب الدين المختلف والذي بالصدفة هو “الإسلام”. وهذا المُهدد هو عدو تاريخي فمن الأولى – وهنا اتحدث بلسان الخائفين من المسيحيين – “من الأُولى العودة الى الدين والجذور لنحمي أنفسنا”. ويجب أن نظهر صلباننا، ان نؤكد حضورنا في الكنائس، ان نلتف حول الخطاب الاكثر تشددا، ان نسترجع الاحداث العنفية المتبادلة، ان نستعمل عبارات “دوننا” او “من دوننا” للدلالة على حس طائفي عال، ان نقترب من الزعماء “اللوبينيين” نسبة الى جان ماري لوبن الفرنسي…

السابق
هكذا تدحرج «حفيد البغدادي» من الجرد إلى السجن
التالي
المسلمون باتوا في خطر