اسقاط ايران في سوريا: الضمانة الأقوى لدول مجلس التعاون

كما كان متوقعاً، لم تأت قمّة كامب دايفيد التي جمعت الإدارة الأمريكية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي قبل عدة أيام للتباحث في التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وتداعيات الاتفاق النووي الأمريكي – الإيراني بأي جديد لناحية ما تمّ اقتراحه على دول المجلس، إذ بدا أنّ أوباما لا يمتلك ما يستطيع تقديمه لدفع الهواجس المتأتّية عن اتفاقه النووي مع إيران أو أنّه لا يريد أن يقدّم شيئاً طالما انّه ليس هناك ما يجبره على ذلك.

ولهذا، فقد انتهى الاجتماع دون أن يقدّم أوباما التزاماً بالدفاع عن هذه الدول حال تعرضها لأي عدوان، كما هو الحال على سبيل المقال مع اليابان أو كوريا الجنوبية، ودون أن يُقدِم على أي معاهدة أو اتفاقية دفاعية، ودون حتى أن يعرض شكلياً التزامه بمنحها صفة الحليف الأساسي من خارج حلف الأطلسي، علماً أنّ هذا الخيار لا يقدّم الكثير كما سبق وشرحنا في مقال سابق.

بدا واضحاً جداً خلال المحادثات أنّ إدارة أوباما تحاول انتزاع اعتراف من قبل دول المجلس بالاتفاق النووي الأميركي – الإيراني كأمر واقع، كما تركّز على انتزاع التزام من دول المجلس بمحاربة الجماعات الإرهابية “المحسوبة على جهة واحدة” التي تشكّل هاجساً أمريكاً وتعتبر الشغل الشاغل الذي يجب محاربته والقضاء عليه دون الالتفات إلى الأسباب التي اوجدت هذه الظاهرة والتعامل معها.

وحتى في القضايا الأقل تعقيداً والأكثر وضوحاً كما هو الحال في الملف اليمني والسوري والعراقي، لم تقدّم الإدارة الأمريكية أي شيء يذكر، بل حرص أوباما على القول بطريقة غير مباشرة أن لا ضمانات لدول المجلس ولا حتى ضغوط على إيران لإجبارها على تغيير سياساتها.

كل ما هنالك أنّ أوباما، وفي مقابل الحصول على تأييد دول المجلس للاتفاق الأمريكي-الإيراني والالتزام بمحاربة الإرهاب، عرض عليهم بيع المزيد من الأسلحة (ليست الأكثر تطوراً بالمناسبة مراعاةً لإسرائيل)، كما عرض تطوير التعاون في مجال الدفاع الصاروخي والدفاع الإلكتروني.

التعاون في المجال الدفاعي الصاروخي ليس أمراً سيئاً، لكنه مشروع قديم ولا يقدّم الحلول المطلوبة للرد على التهديدات الإيرانية المتأتّية عن سياسات نظام الملالي العدوانية غير التقليدية والتي تعتمد بشكل أساسي على الإرهاب والاستراتيجيات اللاتناظريّة باعتبارها أبرز ما يقلق دول المجلس والمنطقة وليس قدرات إيران العسكرية التقليدية.

كما أنّ عرض موضوع التعاون في المجال الدفاع الصاروخي يطرح علامات استفهام على عدد من النقاط أهمّها: ما الحاجة إلى هذا الأمر إذا كانت واشنطن تعتقد أنّ الاتفاق النووي مع إيران سيجعلها دولة أكثر عقلانيةً والتزاماً بالقانون الدولي وانخراطاً في النظام العالمي؟!. هذا يعني إما أن واشنطن غير متأكدة من انعكاس اتفاقها النووي على سلوك إيران الاقليمي -وهناك بيت القصيد الذي لن تنفع معه منظومة دفاع صاروخي-، وإما أنّها تريد أن تستغل هذا التعاون لبيع المزيد من الأسلحة ولربط الشبكة الدفاعية بدول أخرى غير عربية، وربما الاحتمالين معاً.

في جميع الأحوال، دول الخليج بحاجة للتركيز أكثر على الهجوم وليس على الدفاع. إذا كان هناك من شيء قد تعلّمناه عن السياسات الإيرانية التخربيية خلال العقود الثلاثة الماضية فهو أنّ الركون إلى الجانب الدفاعي مع النظام الإيراني لا ينفع، وإنما يزيد من عدوانيته ومن شهيّته على فرض المزيد من الهيمنة والتوسّع، وهذا يعني الحاجة إلى أنظمة وأسلحة هجومية لكبح جماحه ولخلق قوة ردع وليس إلى أنظمة دفاعية فقط.

المشكلة الأخرى هي أنّ الولايات المتّحدة من أكثر الدول في العالم تحفظاً في مجال نقل التكنولوجيا، وما تحتاج إليه دول الخليج حقيقة ليس شراء المزيد من الأسلحة وإنما نقل التكنولوجيا. وفي هذا السياق، يجب البحث عن الدول المستعدة لنقل التكنولوجيا، ولا يبدو أنّ الولايات المتّحدة هي الشريك المناسب لهذا الأمر. هناك دوماً من هو مستعد لنقل التكنولوجيا مقابل المال.

في الملف السوري، شدد أوباما وإدارته خلال اللقاء مع قادة دول المجلس على أن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا. هذا كلام جيّد، لكن ما الجديد فيه؟ أوباما يبيعنا مثل هذه التصريحات منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، لا بل منذ اليوم الأول من قدومه الى البيت الأبيض، وهو لم يدّخر أي جهد في سبيل تعطيل وإفشال كل المحاولات الحقيقية التي بذلت للإطاحة بالنظام السوري منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وهي سياسة إعادة التأكيد عليها بعد يوم واحد من اجتماعه بقادة دول مجلس التعاون في كامب ديفيد عندما قال أنّ الأزمة في سوريا لن تنتهي على الأرجح قبل رحيله عن البيت الأبيض مطلع عام 2017، مجدداً التأكيد على قناعته بأنه ليس هناك “حل عسكري”.

الحقيقة التي يجب أن تتنبّه إليها دول المجلس هي إنّ إسقاط المشروع الإيراني في سوريا سيكون له نتائج عظيمة تفوق كل ما يمكن للأمريكي أن يقدّمه من ضمانات (هذا على فرض أنّ لديه النيّة أو الإرادة). إسقاط إيران في سوريا وإنهاء نفوذها هناك بشكل كامل تماماً هو الضمانة الأكثر فعالية في مواجهة أي سياسات إيرانية تخريبية مستقبليّة.

وكما سبق وذكرت في مقالات سابقة، فسوريا هي بمثابة عامود الخيمة للمشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، والعمل على إسقاط هذا العامود سيؤدي الى تراجع التهديد الإيراني في المنطقة برمتها. كلّما أسرعنا في تحقيق هذا الأمر وفي المساعدة على ولادة نظام يمثّل تطلعات وآمل الشعب السوري كلما كان التراجع الإيراني في المنطقة أسرع، على اعتبار أنّه سيؤدي إلى فصل المركز عن المحوار.

الشعب السوري ينفر اليوم من كل ما هو إيراني، ومن البديهي أنّ ترك الناس يختارون نظامهم سيفرز نظاماً حسّاساً تجاه أي معطى إيران نظراً لدور نظام الملالي في تدمير سوريا وقتل شعبها، وهذا سيكفل لاحقاً عزل حزب الله في لبنان ممّا يسهّل أيضاً إيجاد الحلول والطرق المناسبة للتعامل معه ومع دوره وإجرامه الموصوف كأداة إيرانية.

ولا شك أنّ مثل هذه الحالة سيكون لها انعكاساتها على وضع حلفاء إيران في العراق وعلى وضع المكونات العراقية الوطنيّة المعاديّة لإيران والتي تنظر إليها على أنها قوة احتلال وغزو مما يسهّل بدوره عزل أدوات إيران في العراق بحيث تصبح تكاليف اتّباعهم لسياسات طهران أكبر من أن يتحملوها.

كل ما نحتاج اليه في الملف السوري بالإضافة إلى الجهد المبذول داخل سوريا، هو خطوة إقليمية الى الأمام، وهذا أمر من الممكن تحقيقه ويجب دفع الأتراك لأن يأخذوا زمام المبادرة فيه أيضاً بدعم خليجي وعربي كامل بعد الانتخابات البرلمانية القادمة وبما يؤدي في المحصّلة إلى جر الولايات المتّحدة إلى موقف المؤيّد جرّاً، ويسمح أيضاً باختبار السلوك الإيراني بعد الاتفاق المزمع توقيعه قريباً.

(السورية نت)

السابق
الجنرال عون: الشرارة الاخيرة
التالي
هكذا تدحرج «حفيد البغدادي» من الجرد إلى السجن