الصحراء؟! كلك أخطاء وللناس أعين…

حزب الله اميركا وايران والسعودية

يدرك حزب الله مع ملحمة الثورة السورية انه انتقل من ضفة المشروع العام الذي يخاطب الامة العربية والاسلامية، الى حالة ضيقة تعيش هاجس البقاء. اذ لم يعد لديه هاجس مخاطبة الأمة. فقد ظنّ بعد انجاز التحرير في العام 2000 انه قادر على شقّ مسار ثابت في الوسط الاجتماعي والشعبي العربي والاسلامي باسم “المقاومة”. وفعلا بدا انه حقق ذلك، واقتنع الكثيرون بقدرته على ذلك، وبقي حريصا في خطابه على التوجه الى العرب والمسلمين عموما، وحاول في كثير من الأحيان لجم الظواهر التي تستنفر العصب المذهبي في بيئته المذهبية والايديولوجية.

لكن واجهته مشكلة في العمق، تمثلت في التناقض بين تطلعاته العامة وبين الارضية التي يقف عليها. فولاية الفقيه عززت التمايز السني – الشيعي، الذي لم يكن قائما في المجتمعات العربية، بالشكل الذي رست عليه بعد صعود نجم ولاية الفقيه في البيئة الشيعية بقوة ايران وحزب الله.
فالمذهبية تقوم في جوهرها على غلوّ مذهبي ومن مظاهرها “الولاية التكوينية” التي لا يمكن لها ان تشكل أرضية لمشروع عام. هذه الأرضية التي وقف عليها حزب الله في مشروعه السياسي الديني كانت فاقعة الخصوصية، فيما هو بدا كأنه يسعى لأن تكون مظلة لمشروع عام عابر للطوائف والمذاهب والمكونات الاجتماعية.

لم يستطع هذا المشروع ان يستقطب الى بنيته التنظيمية، والى المقاومة التي تبناها جهة غير شيعيّة. وعندما ظنّ انه وجدّ حلاًّ عبر ابتداعه نموذج “سرايا المقاومة”، تبين انه كان يعبّر بأسلوب فاقع عن مأزقه، عبر التفافه على المشكلة بدل حلّها. هذا ﻷن تحويل مشروع المقاومة لدى حزب الله الى مشروع وطني او مشروع عربي عام كان يتطلب منذ البداية إعادة النظر في ولاية الفقيه.

من الأساس عانى مشروع حزب الله من أزمة اخلاقية. فالتحالف مع النظام السوري، المعروف بوحشيته تجاه شعبه، حوّل مشروع المقاومة لديه من مشروع اخلاقي تحرري الى شبكة مصالح. اذ لا يمكن للمقاومة ان تخوض مشروع مقاومة ومعركة تحرير، ويكون لديها علاقة عضوية ومؤسساستية مع نظام الأسد.

هي اشكالية في المنطق أيضا، حين يصير الشتاء والصيف فوق سقف واحد. ثورة المستضعفين الايرانية في العالم العربي تحولت الى عبث ولعب في مكونات المجتمع العربي. والأزمة الاخلاقية انكشفت بالكامل عندما آثرت ايران رهاناتها السياسية على خيارات الشعوب. هذا ما كشفته الثورة السورية، وهذا ما يفضحه استمرار تغطية الجريمة غير المسبوقة التي ارتكبها نظام الاسد ضد الشعب السوري عبر نبذ المنطق الاخلاقي، فيما يستند حزب الله وايران الى المنطق الاخلاقي نفسه في مقاربة ما يجري باليمن، لهذا صار المعنى الأخلاقي هنا منتف بالكامل، او على ما يقول الفقهاء “سالب بانتفاء الموضوع”. المخاطب لم يعد الجمهور العربي او الاسلامي المتعدد، لأن شدّ العصب المذهبي لا يحتاج الى مضامين أخلاقية وخطاب عام، بل الى عناصر القوة المادية والتركيز على الخصوصية وتعزيز المخاوف الوجودية للجماعة الخاصة. واذا كانت القاعدة الاخلاقية لا تخصص، فإن العصبية بطبيعتها، التي ركن اليها حزب الله وتترس بها، تبرر الجريمة في مكان، ولا تبرر الجريمة نفسها في مكان آخر.

من هنا فإن التكفير والتكفيريين يشكلان مصدر قوة للعصبية الشيعية. لكن يجب الانتباه الى ان التكفير ليس “فقها صحراويا” ولا سمة مناخية. التكفير في مجتمعاتنا العربية له اسبابه العميقة، الاجتماعية والسياسية، وابرزها طغيان الدولة والاستبداد.

التنظيمات التكفيرية تنتهي عندما تنتفي اسباب قوتها. ولا يمكن عزل سبب تمدد التنظيمات الدينية المتطرفة، في سورية على سبيل المثال لا الحصر، عن استبداد نظام الأسد طيلة خمسة عقود. علما ان بذور التكفير بمعناه العميق ليست حكرا على المنظمات الموصوفة بالتكفيرية، بل هي بذور موجودة في تربتنا الدينية والثقافية والاجتماعية. والاختلاف في الكمّ لا في النوع.

فإذا كانت وحشية نظام الأسد هي الإسلام المديني، فإن الصحراويين لا يزالون أكثر رحمة.

فكلك اخطاء وللناس أعين…

السابق
زهرا: من غير المقبول لأحد أن يغامر بالتفكير بتعديل دستور لبنان
التالي
ولايتي في بيروت على وقْع معركة القلمون الجيش يلتزم الدفاع المتشدّد من دون التورّط