حوار «الأوباش» و «المجوس»

أخذت تصريحات ومواقف رئيس «تيار بناء الدولة» في سورية، لؤي حسين، حجماً كبيراً من اهتمام الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ابتداءً من مؤتمره الصحافي مع رئيس «ائتلاف قوى الثورة والمعارضة» خالد خوجة، وصولاً الى نشر أقوال سُجلت له ولمساعدته منى غانم في غفلة منهما.

 

حملة الانتقادات القاسية عموماً لحسين، انطلقت من طلبه وجود العلم الرسمي السوري أثناء المؤتمر الصحافي، ثم رفضه الحديث في ظل علم الثورة «الأخضر» عندما تعذّر على المنظمين إحضار «العلم الأحمر». وبعد ساعات على الحادثة التي غطت على ما أعلنه حسين وحمل تغيراً جذرياً في مواقفه من النظام ووسائل تغييره، نشرت وسيلة إعلامية التسجيل الذي أثار، بدوره، عاصفة من الانتقادات وصلت الى حدود نادراً ما بلغتها لغة كانت مخصّصة عادةً لرموز النظام.

نزعم أن هذا كله يبقى على السطح ولا يلامس لب الموضوع وصلبه. المشكلة التي طرحها حضور حسين وكلامه «المسرّب»، أكبر من الرجل وتياره. تكاد هنا ردود الفعل تكون أهم من الفعل ذاته والفاعل. فلا يُخفى على أحد أن «بناء الدولة» تيار هامشي لم يشكّل وزناً يعتدّ به في أي من مراحل الثورة، وأن أفكاره عن «الحوكمة» و «العدالة الانتقالية» متوافرة في جميع منشورات المنظمات غير الحكومية.

 

المهم هو – بالضبط- الهوية الطائفية لحسين وغانم، وما يمكن أن يمثلا من تعدّد في لوحة الحلّ المقبل في سورية. هذا ما يجعل لحسين حيثية صنعها من اتصالات أحسن الاستفادة منها، وأعاد فيها رسم صورة ممثل الأقلية الرافض للانخراط في العنف والاقتتال، والساعي الى حكم ديموقراطي متعدد.

تحطمت هذه الصورة في التسجيل المسرّب، حيث ظهر كنقيض تام لما سعى منذ بداية الثورة الى ترويجه. فلم يجد غير لغة الأحذية (التي باتت علامة مميزة لمعسكر الممانعة) لاستخدامها في الاستعارة والمقارنة، وزادت غانم في الشعر بيتاً بمشاركتها حسين تهكّمهما على الشهداء الذين يسقطون بنيران «مؤسسة» الجيش العربي السوري. خان المراسل الذي اختلس التسجيل لؤي حسين، صحيح. لكن قبل ذلك، خانه الحس السليم والفطنة، وظهر الوجه الأقلوي المنفلت من كل عقال، وظهرت المراهقة السياسية لطامح الى الركوب في العربة الأخيرة المغادرة محطة النظام المتهاوي. ظهر العنف اللفظي لشخص مذعور من ألا تقع في يده الممدودة حصّة من الغنائم التي بدأ البحث في توزيعها على ممثلي المكونات العرقية والطوائف والفصائل.

ليس هذا كل ما تقوله حادثة حسين بطوريها (المؤتمر الصحافي والتسجيل المسرب). الأهم أنها تعلن عمق الشروخ بين السوريين على نحو يذكّر بالأزمة التي عصفت بالكيان السوري عشية الوحدة مع مصر في 1958. باختصار شديد، لا يستطيع حَمَلة هموم الهويات المحلية والفرعية، الطائفية والعرقية والجهوية وممثليها، العثور على لغة مشتركة يعبرون فيها عن رؤية حدّ أدنى لمستقبل مشترك.

 

فبين «الأوباش» و «أبناء الأزقة» الذين يخوضون هذه الثورة (بعبارات حسين)، وبين «النصيريين المجوس» و «العلويين القتلة» (وفق خصومه)، تبدو الهوة سحيقة وبلا قعر. الاستنتاج البسيط الذي لا يحتاج الى إلمام خاص «بالتعقيدات والخصوصيات»، أن الصراع السوري ما زال في مراحله الأولى، وأن «النخب» الموزعة على أطياف المعارضة والموالاة، ليست إلا امتداداً لأزمة الكيان وترداداً لصداها. أزمة أرجأ التسلّط البعثي انفجارها، لكنه زاد من هول الكارثة عندما وقعت.

(الحياة)

السابق
المعارضة السورية تتقدّم في إدلب وحلب
التالي
ملف سوريا نجم «كمب ديفيد»