التخلف الحضاري حتّم عليهم القيام بالفوضى

الفوضى

قد يكون التخلف الحضاري والتجزئة القومية والتقوقعات المذهبية في العالم العربي حتموا قيام ثورة أوفي الأغلب فوضى، لأنها ببساطة لم ترتقي إلى مستوى الثورة ولا إلى قدسيتها ولا هي حققت غايتها كأي ثورة. ترأسها كما في كل مرة عقل سلبي يستبيح أي شيء في سبيل الحصول على كل شيء، حيناً بحجة الممانعة وكثيراً من الأحيان بإستعارة مفردات المقاومة وفي بعض الأحيان بإستخدام عبارات فقهية منمقة أو فلسفية معقدة تفوق قدرة الإدراك عند المخلوقات الأرضية التي هي دون الأفلاك السماوية والتي يلزمها كحد أدنى نفوس ملائكية لربها مرضية.

تلك التكتلات البشرية سواء منها المتخيلة أو التراثية، التجريبية أو القدرية، الجبرية أو الإختيارية والإشتراكية أو الرأسمالية وما تبقى من البعثية وأحزاب الإيديولوجية الدينية وتلك التقدمية فكلها ومعها غيرها مما فاتني تنقصها الصفات العلمية أو لربما هي تخلت عنها طوعاً بعدما راق لها صور إحتضار شعوبها فالدم في التعريف عندها تضحية تضمن بقاء سطوتها، علقتها بمسمار على حائط أيامهم وأيامها وعجباً يقدمون لها الطاعة لطالما أوهمتهم أنها الضامنة لبقائهم.

جدلية التكتيك والإستراتيجية يبرع في إستخدامها وإعتناقها كل المذاهب في البلد بما فيها السنية والشيعية، العلوية والدرزية، الزيدية والإسماعيلية، الأرثوذكسية والكاثوليكية، الدعوية والتبشيرية في محاولة يائسة منها لملء الفراغ الحضاري المتعاظم فبات التركيز عليها وعقلها (ربطها) مستحيل لتبدل أشكالها ولكثرة إختلافها ولسهولة لبسها ومزاجية خلعها أو لربما العودة إلى إعتناقها بعد تركها، هي لاهوتية وطوباوية تارةً وطوراً قتالية مهاجمة أودفاعية عاجزة.

هيهات إذن بين المعتنق للفكرة العلمية، الآهث إليها، المطور لها، المتسلح بالرادع الأخلاقي صورياً، يخوض صراعاً يستخدم له كل ما أوتي من قوة ومن مرابط المدفعية والأسلحة التقليدية والدروع النووية والإختراعات التكنولوجية والتقنية الإلكترونية وتلك الذرية وعلم الفوتون والنانو، وبين من هم في الجهة المقابلة يقفون متكتفين متمسكين بالفقر والقهر والحرمان حد العشق على الرغم مما أغدق عليهم من الثروات والنعم، لقد وصل هؤلاء مرحلة التقليد وفي أحسن الأحوال هم أتقنوا فن النقل يتتلمذون عليه، يلبسون الطاعة وقد طوروا لأجلها التضرع والدعاء.

على الواهمين المتصارعين في هذا الشرق والمتخيلين الحالمين أن يعوا أن ليس هناك شيء إسمه حوار (لا ديني ولا حضاري ولا بين الأفراد)، ففكرة الحوار ترتكز بجملتها إلى الوصول إلى الواحد والواحد لا يمكن تحقيقه بالمتنافرات وبالتجربة الإثنين مشروع خلاف أما الثلاثة وما فوق فعودة حتمية إلى الإختلاف وللتذكير فإن الواحد عند الجمع هو مبدأ الأشياء.

أحزاب البعد الواحد والتكتيكيات العقائدية ذات الإيديولوجيات الفكرية، تعشق التراث وتعاند التجديد بل تحسبه بدعة وكفر بالتاريخ بحاجة إلى تفكيك. تجمعات تقهر الوعي وتمنع تشغيل العقل وتحريك الجسد بحجة الهرطقة وتصنف الفعل الصادر عنها زندقة، القصد منها النيل من الموروث والمنقول من التراث، حتى فكرة التحالف بينهم أو التجديد فمكروهة طالما الأصل موجد والتفسير مشروع والساعي إليها وإن تلميحاً متهم بالردة وله قصاص بُشّر به من أولي الألباب.

الحرب القائمة وتلك القادمة لا يلزمها توصيف بل تغيير، ويقيناً فالوقوف في وجهها وجب أن يكون نقيض الصحوات الخنتريش والممانعات التشبيح، فجلها أشبه بمن يغلف قضيته بكيس، يفنى هو ويبقى الكيس، إنه الجيش الإلكتروني والمحارب فيه مدجج من رأسه إلى قدميه بالتكنولوجية ومواجهته بالعقل الحار الثوري كما يوحي البعض شبه مستحيل، فما بالك والرؤوس الحاضرة تحمل نعوش والأجساد أكفان واليد منكوش لزوم القبور والموت محتوم والتمسك واجب شرعاً بالمنقول لا المعقول.

السابق
ماذا قال والد وسام الحسن لريفي؟
التالي
توقيف 4 سوريين في شبعا لدخولهم خلسة من البقاع