الانتخابات البرلمانية الأهم في تركيا منذ عقود

ستشهد تركيا في 7 يونيو القادم واحدة من أبرز وأهم الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال فترة تزيد عن العقد على الإطلاق. والمفارقة الابرز في هذا السياق انّ أهمّية هذا الاستحقاق الانتخابي لا تكمن في معرفة الحزب الذي سينتصر، فهذه المسألة خارج سياق النقاشات، وانما في نسبة الاصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية وكذلك حزب الشعوب الديمقراطية الكردي.
من المعروف انّه ومنذ انتخاب رجب طيب أدروغان رئيسا للبلاد عبر الاقتراع الشعبي المباشر الذي اجري للمرة الاولى في تاريخ الجمهورية التركية في اغسطس من العام الماضي، فان بوصلة حزب العدالة و التنمية اتّجهت للتركيز على تعديل النظام السياسي للبلاد بحيث يتحوّل من نظام برلماني الى نظام رئاسي.
لكن هناك العديد من العقبات التي اعترضت وتعترض طريق الحزب في الوصول الى هذا الهدف. الانتخابات البرلمانية القادمة هي محطّة مهمّة في تحديد مصير  هذا المشروع، أو على الاقل الآلية التي سيتم التعامل معه فيها في المرحلة المقبلة. فحتى يستطيع حزب العدالة والتنمية تعديل الدستور بشكل اوتوماتيكي دون الحاجة الى مساعدة من اي أحد، يجب ان يحصل على أكثر من ثلثي أصوات البرلمان أي ما مجموعه 367 صوتًا بالتحديد من أصل 550.
تحقيق هذا الهدف ورغم انه غير مستحيل، الا أنّه صعب للغاية وليس مضمونا، لذلك فان الخيار الثاني المتاح على لائحة اهداف حزب العدالة والتنمية هو الحصول على 330 صوتاً من أصل 550. هذا الخيار يتيح للحزب طرح التعديل الدستوري على الاستفتاء العام، واذا ما نال الأغلبية حينها، يمكنه ايضا أن يصل الى نفس النتيجة النهائية الا وهي التحوّل الى النظام الرئاسي.
أما اذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية الوصول الى هذا العدد من المقاعد عبر الانتخابات النيابية القادمة، تبقى امامه نظريا فرصة ثالثة وهي الحصول على بعض الاصوات المكمّلة من الاحزاب الاخرى المتأهلة الى البرلمان. وفيما كان البعض يضع النواب الاكراد المستقلين على لائحة المستهدفين ضمن هذا السيناريو الا انّ آخرين يرون أنّه من الممكن استمالة بعض اعضاء الحزب القومي من المحافظين لاسيما بعدما قرر الأكراد الترشح تحت اليافطة الحزبية لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي لأول مرّة على الاطلاق.
نجاح حزب العدالة والتنمية في تحقيق هدفه الأساسي يعتمد اذاً على نسبة الاصوات وعدد المقاعد التي سيحصل عليها في الانتخابات البرلمانية القادمة، وللمفارقة ايضا فان الخطر الحقيقي على حظوظ حزب العدالة والتنمية في تحقيق اي من هذه السيناريوهات لن يأتي من المعارضة التقليدية (حزب الشعب الجمهوري والحزب القومي) وانما من حزب الشعوب الديمقراطية الكردي.
تقليديا كان المرشحون الاكراد يتقدّمون الى الانتخابات البرلمانية بشكل فردي كمستقلين ذلك لأنّهم كانوا يعلمون تماما بانّهم غير قادرين على خوض الانتخابات كحزب سياسي، لانّ أي حزب سياسي سيحتاج وفق القانون الى 10% من اصوات الناخبين حتى يحق له دخول البرلمان، ولما كان معدّل ما يحصلون عليها دوما هو حوالي 6.6% فقد كان من المستحيل الترشح عبر حزب كردي.
اليوم ولاوّل مرة، يخوض الاكراد الانتخابات تحت يافطة حزب سياسي وهو “حزب الشعوب الديمقراطية”، هذه الخطوة قد تكون مفتاح حزب العدالة والتنمية في الوصول الى اهدافه المذكورة سابقا وقد تكون في نفس الوقت العقبة الوحيدة التي تحول دون تحقيقه اياها! كيف؟
اذا فشل حزب الشعوب الديمقراطية في الحصول على 10% من اصوات الناخبين فهذا يعني أنّه سيخسر كل المقاعد الى الحزب الأكثر شعبية في المناطق التي خاض فيها الانتخابات، مما يعني انّ الاصوات ستذهب في الغالب الاعم الى حزب العدالة والتنمية وستكون بمثابة المفتاح نحو انتصاره الكبير.
أمّا اذا نجح حزب الشعوب الديمقراطية الكردي في الحصول على 10% من الاصوات، فسيكون ذلك حدثا تاريخيا في تركيا وستترتب على هذه النتيجة تداعيات على أكثر من صعيد أهّمها فشل حزب العدالة في تحقيق اغلبية ساحقة، اذ انّ اصوات الحزب الكردي سيتم خصمها من رصيد حزب العدالة والتنمية وعلى حساب القاعدة الكرديّة التي تصوّت للحزب مع توقعات بان يخسر الحزب حوالي 24 مقعدا من المناطق ذات الغالبية الكرديّة، ناهيك عن التداعيات غير المباشرة المترتبة على ذلك من تغيّر المشهد السياسي في البلاد الى مصير شكل النظام السياسي وصولا الى مستقبل عملية السلام الجارية مع الأكراد.

(صحيفة العرب القطرية)

السابق
سامي الجميل : لا شيء يمنع لبنان من ان يقوم ويعود منارة للشرق
التالي
داود أوغلو للأسد: «قادمون»