على جسديّ نتنياهو وزوجته

لم يكد أفيغدور ليبرمان ينهي مؤتمره الصحافي ظهر يوم الاثنين حتى شرع هاتف وزير المالية المستقبلي، موشي كحلون بالرنين. وغرق في مكالمات وطلبات ورجاءات بأن ينفذ تعهده، قبل توقيع الاتفاق الائتلافي، بأن لا يشارك في حكومة تستند إلى 61 نائبا. لم يخطر هذا ببال كحلون. لو كان يؤمن أن لاسحق هرتسوغ، المرشح المضاد، حكومة قابلة للحياة، ربما لتصرف بشكل مغاير. لكن لتراجعه عن اتفاق وقع عليه قبل بضعة أيام مع نتنياهو معنى واحد فقط: انتخابات جديدة، في أيلول المقبل.

ماذا فعل كحلون؟ سارع لديوان رئاسة الحكومة. هناك، على انفراد، أوضح لنتنياهو أن الائتلاف المقلص ذات السمعة المشبوهة التي يخشاها زعيم «كلنا» لا يروق له أبدا والأهم أن قابليته للحياة تقاس بشهور قليلة. وقال لنتنياهو «يجدر جدا بك العثور على سبل لتوسيع الائتلاف بأسرع وقت».
وقد تعهد نتنياهو أمامه بالعمل على هذا الأساس. بعد ثلاث ساعات، في مراسم خالية من الاحتفالية جرى توقيع الاتفاق الائتلافي مع أرييه درعي من شاس، قدم نوعا من الصلاحية العلنية لوعده بإعلانه أمام الكاميرات أن «61 هو رقم جيد، لكن ما هو أكثر من 61 هو أفضل بكثير».
وفرضية العمل السائدة في الحلبة السياسية، بما في ذلك محيط نتنياهو القريب، هي أن كتلة المعسكر الصهيوني ستدعى بالضرورة للانضمام للحكومة. السؤال فقط: متى؟ هل بعد الانتخابات التمهيدية لزعامة حزب العمل في الشهور العشرة القريبة، أم قبل أو بعد ذلك.

وليس صدفة أن هرتسوغ رفض في اجتماع الكتلة يوم الاثنين، اقتراح عمير بيرتس بالتصويت على مشروع قرار يرفض أي مفاوضات مستقبلية مع نتنياهو. وليس صدفة أن هرتسوغ لم يلق خطابا ناريا ضد «حكومة اليمين المتطرف قصيرة العمر». ولكن عندما ينضم المعسكر الصهيوني لن تعود حكومة يمين متطرف ويعود العمر للحركة من جديد، وينبغي الإقرار بأن يائير لبيد يظهر حتى الآن كمعارض أفضل وأشد حيوية من هرتسوغ، الذي نما وترعرع في بيت كان فيه عكس الائتلاف، أي المعارضة، كلمة معيبة. وقد يزدهر لبيد في صحراء المعارضة البرلمانية فيما هرتسوغ قد يضمر ويخسر بسرعة لأسلافه في المنصب. وبالمقابل، فإنه كوزير للخارجية، وعبر الجهد لترميم مكانة إسرائيل المنهارة في العالم، قد يكون بعيدا عن الإطاحة.

وواقع أنه في الخمسين يوما الماضية منذ الانتخابات لم يدع نتنياهو هرتسوغ للقاء ـ ولا حتى لحديث مجاملة على شاكلة ما أدار طوال ساعة وربع مع زعيمة ميرتس، زهافا غالئون، وهي سياسية يقدرها رغم أنها لا توفر انتقاداتها ضده ـ أذهل اللاعبين السياسيين. لقد صدم هذا العروس المقبلة.
كان بوسع نتنياهو أن يتصرف كسياسي كبير، أي أن يقول أن الأمور تبدو من هناك غير ما تبدو من هنا، أو شيء من هذا القبيل، ويقدم لهرتسوغ، كبداية، اقتراحا جديا. لقد اختار المسار الحالي الذي قاده إلى التيه، وإلى أن يتلقى الضربة في اللحظة الأخيرة من نفتالي بينت.
ومن الجائز أن لذلك تفسيرين: إما أن نتنياهو قرر التمسك بتعهده العلني الذي كرره في فترة الانتخابات، بعدم قيام حكومة مع المعسكر الصهيوني. أو أنه اشترط فتح مفاوضات رسمية بإبعاد تسيبي ليفني ورجالها عن الصورة. وهذا الأسبوع زعم أحد المشاركين بإحدى القنوات السرية أن هذا هو السبب. ومرة أخرى تزكم أنوفنا الرائحة المعروفة للألاعيب والمؤامرات الممجوجة ومحاولات التفريق، من النوع الذي أنتج في العام 2009، في بداية ولاية نتنياهو الثانية، «قانون موفاز» سيء الذكر.
في كل حال، المفاوضات الائتلافية لتشكيل حكومة، والتي بدت صبيحة 18 آذار كنزهة بعد ظهر مريحة، ظهرت أمس الأول كرحلة اختتام دورة سييرت جولاني، بكل العرق والتعب والدموع والضربات اليابسة. في الختام بقيت كتلة الليكود وزعيمها، «المنتصر الأكبر» في انتخابات 2015، مهانة وفارغة ومتعبة، مع حقائب وزارية مشابهة لما كان لديها في الولاية السابقة عندما كان لديها 18-20 مقعدا. تشابه عددي ونوعي. فالثمن الذي دفعه نتنياهو من أجل حكومة ضيقة مشابه لما كان عليه دفعه مقابل حكومة وحدة، مع 85 عضو كنيست. وهذا فعلا يتطلب مهارة عالية.

كما لو أن الـ30 مقعدا التي كسبها لم تكن ولم توجد. كما لو أن الضعف النسبي للأحزاب الشريكة كان مجرد خداع بصري وحشي أغشى على أبصارنا.
لقد كانت هذه مفاوضات فاشلة بافتخار. فالأحزاب المشاركة لم تكلف نفسها عناء تنظيف الزبد عن الشفاه. لقد خرج ممثلوها من غرفة المفاوضات كمتصارعين، يهتفون فرحين فيما أجسادهم تنزف. في مطلع الأسبوع القريب سيحين دور أعضاء الليكود لمواجهة مصيرهم. وحرب التوزير على الأبواب، والأمة في توتر، فحضّروا المناديل.
أسلوب غير ناجح
مرارا ذكرت في هذه الصفحة تعبير «أسلوب نتنياهو». وقد أطلق هذا التعبير أحد الليكوديين قبل سنوات طويلة لوصف خطوات مختلفة للزعيم، ليست بالضرورة ناجحة. وهناك من يهزأ بنتنياهو وسحره ويقول: «إنه من أولئك الذين يقفون ساعات طويلة، يجادل البائع، وفي النهاية يدفع أعلى ثمن ويخرج من دون البضاعة».
لا سبيل أفضل لوصف المفاوضات الائتلافية التي أدارها نتنياهو مع نفتالي بينت. لقد بدأت بقطيعة طويلة، وبتجاهل مديد. بعد ذلك تم التوضيح لممثلي البيت اليهودي أنهم سينالون حقيبتين فقط لبينت وأوري أرييل. والقصد كان واضحا: أييلت شاكيد، المكروهة من نتنياهو وزوجته، لا شيء.

بعد ذلك: عندما لم يكن هناك مفر وبين الأشواك، تم الاتفاق على أن كتلة من ثمانية مقاعد تنال ثلاث حقائب. هكذا تنال شاكيد وزارة. في البداية جرى الحديث عن أن وزارتها شبه وزارة. لكن بينت أصر والليكود استجاب وعدل العرض لتغدو وزارة الثقافة والرياضة. شاكيد كانت فرحة ووصفت هذه الحقيبة بأنها «الأفضل في العالم».
والمرحلة التالية في رحلة عذاب جماعة بينت كانت النظر بحزن إلى توقيع الاتفاقيات مع كحلون من «كلنا» وليتسمان وجفني من «يهدوت هتوراه» ودرعي من شاس. وكان حفل التوقيع الرابع، وفق المخطط، مع أفيغدور ليبرمان، زعيم إسرائيل بيتنا. بينت المسكين، المرفوض والمستبعد، أعد ليكون آخر المحتفلين. في الليكود، كما البيت اليهودي، قناعة بأن أمر التجفيف جاء من القيادة العليا، أي من غرفة النوم في مقر رئيس الحكومة في القدس.

لكن حينها ألقى ليبرمان قنبلة وانقلب الوضع رأسا على عقب وانتهت المفاوضات الائتلافية بأييلت شاكيد وزيرة للعدل، ورئيسة للجنة الوزارية للتشريع وعضوة كاملة، بموجب القانون، في المجلس الوزاري المصغر. بينت اتخذ القرار: وزارة العدل أو أننا خارج الحكومة. وأبلغ رئيس طاقم المفاوضات عن البيت اليهودي، شالوم شلومو، الطلب الجديد الذي لا مساومة حوله لنظيره عن الليكود، المحامي دافيد شومرون مساء يوم الثلاثاء. بعد ساعتين من المجادلات البائسة لشومرون، خاطب شلومو بينت وشاكيد هاتفيا ليبلغهما أن الوزارة باتت بأيدينا.
وقبل كل شيء ينبغي على بينت أن يرسل أكليل ورد هائل لوزير الخارجية المنصرف، الذي ساعد على انتهاز الفرصة ومضاعفة المكاسب. وهذه هي المرة الثانية التي لا يلتزم فيها نتنياهو بما نذره لنفسه، بالمحافظة على وزارة العدل لحزبه. لقد أخلّ بالعهد المقدس العام 2013 عندما عين تسيبي ليفني واليوم عندما منع الوزارة عن حبيب قلبه يوفال شتاينتس الذي كان دهز نفسه للمنصب السامي.

&
nbsp;والمرأة الشابة، السياسية الواعدة، التي كانت رئيسة مكتب زعيم المعارضة لنتنياهو في السنوات 2006-2007 (إلى جانب رئيس الطاقم بينت) وأخرجت من هناك مبعدة ومهانة وغير مسموح لها حتى بمصافحة الزعيم، ستغدو ابتداء من الأسبوع المقبل وزيرة رفيعة المستوى، لا مفر لرئيس الحكومة سوى الاجتماع بها، وعقد لقاءات معها، والتحدث إليها هاتفيا، وحتى في أيام السبت، يوم قبل اجتماع اللجنة الوزارية لشؤون التشريع التي سترأسها.
أي دراما إنسانية. بالمناسبة، حتى هذا اليوم لم يصافح نتنياهو يد شاكيد، ولا حتى عند التوقيع على الاتفاق الائتلافي وعندما جلست مسافة نصف متر بعيدة عنه. والنكتة الأخيرة في الليكود هي أن نتنياهو سيبذل جهدا فائقا لضم هرتسوغ إلى حكومته في الأسبوعين المقبلين، قبل أداء اليمين القانونية للوزراء حتى لا يضطر لمصافحتها.
ومثير للاهتمام كيف استقبل بيت نتنياهو التطورات الأخيرة. فالنزاع بين شاطيد وسارة نتنياهو غدا أسطورة ليكودية وفي البيت اليهودي. إنها الضغينة بشدة شكسبيرية لم يكتب عنها سوى القليل. ويقولون أن أبواب جهنم فتحت وحل الظلام على البلاد حينما غدت رئيسة المكتب الشابة وزيرة وهي التي كانت تقول لزوجة نتنياهو إنها لا تعمل عندها، بل عند زوجها وأنها لا تنوي إطلاعها على أسرار الديوان ولا الثناء على لباسها أو العمل كذراع طويلة لها.
في عالم سارة، زوجة نتنياهو، لا مكان للصفح أو الغفران. وليس صدفة أنها قالت مرارا إن شاكيد لن تعين وزيرة في حكومة نتنياهو إلا على جثمانها. لقد قالت. قبل عام اشترطت هذا أيضا لانتخاب روبي ريفلين رئيسا للدولة.
في الأسبوع المقبل، يوم الخميس كما يبدو، وزراء الحكومة سيذهبون لمقر الرئيس، لالتقاط الصورة التذكارية. والرئيس سيمنح ربما عناقا كبيرا لشاكيد. فالاثنان مرا بالجحيم ونجيا.

 

 

على حبل رفيع
في مسودة الخطوط الأساسية للحكومة التي عرضها طاقم المفاوضات عن إسرائيل بيتنا على رفاقهم في الليكود، نص صريح بأن المخربين المدانين، بشكل تام، سيكون حكمهم الموت. وتفصل المسودة سبل إعدامهم. شنقا، والمدة القصوى بين الحكم النهائي وتنفيذه: ثلاث ساعات. والسابقة التي تم اعتمادها هي الإعدام الوحيد في تاريخ إسرائيل، لأدولف آيخمان النازي.
وهذه هي المرة الوحيدة التي يعرض فيها حزب طلبا مفصلا كهذا كجزء من المفاوضات الائتلافية. وأوضح رجال ليبرمان أن هذا بند لا يخضع للمساومة. لاحقا تبين أن هذا كان مصباح تحذير لنوايا زعيم الحزب ولم يلتفت إليه أحد. فلا أحد في الحلبة السياسية أو الإعلامية صدق أن ليبرمان سوف يتنازل عن وزارة الخارجية ويختار الجلوس في المعارضة. صحيح أنه سبق وأوضح أن لديه خطوطا حمراء وأنه لن يشارك بكل ثمن.

وبعد يومين من إعلان انسحابه، بدا وزير الخارجية كمن تحرر من الأعباء. فهو يعرف أنه لم يخطط منذ زمن طويل لهذا الانسحاب. والفاهمون، أو مدعي الفهم، يقسمون أنه كان يدير حرب خداع لحشر نتنياهو في الزاوية المستحيلة مقابل نفتالي بينت. وقد فهم من اللحظة الأولى أنه في هذا ائتلاف سيكون أشبه بالفيروس الذي تم إضعافه. وأنه سيكون في منصب رفيع ولكن من دون تأثير. وفي عمره وحالته ومنظومة علاقاته السيئة مع نتنياهو، والاحتقار المتبادل، كانت الخلاصة واحدة.
وبداهة أنه يستلذ بالدراما الكبيرة التي أحدثها. وقال راضيا قبيل تقديم استقالته: «أنا محبوب الإعلام الإسرائيلي. ماذا كنتم ستفعلون من دوني، الوضع سيكون مضجرا. لقد توصلت لاستنتاج أنه ليس ما نبحث عنه هناك فقط عندما رأيت الاتفاق الائتلافي مع يهدوت هتوراه. عمليا كان واضحا لي أنه لا يمكننا الانضمام. المساواة في الأعباء، قانون القومية، قانون التهويد، التعليم الجوهري، كل الأمور الهامة لنا، كل راياتنا، غير مقبولة»
ويؤكد ليبرمان: «لم ألعب ألاعيب. من اللحظة الأولى أوصينا على نتنياهو لدى الرئيس. لكننا قلنا، لسنا في جيب أحد». وبعد سنوات طويلة نظر إلى المعارضة باستخفاف، من وراء كتفه، من كرسي الوزير، ينوي مفاجأتنا. المشككون توقعوا انسحابه من الحياة السياسية إذا لم يشارك في الحكومة. هو يعد «سوف أركض بين اللجان، وأحضر كل التصويتات».

وهو ينوي أن يلعب كعازف منفرد ويقول: لا نية عندي للتعاون مع الرفاق، لا مع أيمن عودة من القائمة العربية ـ الذي يعتبره ورفاقه «طابورا خامسا» ـ ولا حتى مع هرتسوغ وغالئون. إسرائيل بيتنا ستكون الكتلة التي تتحدى الحكومة، والليكود والبيت اليهودي، من اليمين. الأخريات سيتحدونها من اليسار.
ويقر ليبرمان أن عليه اختراع نفسه من جديد في الولاية الحالية، وأن يبدأ سيرته، وهذه هي فرصته الأخيرة للانتقال من ميل الضعف لحزبه (من 15 مقعدا العام 2009 إلى 11 في العام 2013 إلى 6 حاليا). لقد توصل إلى خلاصة بأن الارتباط بنتنياهو أضر به، وأن الانفصال عنه قد يساعد.

(السفير)

السابق
عرسال «ملجأ» المسلحين بعد تراجعهم في القلمون!
التالي
لا «زعامة» مسيحية في لبنان