عرسال «ملجأ» المسلحين بعد تراجعهم في القلمون

القلمون

كتبت صحيفة “السفير” تقول : لا يمكن للجولة في جرود القلمون، وبالتحديد ضمن الـ45 كيلومتراً مربعاً التي سيطر عليها الجيش السوري و “حزب الله” في جرود عسال الورد السورية الأسبوع الماضي، ومعها وجهة انسحاب المسلحين باتجاه شمال شرق الجرود، إلا أن تزيد القلق على عرسال وأهلها ومخيمات النازحين فيها ومن حولها.
ومع تقلص المساحة التي كان يسيطر عليها المسلحون في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان وجرود القلمون السورية، وانسحابهم نحو جرود الجبة ورأس المعرة وفليطا وصولاً إلى جرود عرسال، فقد يؤدي استمرار المواجهات بالوتيرة نفسها إلى تمركزهم في جرود عرسال وحدها، وما يقضمونه من أعالي جرود القاع ورأس بعلبك.

 

وليس خافياً على أحد أن “جبهة النصرة” و “داعش” يبنيان “استراتيجيتهما اللبنانية” (الحدودية) تبعاً للحسابات والتوازنات اللبنانية الدقيقة. فالمجموعات المسلحة تتعامل مع جرود عرسال وكأنها ملجأهم الأخير الأكثر أماناً، معتمدين على واقع أن “حزب الله” ليس بوارد اللحاق بهم إلى هناك حالياً، ومراهنين على أن الانقسام السياسي في لبنان قد يحول دون اتخاذ الجيش اللبناني مبادرة من نوع السيطرة على جرود عرسال، ممارساً حقه الطبيعي في الإمساك بزمام الأمور من النهر الكبير إلى الناقورة. الجيش نفسه، يضع اليد على الزناد محكماً الطوق على المسلحين في جرود عرسال، قاطعاً عليهم حرية الحركة التي طالما تمتعوا بها قبلاً، بعدما فرض سيطرته على المنافذ التي تصل عرسال البلدة بجرودها.
ثمة قنبلة قابلة للانفجار من البقاع الشمالي إذا استمر انسحاب المسلحين من الجرود السورية نحو الجرود اللبنانية (عرسال والقاع ورأس بعلبك)، وبالتالي تمركز عديدهم وعتادهم على مساحة 400 كيلومتر مربع (مساحة جرد عرسال) وفي مواجهة الجيش اللبناني وحده، بعدما كانوا منتشرين على ألف كيلومتر مربع ومحاصرين من ثلاث قوى: الجيش السوري و “حزب الله” والجيش اللبناني.

 

ومن معسكراتهم المهجورة، وبالتحديد في أعالي دير الحرف المطل على بلدة عسال الورد في ريف دمشق، ترسم الجغرافيا والتطورات العسكرية بعضاً من المشهد العام لما قد تؤول إليه المعطيات العسكرية. من هناك، تسمع أصوات الاشتباكات في جرود الجبة، ومن حول سفوح جبل الباروح وقرنة صدر البستان وتلة موسى، القمم الثلاث الأعلى في السلسلة الشرقية بعد جبل الشيخ. مواقع تشي بأهمية المرحلة المقبلة من المواجهات على الصعيد الاستراتيجي، حيث تمنح المتمركز فيها السيطرة بالنار على كامل مناطق القلمون المفتوحة، سواء على المقلب الشرقي نحو سوريا أو الغربي باتجاه لبنان، كما تضع جرود عرسال “كالصحن” المفتوح من أعاليها.

 
ويمكن للمحة سريعة عن عديد المسلحين ومناطق توزعهم توضيح الخطر المحدق الناتج من تمركزهم المحتمل في جرود عرسال، بعدما كانوا موزعين على نحو ألف كيلومتر مربع من الجرود السورية واللبنانية، بطريقة لا تجعل مواجهتهم في تلك الجرود (جرود عرسال) اليوم بالصعوبة التي ستكون عليها في المستقبل بعد تجمعهم فيها.
قبل المواجهات الأخيرة، كان عديد المسلحين يبلغ نحو ثلاثة آلاف عنصر ما بين “النصرة” وتحالفاتها، و”داعش” والمبايعين له بيعة كاملة. يمتلك هؤلاء عتاداً كاملاً من الأسلحة الخفيفة والثقيلة بما فيها عدة تفخيخ السيارات. السلاح الثقيل يحرصون على تهريبه قبل عناصرهم. ذلك كان واضحاً إلى درجة أفشل بعض المخارج التي كانت مطروحة لانسحابهم من القلمون باتجاه ريف حمص ثم الرقة، كونهم رفضوا أي انسحاب بلا أسلحتهم، فتعثر الاتفاق.

 
وإذا نجح الجيش السوري و “حزب الله” في السيطرة على كامل جرود البلدات السورية، (كما حصل في عسال الورد)، مثل جرود الجبة ورأس المعرة وفليطا وجراجير وصولاً إلى أعالي جرود قارة، فستتقلص المساحة التي يسيطر عليها المسلحون من 992 كيلومترا مربع إلى 400 كيلومتر مربع هي مساحة جرود عرسال وحدها.
ويمكن تصور الوضع مع وجود نحو 2500 إلى 3000 مسلح مع نحو 150 رشاشا ثقيلا من عيار 23 ملم و14.5 ملم و12.7 ملم (دوشكا)، ومئات الصواريخ المضادة للدروع (موجهة)، منها “كورنيت” بمدى 5 كلم و “فاغوت” بمدى 4 كلم، و “تاو” وهو صناعة أميركية يصل مداه إلى 4 كلم و “رد آرو” (3.5 كلم) وهو صناعة صينية الأصل قلّدته باكستان، وهذان سلاحان لا يمتلكهما الجيش السوري نفسه. كما لديهم عدد قليل من الدبابات وناقلات الجند، ومدافع هاون وصواريخ بصناعة محلية وصواريخ 107 يصل مداها إلى نحو سبعة كيلومترات، و “غراد” بمدى 22 كيلومتراً، بالإضافة إلى جرافات وشاحنات كبيرة. إمكانات ووقائع تطرح مخاوف جدية من أن يجد الجيش اللبناني نفسه لاحقاً في مواجهة حتمية مع جيش مجهز بأحدث الأسلحة.

 
هنا، في الجرود، لم يترك مسلحو “جبهة النصرة” الذين فروا من الجرد الملاصق لجرود بريتال اللبنانية وجرود عسال الورد السورية، عتادهم وأسلحتهم ومؤنهم ومعسكراتهم فقط. ترك هؤلاء “خرائط” مخططاتهم وتحالفاتهم وداعميهم.
هزيمة “النصرة”، تتكشف بعد ولوج أعالي جرود بريتال اللبنانية باتجاه عمق القلمون وبالتحديد نحو عسال الورد السورية، مع المعسكرات المهجورة التي تركها عناصرها وهم على عجلة من أمرهم: هنا قدر يحتوي على طعام كان ما زال على نار مشتعلة. هناك كرات حديدية كانت تستعمل لتجهيز عبوة ناسفة، وهناك عبوة حاضرة موضوعة في دولاب سيارة لدحرجته نحو مواقع “الخصوم” من أعالي التلال القريبة.. وهناك “الصيدليات النقالة” وأدوات تضميد الجراح والكسور.. هناك الكثير غيرها.
والأهم تلك السيارات والآليات. سيارات وجد بعضها مفخخاً ينتظر ساعة الصفر للسير به نحو المناطق المستهدفة. معظم السيارات المثيلة تحمل لوحات لبنانية، ما يشي بوجهتها.
ومن أعالي حرف الدير الذي يطل على عسال الورد السورية، يبدو واضحاً أن المعارك الأخيرة قد فصلت نهائياً بين شمال شرق القلمون والزبداني والمناطق المحيطة به، بعدما أحكم الجيش السوري و “حزب الله” سيطرتهما على كامل جرود “عسال” البالغة 45 كيلومتراً.

 
وفي مواقعهم التي انهزموا منها، ترك المسلحون المساعدات والدعم الذي يوضح طبيعة ما يحصل. أغطية وأعتدة ممهورة بتوقيع “الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سوريا”، أدوية تركية بصناديق عسكرية، أغذية قوامها المساعدات التي تصل إلى النازحين في تجمعاتهم ومخيماتهم. هناك بين الأودية البعيدة في قلب السلسلة الشرقية، وعلى عمق يزيد عن عشرين كيلومتراً ستجد كل شيء في معسكراتهم من صناديق البيض إلى الأرز وكل أنواع الحبوب والأدوية ومستلزمات الإسعاف، لتسأل تلقائياً من أين لهم كل هذا وهم المحاصرون جغرافياً عن بلدات الريف الدمشقي وعن لبنان باستثناء جرود عرسال؟
لا يمكن لقاصد سلسلة جبال لبنان الشرقية من جرود بريتال نحو عسال الورد السورية إلا أن يتذكر، ومع الطرق التي شقها المسلحون في كل مكان، كيف تحولت السلسلة من جغرافيا منسية لبنانياً وربما سورياً منذ “سايكس بيكو” إلى أن حطت الأحداث السورية رحالها في قلبها.
ترتاح البلدات اللبنانية المحاذية للسلسلة الشرقية كلما ابتعد الخطر التكفيري عنها يوماً بعد يوم، لكن يتضاعف القلق على عرسال وجردها.

السابق
التيار الوطني: دعونا ندخل المشكل منذ الآن «المنازلة الكبرى» في القلمون تبدأ اليوم؟
التالي
تقدّم للجيش السوري وحزب الله في القلمون.. معارك في جرود عرسال: مقتل أحد مسؤولي «داعش» وأسر 6 من «الجبهة»