أزمة شيعية بعد 30 حزيران: كيف سيتخلى حزب الله عن عسكره؟

يبدو أننا قادمون على مرحلة جديدة ستفرض على حزب الله "الجهادي" الإنخراط ببنية جديدة بعيدة عن السلاح والقتل والجهاد والحروب. فهل سيستطيع حزب الله مجارات هذه المرحلة والإنخراط بالدولة كما فعلت أغلب الأحزاب والميليشيات اللبنانية عندما سلّمت سلاحها بعد اتفاق الطائف؟

لا شك بأننا نقف الآن على مفترق طريق مصيري، وبأن كل المؤشرات باتت تنبّئ بشكل واضح بأن المنطقة قاب قوسين لدخولها في مرحلة جديدة، وبأن صفحة مختلفة سوف تفتح، وسيرسم عليها خارطة طريق لمستقبل مغاير عما نحن عليه، مما يعني أن أدوات كثيرة لن تعد صالحة للعب دورها في الأيام القادمة.

خصوصاً إذا ما كانت هذه الأدوات لا تحمل رؤية مستقبلية تنسجم مع ما هو مطروح أو أنها لا تمتلك ديناميكية برغماتية تسمح لها إعادة التأقلم وبأن تكون حاضرة وفق المتغيرات المرتقبة، بالخصوص في هذا السياق يؤشّر بالبنان على حزب الله ومشروعه السياسي.

فإن كانت الأحزاب والحركات السياسية اللبنانية قد “تخضرمت ” وأثبتت مرونة كبيرة كانت استفادت منها خلال تاريخ طويل وتجارب متعددة الظروف والمناخات، ونجحت الى حد كبير بالانتقال من مرحلة الحرب الاهلية والميليشيات وتحولت إلى أحزاب وحركات سياسية ( بالرغم من احتفاظها بعقلية الميليشيات) إلاّ أنها استطاعت والى حد كبير اجتياز هذا التحول.

فحركة أمل مثلا استطاعت أن تتخلى عن بندقيتها بعد الطائف، ونجح الرئيس بري أن يتحول من رئيس مجموعات مقاتلة الى رجل دولة ورئيس مجلس نيابي من دون أن يؤثر هذا الانتقال على البنية الوجودية للحركة، ومن دون ان يشعر أبناء أمل أنهم نزعوا جلودهم أو تخلوا عن مشروعهم السياسي، وبالتالي جاء هذا الانتقال بشكل سلس وبدون أضرار تذكر، هذا إن لم نقل أنهم شعروا بمكان ما بأن مرحلة الاستفادة من مقدرات الدولة والدخول إلى نعيمها ووظائفها ومراكزها ما هو إلا القطاف الآتي والمنتظر الذين ناضلوا من أجله من وجهة نظرهم.

أما على مستوى حزب الله فالأمر مختلف جملة وتفصيلا، إن من حيث الركائز الفكرية التي عليها يقوم مشروعهم السياسي ( إن وجد )، أو من حيث الظروف الموضوعية التي ساهمت وتساهم في هيكلة الحزب وانشائه والتسبب في ولادته.

فلطالما عرّف الحزب عن نفسه بأنه ” حزب جهادي يتعاطى السياسة ” وبمعنى آخر فإن حزب الله نفسه لا يمكن أن يرى له وجود خارج منظومة ” الجهاد ” والحروب والسلاح والبندقية والقتال والشهادة والجبهات والخنادق والمتاريس، فهذه الأدبيات وغيرها من المصطلحات “الجهادية ” إنما تشكل وإلى حد بعيد علّة العلل في كيوننته وخروجه إلى حيز الوجود، ولحظة التخلي عنها وتركها طوعا أو كرها فهذا يعني الموت المحتم والنهاية المؤكدة.

فالحرب والحروب انما تشكل بالنسبة لحزب الله (وكل الحركات الجهادية) الرئة التي منها فقط يمكن أن يتنفس، وهي بالنسبة له تماما كما الماء بالنسبة للسمكة.

فإذا ما اقرينا بأن إيران قد حسمت خيارها بالذهاب إلى التسوية السياسية مع دول العالم، وهذا يستدعي حتما خضوعها الطوعي للـ ” السيستام ” الدولي، مما يفرض بأن حزب الله سيجد نفسه أمام مرحلة جديدة تحتاج إلى آليات جديدة هو لا يمتلكها ولا يتقنها ولن يتمكن من مجاراتها، وهذا ما يحتم على الشيعة بشكل عام والمعارضه الشيعية بشكل خاص أن يكونوا على قدر المسؤولية وبأن يتجهزوا لمرحلة لا بد أنها قادمة مع توقيع ايران للاتفاق النووي النهائي مع الدول الكبرى في 30 حزيران من العام الحالي.

فالمعارضة الشيعية لن تتمكن من خلق بدائل مطلوبة اذا ما استمرت على ما هي عليه من تشرذم وتفرق، بالخصوص اذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن حركة أمل لا تستطيع أن تشكل “وريث ” طبيعي بسبب ما أصابها من ترهل، مما يعني أن أزمة حقيقية تنتظر الشيعة اللبنانين الغير مجهزين بعد لما هو قادم من مرحلة جديدة، بسبب سياسة الهيمنة والتفرد المفروضة عليهم، والتي قضت على أي ديناميكية داخلية تسمح بخلق بدائل يمكن ان تفرضها متغيرات فجائية.

وهنا لا بد من إجابة استباقية لقائل، بأنه من المبكر الحديث عن مرحلة ما بعد “عسكرة حزب الله”، والتذكير بأن 30 حزيران (موعد توقيع ايران للاتفاق النووي النهائي) ليس ببعيد، وبالتالي فإن كل ما نشهده هذه الأيام وما يحكى عن معارك في القلمون وغيرها لا يعدو اكثر من مكابرة ونكران لما هو آت، نكران لا يمكن أن يوصف إلا باللعب المتهور. لأن اللعب الآن هو بسفك المزيد من الدم بدون أي جدوى بكل اسف.

السابق
فنيش: نرفض الإنضواء تحت القانون الدولي
التالي
تحقيقات حول فرار سجناء في شرق العراق