مبادلة الأسرى بأسلحة وأموال.. والإفراج عن معتقلين جلبوا من الشوارع

انسحب أبو منير والمجموعة المرافقة، وتم تسليم المعتقلين إلى مجموعة أخرى، وبدأت الأمور تتجه نحو تحرير المناطق، كانت المجموعة الأولى قد أمضت أكثر من شهر وهي تحمي الإيرانيين، ومن بعدها تسلمتهم مجموعة أخرى، لكنها ما لبثت أن تمردت على الأمر، وطلبت إعفاءها من حراستهم.

«الإيرانيون متطلبون، والمجموعة الجديدة لم تحتمل كثرة طلباتهم وتذمرهم الدائم، لقد قال قائد المجموعة الجديدة أبو عدي الحمصي أنه تعب منهم ولا يريد المتابعة، فعدنا إلى حراستهم، كنت وأمير محمود الذي قتل لاحقاً نتولى قسماً منهم ويتولى أبو محمود نمورة قسماً آخر»، يقول أبو منير.

مر أسبوعان على المجموعة الجديدة وهي تحرس الإيرانيين، وحاولت في تلك الأثناء مجموعة أخرى من الجيش الحر خطفهم، لكنها فشلت بعد اكتشاف محاولتها التسلل. وعرض جيش الإسلام على السجانين وقيادتهم تسليمه المخطوفين مقابل «بدل ما» كما يقول أبو منير، على أن يتكفل جيش الإسلام بحمايتهم «ريثما تنتهي المفاوضات»، ولكن هذا العرض رفض أيضاً.

ومنذ لحظة بدء المفاوضات، كان المفاوضون العرب والأتراك يعلمون أبو النصر كيفية الحفاظ على سرية المفاوضات، وعدم إطلاع أي كان عليها، وإبعاد شركائه المحتملين بالعمل حتى لا يكونوا حجر عثرة لاحقاً في طريق التبادل، هذا ما يرويه أحد القادة في المنطقة الذي كان ملتصقاً بأعمال أبو إبراهيم الإدلبي وعدد آخر من القادة المعنيين بالتفاوض.

تغيرت سياسة أجهزة أمن النظام ظاهرياً، وعلى رغم محاولتها للوصول إلى المخطوفين ولو بالقذائف وتصفيتهم إلا أنها في الجانب الظاهر بدأت تسعى لابتزاز الخاطفين لإطلاق سراح الإيرانيين المعتقلين، فتم إلقاء القبض على مجموعة من النساء، من ضمنها زوجة زهران علوش قائد جيش الإسلام، وأتى بيان من الخاطفين ترافق مع تعثر في المفاوضات، بأن عدم إطلاق النساء سيؤدي إلى إعدام جزء من المعتقلين، فأطلقت زوجة زهران.

في المقابل، خطفت القوات التابعة للنظام عائلة أحد المشاركين الرئيسيين في عملية الخطف، واتصلت به لمساومته، فأخبرها بأن عائلته ميتة منذ لحظة اعتقالها. وتوجه مع مجموعته إلى أماكن سكن ضباط في الجيش، واعتقل أربعة من الرتب العالية في القوات الخاصة، وبعد ذلك تمت عملية تبادل على أحد معابر الغوطة الشرقية.

مجدداً ومرة أخرى تم نقل الإيرانيين إلى ملجأ في مبنى في منطقة زملكا، كان الحراس قد ألفوا سجناءهم، وأطلقوا عليهم أسماء جديدة بعد أن يئسوا من حفظ أسمائهم الحقيقية، فسموا هذا محمد وذاك حسن وآخر سفروت، وغيرها من الأسماء. المكان الجديد كان محاطاً بأسوار عالية، فترك السجانون مساجينهم ليلعبوا كرة القدم في الشمس ويتحركون في أرجاء المكان نهاراً، وكان المسبح أحد أفضل هوايات المعتقلين، حيث يمكنهم السباحة منذ فتح باب الغرف عند الساعة السادسة صباحاً.

«أخبرناهم أن ضمانتهم الوحيدة هي البقاء معنا، وأن هروبهم سيضعهم في أيدي مجموعات أخرى قد تقتلهم فوراً، يبدو أنهم اقتنعوا بالأمر، ومرة واحدة فقط حاولوا سرقة سلاح أحد الشبان بعد أن هاجموه، لكن طلقة واحدة فوق رؤوسهم كانت كافية لإعادة الهدوء إلى المكان» يقول أبو منير.

«تخيل أنهم لم يوافقوا على تدخين «الحمراء» (سجائر سورية) وكنا نعطيهم دخاناً أجنبياً، في وقت كنا لا نتمكن من إطعام مقاتلينا في الكتائب المقاتلة ضد النظام، وحين أطلق سراحهم سمعت عبر الإعلام أنه تمت مبادلتهم بألفين من المعتقلين السوريين والسوريات، ولكن لم يطلق أي شخص من منطقة دوما» يقول، ثم يكرر: «لم يخرج شخص من دوما من السجن، هذا كذب، الأسماء الواردة على اللوائح التي تقدمت بقيت في السجن».

ذخائر ومطاردات

وصلت المفاوضات مرات عدة إلى طرق مسدودة، كان يتم خلالها التهديد على لسان أبو النصر بتصفية معتقلين بحال لم تتحرك الأمور، ثم تعود المفاوضات إلى مسارها، ليس من دون تعرض المعتقلين إلى الكثير من الأهوال، سواء من آسريهم، أو من النظام الذي لاحقهم من مكان إلى آخر محاولاً تصفيتهم قصفاً حيناً وبالصواريخ من الطائرات أحياناً، وتمكن في مرات عدة من إصابة مرافقي المعتقلين بجراح أدت إلى تغيير طاقم الحرس برجال آخرين ونقل المعتقلين من مكان إلى آخر.

تحررت منطقة دوما في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢، الإيرانيون لا يزالون في ملجأ بناء في زملكا، وبدأت حالات المرض تظهر عليهم، «كان من المستحيل إخراجهم إلى الشمس، المكان مليء بالسكان والنظام يبحث عنهم، ومع تحرير دوما أصبح القصف لا يهدأ، والطائرات تغير علينا، كل ما تمكنا من فعله هو المجيء لهم بالأطباء» يقول أبو منير الذي قُتل شقيقه في تلك الفترة بعمليات القصف، وحاول الانتقام من أحد الأسرى، ولكن ما إن أغمي على الأسير من مشهد البندقية في وجهه حتى ندم أبو منير وحار كيف يوقظه، لا سيما أن قيادته كانت تشدد عليه دائماً بعدم التعرض للأسرى.

من شدة القصف كان هناك تخوف من مقتل الإيرانيين، وخرج أبو النصر ليقول أنه بحال لم يتوقف القصف فسيتم إعدام إيرانيين، وتم أيضا إطلاق إعلان كاذب بمقتل ثلاثة منهم خلال عمليات قصف النظام، إلا أن القصف كان يهدأ لساعات ثم يعود ليشتد ودائماً في المناطق المحيطة بأماكن وجود المعتقلين وحراسهم.

رصد النظام عبر الخروقات الأمنية الموجودة أماكن تقريبية للمعتقلين، وهي الأماكن التي كانت تتعرض للقصف الأشد في مناطق دوما وزملكا، وأين ما نقل الإيرانيون. وكان الاستهداف واضحاً، وبات الحرس والمعتقلون يفرون منتقلين من مكان إلى آخر كل بضعة أيام، ويختبئون ممتنعين عن الظهور أو كشف أماكن وجودهم، إلا أن نقل الطعام إليهم بكميات كبيرة كان كافياً لمعرفة أماكن اختبائهم.

انتهت المفاوضات إلى الاتفاق على تبادل، لكن بند إطلاق معتقلين من جانب النظام كانت الأقل ثانوية، وصلت المعلومات إلى مناطق وجود المعتقلين وإلى محيط دمشق بأن عناصر النظام تقوم بحملات اعتقالات عشوائية لنساء ورجال في الشوارع، على أن تُجرى مبادلتهم لاحقاً ضمن الصفقة، بينما أهملت اللوائح الاسمية التي قدمها الثوار، لا بل كان النظام يخفي عدداً من الرجال والنساء المعتقلين في سراديب الاعتقال بعد وصول أسمائهم، أو يتم تحذير الأفرع الأمنية وقادة المعتقلات من تسليمهم، ويطلب عزلهم عن باقي المعتقلين والمعتقلات، بخاصة الناشطين والناشطات.

ويروي أحد قادة الجيش الحر المرافقين لأحداث تلك الفترة أنه عند وصول المفاوضات إلى نهاياتها، اتجه أبو محمود نمورة وشخص مقرب من أبو النصر إلى تركيا، حيث تسلما وفق الاتفاق شحنة من الأسلحة والذخائر شملت ضمن ما شملت مضادات أرضية، و٥٠٠ بندقية AK47، وكميات من الذخائر. وبدأت عمليات تمويل مؤسسة البراء الإغاثية ومقرها في دوما كجزء أيضاً من الصفقة المتفق عليها، التي ستضخ الأموال والأدوية والغذاء بإدارة أبو سليمان حديد (شقيق أبو جمال حديد).

وشمل الاتفاق أيضاً تقديم مبلغ مالي مقابل كل معتقل من الإيرانيين، وأقل رقم تم تداوله هو مليون دولار للمعتقل الواحد، بينما قالت مصادر أخرى متابعة أن الرقم وصل إلى مليوني دولار للمعتقل الواحد.

«كان القصف يشتد، وقوات النظام شديدة القرب من مكاننا، فقررنا الانتقال إلى مكان آخر مجدداً، وبقينا بضعة أيام أخرى في قبو جديد، ألقي علينا هناك صاروخ كبير، ولم يصب أحد، ولكنه كان واضحاً أنه يستهدفنا، وأن النظام حدد مكاننا مجدداً» يروي أبو منير، ويتابع قائلاً: «وبعد يومين خرجت لأحضر الطعام من سيارة التموين على غير عادتي، كان من المفترض ألا أخرج من الملجأ وألا أظهر في الشارع، ولحظة خروجي لجلب الطعام سمعت طائرة، ثم انفجر شيء ما، مات سائق سيارة التموين على الفور، واختفى شاب آخر تماماً كان في مركز الانفجار، وأصبت أنا في عيني وفي ساقي وأنحاء جسدي كافة» يقول أبو منير عن نهاية خدمته كسجان للمعتقلين الإيرانيين.

التبادل سراً

في ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣ أكدت جمعية IHH التركية أن إطلاق سراح المختطفين الإيرانيين – وبعضهم من عناصر الحرس الثوري «المتقاعدين» – جاء في نطاق صفقة سيتم بموجبها إطلاق سراح 2130 سجيناً لدى الحكومة السورية.

وقالت الجمعية أن فريقها الديبلوماسي نجح في الوصول إلى اتفاق مع السلطات السورية على صفقة تبادل للسجناء، تخلي بموجبها المعارضة السورية سبيل المدنيين الإيرانيين الـ48، بينما تخلي السلطات السورية سبيل 2130 سجيناً منهم 70 امرأة وبينهم سجناء أتراك، وأن تنفيذ الصفقة بدأ عملياً صباح اليوم.

في دوما، تم استنفار مجموعة من المقاتلين منذ ساعات الفجر الأولى ليوم التاسع من كانون الثاني، «أخبرت المجموعة بأن عليها حماية الطريق لتأمين إدخال وفد من قوات النظام يعمل على المصالحة بين المناطق» يقول أحد قادة المجموعات التي أمنت الحماية للباصات.

وانتشر المقاتلون على الطرق، وعند السادسة والنصف صباحاً كان أحد قادة المجموعات الرئيسية العاملة في المنطقة يربط الطريق مع مجموعته من طريق مستشفى حرستا العسكري، إلى كرم الرصاص وصولاً إلى البرج الطبي حين مرت قافلة من باصين وسيارتي جيب، في تلك اللحظة فقط علم القائد العامل تحت إمرة أبو فهد حديد (شقيق أبو جمال حديد) بان ما يجري هو عملية تبادل للمعتقلين الإيرانيين وفق ما يقول من مقر إقامته في الأردن حالياً.

انتظر هذا القائد ثلاث ساعات وهو يقف مع قواته في الطريق، ومروا بعد ثلاث ساعات من بين المقاتلين من دون أن يعلم هؤلاء من الذي خرج على متن الباصات.

بعد عام كامل، التقى قائد المجموعة الحامية للتبادل، الذي تحول إلى أحد القادة الأكثر بروزاً في المنطقة، بالوسيط السوري المكلف التفاوض من جانب قطر وتركيا، وأخبره الأخير بأن عملية التبادل تمت يومها، ولكن قبل أن تتم عقدت آخر جلسة للتفاوض على متن الباص، واتفق خلال نصف ساعة على آخر النقاط العالقة، وأجريت الاتصالات لتأكيد وصول المبالغ المالية المحولة، ثم أصعد الإيرانيون في الباصات وانطلقوا نحو دمشق.

على الضفة الأخرى أخرج النظام السوري أعداداً من المعتقلين، تحت إشراف الجمعية التركية، انتظر أهالي دوما والمناطق المحيطة بدمشق وصول أبنائهم الواردة أسماؤهم في لوائح مقدمة من جانب فصائل الجيش الحر، إلا أن الأشخاص الذين أطلق سراحهم من سجون النظام السوري لم يكونوا هم أنفسهم من سجل الأهالي أسماءهم. «في دوما على الأقل لم يعد إلينا أحد من المعتقلين الذين طالبنا بهم» يقول أحد القادة من دوما، ويضيف: «لقد أطلق النظام ألفين من المعتقلين غالبيتهم من الذين اعتقلوا قبل ثلاثة أيام من التبادل، وبعضهم من المعتقلين الجنائيين، ولوائح الأسماء التي حملها الوفد التركي المشرف على التفاوض لم تكن هي نفسها التي قدمناها».

ويتحدث أحد القادة من منطقة الغوطة عن عملية الإفراج عن معتقلي النظام، حيث يشير إلى أنه قدم الكثير من الأسماء، ولكن لم يطلَق منهم أحدٌ، «لقد بدأت عمليات اعتقال عشوائية، صار جنود النظام يعتقلون عابري السبيل، ويخضعونهم لصنوف التعذيب أياماً قبل عملية التبادل المزمعة، وحين أتى وقت التبادل أطلقوا كل من اعتقلوه في الأيام الاخيرة، ومعهم مئات من المساجين المدانين بجرائم عادية وآخرون كانوا قد تثبتوا من عدم مشاركتهم بأية أعمال لها علاقة بالثورة».

إحدى الناشطات البارزات التي أطلقت لاحقاً تحكي لاصدقائها أنها وضعت خلال ترتيبات عملية الإطلاق في سجن انفرادي، وكذلك الطبيب خلدون سراوي الذي عالج أبو النصر خلال إصابته في اشتباك مع النظام في بدايات الثورة، كان قد اعتقل لعلاجه الثوار، ولم يطلق سراحه في عملية التبادل بل لقي مصيراً أسود.

المشاركون في عملية الخطف والمفاوضات:

أبو ابراهيم الإدلبي: قتل خلال الاشتباكات المباشرة مع جيش النظام في اقتحام الجيش منطقة عربين نهاية ٢٠١٣، وتركت عائلته من دون معيل.

أبو عباد الأخرس: (نائب أبو محمود في كتيبة حمزة) وضع في سجن أبو النصر، قائد فيلق الرحمن حالياً، بتهمة بيع ذخائر.

أبو محمود نمورة: (قائد كتيبة حمزة) ويدعى أيضاً أبو حمزة نمورة نسبة إلى كتيبته، اعتقل لدى أبو النصر بتهمة الفساد، وتم تهريبه من جانب جيش الإسلام، وعاد وانضم إلى الجيش المذكور.

أمير البداوي: (أبو توفيق الملقب بالحوت) قتل خلال الهجوم على الفوج ١٦.

أبو جمال حديد: (نائب أبو النصر) طرد من فيلق الرحمن وعاد للعمل كمزارع.

أبو سليمان حديد: (مدير مؤسسة البراء الإغاثية) توقفت المساعدات المقدمة من الدول للمؤسسة، وتوقفت المؤسسة عن العمل، وعاد إلى الحياة المدنية من دون أي نشاط.

الدكتور جمال: شقيق أبو النصر، الذي تم تحويل الأموال إلى حساباته ضمن صفقة التبادل، انتقل من العمل في قطر إلى العيش في تركيا.

https://youtu.be/czxgxCgVzs0

(الحياة)

السابق
ملكة جمال سوريا: «بشار لا يؤذي نملة».. لكن ما قصة عرفات؟
التالي
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم السبت في 9/5/2015