هل سمحت إسرائيل بإسقاط الأسد؟

للمرة الأولى، منذ أربع سنوات، يجد المحللون أنّ النقاش الفعلي بات ممكناً: هل يسقط نظام الرئيس بشّار الأسد؟ وإذا كان ذاهباً نحو السقوط، فما المعطيات الجديدة التي تبرّر ذلك؟ وماذا يعني السقوط -إذا كان ذلك وارداً- على المستوى الاستراتيجي؟ وهل أقوياء الشرق الأوسط يستعدّون لِما بعد الأسد؟

كلام داغان لا يترجم عمق التوجّه الإسرائيلي في سوريا هناك قلق غير مسبوق لدى حلفاء طهران. ولسنوات، وحتى حرب اليمن، بقي هؤلاء يتمتعون بمعنويات عالية، وامتلكوا المبادرة السياسية والقدرات العسكرية المتفوِّقة حيث هم.

وإجمالاً، لم يتذوّقوا مرارة الهزائم:

في لبنان لا يخسر «الحزب»، وفي سوريا لا يسقط النظام، وفي العراق الكلمة للشيعة، وفي اليمن كاد الحوثيون أن يُحكِموا السيطرة لولا تدخُّل السعودية. ولطالما طُرِح السؤال: من أين لهؤلاء هذه القوة، ولماذا يعاني خصومهم الضعف والتفكّك؟

وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج سارعَ إلى طهران قبل أيام، يستوضحها حول مستقبل النظام. ويقول البعض إنّ الوزير عاد بتطمينات غير كافية. وطرح آخرون شكوكاً في مدى التزام طهران بحليفها السوري، وسألوا: هل باعت إيران حلفاءها العرب في صفقة مُربحة مع الغرب، حول النووي وسواه؟

لكنّ المتابعين يؤكدون أنّ الصورة في طهران لا تستدعي القلق الظاهر لدى الحلفاء. ولا يعود ذلك إلى كون إيران غير معنية بالحلفاء. فعلى العكس، هي تعتبر أنّ مستقبلها كقوة إقليمية عظمى مرتبط بقوّتهم. إنما هناك معطيات استراتيجية تطمئن الإيرانيين، في معادلة القوة الشرق أوسطية، ضمن تفاهم ضمني على السقوف بينهم وبين الإسرائيليين والأتراك.

ويسود اعتقاد بأنّ الأسد لم يسقط لأنّ إسرائيل أرادت بقاءه. وهذا يريح إيران وحلفاءها. فنظام آل الأسد حافظ على الجولان هادئاً جداً. وإذا سقط، وسيطر السنّة المتشدّدون، فستكون الحدود في أيدٍ غير منضبطة.

وهذا صحيح. لكنه جزء من الصورة. فالإسرائيليون ليسوا متمسّكين بالأسد تحديداً. وإنما هم يريدون استمراره ليبقى التوازن الصراعي والحرب المؤدية إلى إعادة رسم الخرائط.

فالإسرائيليون يرون مصلحتهم التاريخية في تقسيم المنطقة، والإيرانيون يصبحون مع التقسيم إذا لم يستطع الأسد الاحتفاظ بسوريا كاملة، أمّا الأتراك والسعوديون والروس فيخشون على استقرارهم إذا نشأت دويلات دينية وعرقية.

وينمو اقتناع دولي بأنّ التقسيم يريح الشرق الأوسط من صراعات لن يحسمها أحد. وبدأ الأميركيون يفكرون في التعاطي مع السنّة والأكراد في العراق كبلدين مستقلين، والبقية تأتي. وتفكيك العراق سينعكس تفكيكاً لسوريا، أمّا اليمن فإعادة تقسيمه محتملة.

ولذلك، يدرك الإيرانيون أنّ ما يجري في الدول الثلاث هو سباق على المواقع، مع اقتراب اتفاقهم مع الغرب على الملف النووي. وليس مسموحاً حذف أيّ لاعب خارج الحلبة، لا الأسد ولا الخصوم. ويحظى الأسد، في بيته الداخلي، في الساحل بحماية إقليمية ودولية تخوِّله البقاء. وأمامه إمكانات للاحتفاظ بدمشق.

وتردّد أنّ هناك نقاشات جدية بين واشنطن وموسكو حول رسم خريطة جديدة لسوريا، يتمّ فيها فَرز المناطق الكردية، والمناطق السنّية التي يغلب فيها «الجيش السوري الحر» شمالاً، فيما يحافظ العلويون على الساحل. ويتسابَق الطرفان على توسيع البقعة باتجاه دمشق والجنوب المحاذي لإسرائيل. وهنا يبدو موقع معركة القلمون المتداخلة لبنانياً وسورياً. وستترك التغيُّرات السورية حتماً تداعياتها على المعادلات في لبنان.

في النموذج العراقي، تمّ القضاء على رأس النظام لتوليد دينامية صراعية تنتهي بالفرز الجغرافي. ولكن، لم يظهر إذا كان النموذج السوري مماثلاً، أي يتمّ إسقاط الأسد تمهيداً للفرز. فالأقلية العلوية في سوريا ربما تفتقد القدرات التي يمتلكها سنّة العراق. فإذا سقط النظام، قد يصعب على العلويين تثبيت مناطقهم كما فعل سنّة العراق. ومن هنا خصوصية استمرار الأسد كمدخل إلى الفرز.

وحُرّاس اللعبة الحقيقيون هم الإسرائيليون. ولا تحرص إسرائيل على النظام السوري كسلطة مركزية. وعلى العكس، قد تكون مع إسقاطه، ولكنها ليست مع إسقاط الأسد كقائد للعلويين. ولكانت إسرائيل مع الإسقاط، لو كانت هناك قيادة علوية بديلة.

وكلام الرئيس السابق للموساد مائير داغان، الداعي إلى ترك السلطة في سوريا للمجموعات السنّية، لا يعبِّر عن عمق الموقف الإسرائيلي. أمّا الضربات الإسرائيلية الحدودية، فهي «روتينية» لا أكثر.

ومن هنا، فالأسد باقٍ بدعم إسرائيل أولاً، ولو تقلّبت توازنات القوى في سوريا. فلا يمكن للعبة الشطرنج أن تستقيم من دون حجارتها. والجميع مجرّد حجارة.

(الجمهورية)

السابق
«داعش» يشن هجوماً واسع النظاق في دير الزور شرق سورية
التالي
القلمون بين وَهم القوّة وسوء تقدير الموقف