في ذكرى شهداء الصحافة…

ذكرى شهداء الصحافة، التي تصادف اليوم، هي بالتأكيد مناسبة لتوجيه تحية إكبار وتقدير لأرواح الشهداء والانحناء اجلالا أمام ارواحهم الطاهرة، وأمام كل شهداء الحرية في لبنان والعالم. وهي ايضا مناسبة لاستذكار مهنة عقوق لا ضمانات فيها ولا شعور بالامان ولا نقابات تحمي المنتمين اليها. وأما بعض التقديمات والامتيازات فهي غالباً ما تكون من نصيب القيّمين على النقابات ومَنْ حولهم. واذا كان هناك من رهان على مرحلة افضل، فهو على تنفيذ وعود اطلقها النقيب الجديد للصحافة عوني الكعكي وعلى مشاريع برامج لمرشحين لنقابة المحررين، وهي وعود ومشاريع فيها ما يحتاج اليه ابناء المهنة، ولا سيما في هذا الزمن. وفي النهاية، العبرة في التنفيذ…

وأما الحريات الاعلامية، فحديث يطول. لعل السادس من ايار مناسبة للتذكير بالمعنى الحقيقي للحرية. وبئسها عندما تنتهي حدودها عند التملق وكيل المديح او توزيع شهادات “حسن سلوك” على من يخالف الرأي وأوامر العمليات… وأمام هذا المشهد لا مبالغة في القول إن الصحافة في لبنان، وبعض المنطقة، تعيش أسوأ أيامها.
وفي حديث الذكرى، فإن مسلسل جرائم الاغتيال التي استهدفت الجسم الصحافي، وكان آخر ضحاياه الشهيدان جبران تويني وسمير قصير، يمتد الى مئة عام من الزمن، اذ كان الصحافيان الاخوان محمد ومحمود المحمصاني أول المحكومين بالاعدام شنقاً يوم 21 آب 1915 في “ساحة الاتحاد” التي عرفت لاحقاً بـ”ساحة البرج” قبل ان تصبح ساحة الشهداء. وقد تم اعدام الاخوين محمصاني بناء على أوامر من جمال باشا، وقد استتبعت في 6 ايار 1916 بجريمة جماعية، اذ تم اعدام سبعة صحافيين شنقاً، وهم:

احمد حسن طبارة صاحب جريدتي “الاصلاح” و”الاتحاد العثماني”، سعيد فاضل عقل صاحب جريدة “البيرق” ورئيس تحرير عدد من الصحف كـ”النصير” و”الاصلاح” و”لسان الحال”، عمر حمد (كاتب في جريدتي “المفيد” و”الاصلاح”، عبد الغني العريسي صاحب جريدة “المفيد” و”فتى العرب” و”لسان العرب”، الامير عارف الشهابي المحرر السياسي في جريدة “المفيد”، بترو باولي مدير جريدة “الوطن” ورئيس تحرير جريدة “المراقب”، وجرجي حداد الصحافي في جريدة “المقتبس” و”الرقيب” و”لبنان”. وفي 5 حزيران 1916 انضم الى قافلة الشهداء الاخوان فيليب وفريد الخازن صاحبا جريدة “الارز”. وفي كتاب تحت عنوان “مئة عام بالحبر الاحمر” أصدرته جمعية “مهارات” بالتعاون مع مكتب الاونيسكو الاقليمي في بيروت، توثيق لجرائم الاغتيال التي استهدفت الصحافة، جاء انه بعد اثنين واربعين عاماً على تلك المجزرة التي تمت بأوامر من السفاح جمال باشا، اغتيل فجر الثامن من ايار 1958 نقيب المحررين السابق نسيب المتني المعروف بمعارضته لعهد الرئيس كميل شمعون والتمديد له. وفي 16 ايار 1966 اغتيل كامل مروة صاحب جريدة “الحياة” داخل مكاتب الجريدة في منطقة “الخندق الغميق” قرب ساحة رياض
الصلح.
وفي 16 ايار 1976 قتل الصحافي ادوار صعب رئيس تحرير “لوريان لوجور” برصاص قناص مجهول اثناء توجهه من الاشرفية الى مكتبه في الحمراء.
وفي 4 آذار 1980 اغتيل الصحافي سليم اللوزي صاحب ورئيس تحرير مجلة “الحوادث” بشكل متوحش، اذ تعرض للتعذيب بعد خطفه على طريق المطار لدى عودته الى لندن بعدما شارك في جنازة والدته. في صباح 23 تموز 1980 اغتيل نقيب الصحافة رياض طه بست رصاصات من النوع المتفجر اخترقت رأسه. وفي 24 شباط 1986 عثر على الصحافي سهيل طويلة جثة في محلة النورماندي في بيروت بعد 24 ساعة على خطفه من منزله بعد عودته من مبنى جريدة “النداء” الشيوعية التي كان يترأس تحريرها.
وفي 17 شباط 1987 اغتال مسلحون الاديب والمفكر والكاتب حسين مروة داخل منزله في بيروت وكان في السابعة والسبعين من العمر. وصباح 2 حزيران 2005 اغتيل الكاتب السياسي في “النهار” والصحافي العربي – الدولي سمير قصير بعبوة وضعت داخل سيارته في الاشرفية. وصباح الاثنين 12 كانون الأول 2005، بعد اشهر على استشهاد سمير قصير، امتدت يد الاجرام الى جبران غسان تويني بسيارة مفخخة بأربعين كيلوغراماً من المواد المتفجرة وضعت في محيط منطقة المكلس.
هذا غيض من فيض تاريخ شهداء الصحافة في ذكراهم التي تصادف اليوم، مع الاشارة الى ان ثمة جرائم اغتيال استهدفت كتاباً وصحافيين عرباً واجانب في مراحل متفرقة قبل الحرب وبعدها، وأبرزهم الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (1972) في الحازمية.
ثمة سؤال بديهي في تلك الذكرى: هل كان مسلسل جرائم الاغتيال ليستمر لو حوكم واحد على الاقل من المرتكبين؟

(النهار)

السابق
ماذا حصل بين جواد نصرالله، طوني خليفة وزين العمر؟!
التالي
الأسد انتهى وبدأ اقتسام سوريا