شهادات مفزعة لجنود إسرائيليين شاركوا في الحرب على غزة

طفل فلسطيني يجلس خارج منزله المدمر في غزة امس (رويترز)

بعد أيام قليلة على ثناء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على إسرائيل لقيامها بإجراء تحقيقات جوهرية في «انتهاكات» الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب الأخيرة على غزة، فضحت منظمة «كسر الصمت» جانباً من الجرائم، بشهادات الجنود أنفسهم. وأظهرت الشهادات، مثلاً، اعترافات بقيام جنود بتأكيد قتل مسن وإطلاق قذائف على بيت فقط «وفاءً لذكرى زميل قُتل».
وقد نشرت «كسر الصمت» أمس شهادات أكثر من 60 جندياً وضابطاً شاركوا في الحرب على قطاع غزة في تموز الماضي. وترسم هذه الشهادات، وفق المنظمة، مبدأً أساسياً رافق العمليات، ويتمثل في تقليص المخاطر على الجنود إلى أدنى حد، حتى لو كان ثمن ذلك «المساس الهائل وغير المسبوق بالسكان والبنى التحتية المدنية في قطاع غزة».
وحسب أحد الجنود فإن أوامر فتح النار تضمنت رسالة مفادها أن «كل من يتواجد في مناطق احتلها الجيش الإسرائيلي لا يعتبر مدنياً. هذه هي فرضية العمل». وروى جندي، عملت وحدته في شمال القطاع، أن جنوداً أطلقوا النار باتجاه رجل مسن اقترب في ساعات الظهيرة من القوات. وحسب هذا الجندي فإن «الشاب في الموقع ـ ولا أدري ما حدث ـ رأى مدنياً، أطلق النار عليه، ولم يصبه جيداً. المدني استلقى، وتلوى من الألم». وقال الجندي إنه تم قبل ذلك تحذير الوحدة من عجوز يحمل قنابل، لكن جندياً آخر، من الوحدة ذاتها، قال إن الحادث انتهى بقيام أحد الجنود بتأكيد القتل. وبعد ذلك وصلت جرافة من طراز «دي 9» وغطت الجثة بالرمال.
وفي رواية أخرى شهد جندي، من وحدة مشاة عملت في جنوب القطاع، بأن الجنود أطلقوا النار وقتلوا امرأتين حملتا هاتفاً. وقال إن الجنود اشتبهوا بالمرأتين اللتين كانتا تسيران في بستان، فأرسلوا طائرة للتأكد منهما و «تم تشخيصهما كـ»نساء يحملن هاتفاً» وتتحدثان وتسيران. وتم توجيه الطائرة لهاتين الفتاتين، وقتلهما. وبعد أن جرَّمهما الجيش (أي أكد أنهما مشبوهتان بالمشاركة في القتال) كان شعوري أن هذا خطأ».
وحسب شهادة هذا الجندي فإن قائد سرية دبابات وصل بعد ذلك إلى المكان لتمشيطه، ورأى جثتي امرأتين، عمرهما يزيد عن ثلاثين عاماً، وأبلغ قائد الكتيبة أنه ليس لديهما سلاح. ولكن في النهاية سجل الجيش خلاصة مفادها أن المرأتين كانتا «مخربتين» عملتا في الرصد. وأضاف «لقد أطلق عليهما النار، لذلك اعتُبرتا مخربتين».
وفي حالة أخرى أطلق النار على امرأة بدت مريضة نفسياً، ومن دون أن تعرِّض أحداً للخطر. وشخص الجنود المرأة على أنها غير ضالعة بالقتال، وسمح لها قائد الوحدة بالتقدم وما إن اقتربت من القوة حتى تم إطلاق النار عليها وقتلها.
وعموما فإن الشهادات التي تقدمها منظمة «كسر الصمت» تفضح أنماطاً مختلفة من الأساليب المتبعة في عدد من الوحدات على طول أيام الحرب. ويروي جندي من سلاح المدرعات أن قائد السرية أمر بإطلاق قذائف نحو بيوت فلسطينية فقط كذكرى لجندي من السرية لقي مصرعه. وقال: «بدا لي الأمر غير سوي، وإشكالي جداً.. لقد أطلقوا القذائف كما يفعلون في الجنازات، ولكن بقذائف وعلى البيوت. لم تكن قذائف في الهواء. قائد الدبابة قال: اختاروا البيت الأبعد، الذي يؤذيهم أكثر».
وقال جندي مدرعات إنه بعد ثلاثة أسابيع من القتال بدأت منافسة بين الجنود في الوحدة: من يُفلح في إصابة سيارة مسرعة، على طريق كانت تمر فيه سيارات وشاحنات، وأحياناً سيارات إسعاف أيضاً. وهو يقول: «وجدت سيارة أجرة، حاولت أن أطلق عليها قذيفة ولم أفلح بإصابتها. ومرت سيارتان، حاولت بقذيفة أو اثنتين أخريين، ولم أفلح. القائد قال: يللا، انتهى. أنت ستبذِّر لي كل القذائف. توقف. بعدها انتقلنا لاستخدام الرشاش الثقيل». وحسب كلامه، كان يُفهم أنه يطلق النار على مدنيين، إذ قال «أنا، في داخلي، كنت كمن انزعج، لكن بعد ثلاثة أسابيع في غزة، حين تطلق النار على كل ما يتحرك وأيضاً ما لا يتحرك، بكميات كبيرة، فأنت فعلاً لا تعود قادراً على التمييز بين الجيد والسيئ، والأخلاق تتبدد، وأنت تفقد بعضاً من وجهتك، وهذا أصبح نوعاً من لعبة حاسوب، فعلا مثير وحقيقي».

وأسلوب آخر درج بين الجنود، وهو دوس السيارات المتوقفة بالدبابات أثناء الحرب. واعترف جندي بأنه نزل من الدبابة قبل دوس السيارة من أجل أخذ شيء منها قبل تحطيمها. وقال جندي آخر، كان مع سلاح المدرعات، إنه فهم خلال القتال أن كل بيت تواجد فيه الجيش الإسرائيلي سيُهدم لاحقاً بالجرافات، وحتى نهاية القتال لم يوضح أحد للجنود الغاية من هدم هذه البيوت.
وأياً تكن الحال فإن الشهادات الستين لمنظمة «كسر الصمت» سوف تشكل دليلاً آخر على مستوى الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة على قطاع غزة، وتنسف من الأساس الادِّعاء بـ «أخلاقية» هذا الجيش، فأوامر فتح النار التي كانت ترمي للتدمير والقتل من دون سبب وفَّرت الأرضية للعدد الهائل من المدنيين الذين لقوا مصرعهم بعيداً عن خطوط القتال وداخل بيوتهم. وفي نظر كل مراقب نزيه فقد انتهكت إسرائيل المبدأ الإنساني الذي يوجب التمييز بين المدنيين والمقاتلين أثناء القتال. والواضح أن إسرائيل اتخذت لنفسها طريقة جديدة، وهي القتل أولاً، ثم البحث عن مبررات ذلك. وهذا ما لا يختلف اثنان على أنه جريمة حرب موصوفة، فالقانون الدولي لا يحظر فقط استهداف المدنيين بل يحظر أيضاً استهداف مناطق عسكرية بطريقة قد توقع ضحايا مدنيين من دون تمييز.

باختصار يشير تقرير «كسر الصمت» بوضوح إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم في الحرب الأخيرة على غزة النيران من دون حساب، ما أدى إلى سقوط أكثر من 2200 شهيد فلسطيني، وإلى وقوع أكثر من 11 ألف جريح، فضلا عن تدمير آلاف البيوت.
عموماً لخص قائد لواء المظليين العقيد أليعزر توليدانو، في مقابلة مع موقع «والا» قبل أيام، جوهر نظرية القتال الإسرائيلية بقوله «نحن لا ندخل بيتاً نلحظ فيه مخرباً. إذا لحظنا مخرباً في البيت، فإن هذا البيت يُدمَّر». أما المدَّعي العسكري العام الجنرال داني عفروني فاضطر للاعتراف، في مقابلة مع صحيفة «هآرتس» في نيسان الماضي، «لن تسمعوا مني أن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم».

(السفير)

السابق
ايران تحظر تسريحات الشعر.. لمكافحة «عبادة الشيطان»
التالي
«النصرة» تنشر تسجيلاً مصوراً للعسكريين: لاختيار مفاوض موثوق