لوحة ميدانية بعد «عاصفة الحزم» وسقوط إدلب: تحييد حلب المدينة..والقرداحة تحت مرمى النيران!

التغييرات في المعادلات على الأرض لا تُطيح بالأسد عسكرياً بل تدفعه حتماً لمفاوضات جدّية من دون مناورات

على رغم ما تُشيعه المطابخ الإعلامية المحسوبة على قوى الثامن من آذار، ولا سيما تلك التي تدور في فلك «حزب الله» من أن معركة القلمون باتت على قاب قوسين أو أدنى، فإن المعطيات المتوافرة من غير جهة، لا تؤشر إلى مناخات مماثلة. صحيح أن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله حسم، قبل أشهر، أن معركة «ما بعد ذوبان الثلج» واقعة لا محالة، وكان إعلانه هذا يعكس الاندفاعة الإيرانية لتحقيق القدر الأكبر من الانتصارات في ساحات الصراع المفتوحة من العراق إلى سوريا واليمن، مستفيدة من الهامش الذي توفره المفاوضات حول ملفها النووي مع الأميركيين، إلا أن الكثير من التحولات قد حصلت على مستوى الإقليم منذ ذلك التاريخ، وفي المشهد السوري.

 
وفي رأي مطلعين عسكريين لبنانيين أن تطورات اليمن، مع انطلاق «عاصفة الحزم»، أرجأت الاستحقاقات العسكرية الميدانية التي كان يُحكى عنها على لسان الحزب، ومن ضمنها معركة القلمون، ولكن ثمة تطورات جديدة اليوم تمثلت بالتقدّم الذي حققته المعارضة المسلحة في محافظة إدلب وسقوط جسر الشغور التي تُشكّل «عقدة وصل» استراتيجية بين محافظات حلب وحماه واللاذقية. وهذا التطور من شأنه أن يفرض تبدّلاً في أولويات المعارك، ولا سيما أن معركة القلمون، من وجهة نظر هؤلاء، لا تشكل تهديداً للنظام السوري أو خطراً مميتاً له، بقدر ما هي معركة تؤمّن حماية الحدود اللبنانية – السورية، وتريح «حزب الله»، أكثر ما يعني عملياً تريثاً جديداً حيالها، إلا إذا اتخذت الأمور منحى آخر، وباتت المعادلة هي معادلة الدفاع بدل الهجوم، بمعنى أن تكون المعركة قد فرضت نفسها على «حزب الله».

 
ما يدفع معنيون بالشأن العسكري إلى وضع هذا الاحتمال هو ضبابية الصورة الراهنة في سوريا، لجهة مدى قدرة النظام على شن معركة مضادة لاستعادة جسر الشغور وزمام الأمور من جديد، والأهم لجهة عدم وضوح المدى الذي يمكن أن تصل إليه المعارضة المسلحة، على ضوء الخطوط المرسومة من القوى الإقليمية الداعمة لها، والوجهة التي يمكن أن تأخذها في خطواتها التالية، الأمر الذي سيرسم مسار المعارك ويحدّد أولويات المواجهات ومكانها.

 
تلك القراءة تتلاقى مع قراءة مطلعين على مجريات الأمور في مقلب المعارضة السورية. فهؤلاء لا يرون أن لمعركة القلمون أي أهمية في مسار المعارك راهناً، ولا تُغيّر في المعادلات الاستراتيجية التي تشهدها سوريا الآن، وهي ليست على خارطة المعارضة المسلحة، إلا من زاوية حرب العصابات وعمليات ضد نقاط لـ «حزب الله» والنظام، وإن كان هؤلاء يشككون بقدرة الحزب على خوض هكذا معركة، في وقت أن الجبهات الأخرى الأساسية باتت تحت التهديد.

 
ويذهب المتابعون لمسار المعارضة السورية إلى رسم معالم الخارطة الحالية. فالجبهة الجنوبية باتت في مأمن من الخطر الذي سبق أن واجهها خلال شهر شباط الماضي، يوم اتجهت إيران عبر قوات من الحرس الثوري وميليشيا «حزب الله» لحسم المعركة هناك، وقيل أنها كانت تعدّ العدّة لمعركة ثانية في الربيع. أما في الجبهة الشمالية، فإن محافظة إدلب التي شهدت التحوّل خلال الأسابيع الماضية، أضحت بشكل شبه كامل في يد المعارضة التي استطاعت أن تغيّر في المعادلة الميدانية جرّاء حصول غالبية فصائلها على أسلحة وذخائر وسلاح نوعي ليس في حقيقة الأمر سوى «صواريخ تاو» المضادة للدروع بكميات كانت كافية لإخراج الآليات من المعركة، وخلخلت التحصينات ما أمّنَ فتح الطريق أمام المقاتلين لحسمها بسرعة وسهولة أكبر.

 
وفي رأي قياديين في المعارضة السورية أن ما تحقق في محافظة إدلب هو تقدم استراتيجي في المعادلة العسكرية وستتم حمايته، لا بل إنه يؤسس لتقدّم مدروس في اتجاه المحافظات الأخرى لتحقيق مزيد من الانتصارات الاستراتيجية التي يمكنها أن تغيّر في موازين القوى الداخلية، مع الأخذ في الاعتبار الحدود المسموح فيها والمرسومة إقليمياً، ولا سيما من قبل تركيا والتحالف العربي، على ضوء الاندفاعة بفعل «عاصفة الحزم»، وإشارات الرئيس الأميركي عن ضرورة دور عسكري عربي لحل الأزمات في المنطقة ومنها سوريا.
وإزاء التساؤلات عن الوجهة المقبلة للمعارضة، ما إذا كانت حلب أو حماة أو الساحل السوري، فإن معطيات هؤلاء تؤشر إلى استبعاد خوض معركة في اتجاه حلب المدينة، نظراً إلى أهمية حماية المدينة ونسيجها الاجتماعي وعدم تعريض ما يزيد عن مليون ونصف المليون نسمة إلى أزمة نزوح، ليس في مقدور تركيا استيعاب المزيد منهم، على أن تتركز المعارك في محافظة حماة على إحراز تقدّم في الأرياف باتجاه المدن لناحية الساحل، والتي يعتبر النظام، ومعه إيران و«حزب الله»، أنها تشكل جزءاً من مشروع «الدولة العلوية» مستقبلاً، ذات النفوذ الإيراني.

 
ولعل الأهم أن خطة المعارضة السورية لا تُسقط من حساباتها الساحل السوري، بل تشمل محافظة اللاذقية لجهة السعي للتقدم إلى عدد من البلدات، وفي مقدمها القرداحة، بما تشكله هذه البلدة من دلالة معنوية لرأس النظام، وبما تحدثه من اهتزاز داخل الطائفة العلوية التي لا تزال تُشكّل الحصن المنيع للرئيس السوري بشار الأسد. في الحسابات، كلام عن أهمية حماية المكوِّن العلوي من تعرّضه لردّات فعل انتقامية في حال دخول فصائل المعارضة إلى مدن الساحل، إلا أن هذا لن يمنع من توقع أن تشهد تلك البلدات حالة نزوح جماعية، تحسباً من أعمال انتقامية، وهو نزوح بدأ يتردّد في بعض الأوساط أن لبنان قد يكون وجهته.

 
البارز في قراءة المطلعين على مسار التطورات في مقلب المعارضة السورية، اقتناعهم بأن ما يحصل من تغييرات في المعادلة على الأرض لن يصل إلى حدود الإطاحة عسكرياً بالأسد، بقدر ما يهدف لدفعه إلى التسليم للذهاب إلى مفاوضات جدّية وفعلية من دون مناورات، تفضي إلى إيجاد تسوية سياسية تؤول إلى خروجه من الحكم وتفتح الطريق أمام بناء دولة موحدة ديموقراطية تعددية. لكنه من غير الواضح بعد، الظروف التي تحيط بالرهان على إمكان دفع الأسد إلى التفاوض والتخلي عن الحكم، وما إذا كانت ترتبط بالنتائج المنتظرة لمرحلة ما بعد التوقيع على الملف النووي الإيراني!

(اللواء)

السابق
شروخ الشخصية المصرية وانفجارها
التالي
محطات التلفزة اللبنانية لم تعد مجانية